كتبه/ حسن حسونة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تكلمنا في مقالٍ سابقٍ عن المعاناة التي يعيشها إخواننا في فلسطين، وقلنا رغم ذلك فإنهم يعيشون أنواعًا من النصر والتمكين.
ووعدُ الله لهذه الأمة بالتمكين ثابتٌ في القرآن، ووعدُ رسولهِ -صلى الله عليه وسلم- ثابتٌ في السنة النبوية، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا، قال الله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَ?لِكَ فَأُولَ?ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55).
قال الشيخ السعدي: "هذا من أوعاده الصادقة التي شوهد تأويلها ومَخبرُها؛ فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة أن يستخلفهم في الأرضِ، يكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأنه يُمكن لهم دينهم وهو دين الإسلام الذي فاق الأديان كلها، ارتضاه لهذه الأمة لفضلها وشرفها، ونعمته عليها بأن يتمكنوا من إقامته وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة في أنفسهم، وفي غيرهم، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار مغلوبين ذليلين..." (تفسير السعدي).
ولكن قد يتأخر هذا النّصر والتمكين لعقبات، وحتى يتحقق النّصر لابد من تخطي هذه العقبات، وهذا كحال المريض متى عرف داءه وعرف دواءه، فهو جديرٌ بأن يبادر إلى أخذ الدواء حتى يزول الداء، فإن استمر على الداء ولم يتناول الدواء؛ ظل عليلًا!
ومن هذه العقبات: ضعف الجانب العقدي والإيماني لدي كثيرٍ من أبناء الأمة؛ ممَّا أدى إلى ضعف الكيان وانهزامه؛ فالضعف ظاهر في توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، وتحقيق الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وظهرت الانحرافات، وانكشفت الصراعات، وكل حزبٍ بما لديهم فرحون.
ومنها: حبُ الدنيا وكراهية الموت، فظهر الغثاء الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، العدد كثير والنفع قليل، وعلى ذلك اجتمعت الأمم الكافرة على أمتنا كما تجتمع الأكلة إلى قصعتها!
ومنها: إضاعة الصلوات -وبالأخص صلاة الفجر-، واتباع الشهوات المحرمة، وشرب الخمر، والزنا، واكل الحرام من الربا والرشوة، والشغل بما يصد عن سبيل الله، وعن الهدى المستقيم.
ومنها: عدم تجريد العمل لله؛ فهذا يعمل لعصبية، وآخر لحزبية، وثالث لمذهبية، والله يريد منا أن يكون العمل لله وحده.
ومنها: عدمُ الإعدادِ لأعداء الأمة كما أمر الله وأوصى، وهذا الإعداد إيماني، وعلمي، وبدني، واقتصادي، وعسكري، وسياسي، وكل ما تحمله كلمة "قوة" في قوله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال: 60).
ومنها: عدم الشعور بالمسؤولية لدى كثيرٍ من المسلمين، والكل يُلقي بالتبعية على الآخرين، ولا شك أن ذلك ضعف وخورٌ، فأنت أمة وإن كنتَ وحدك؛ لما قرأ ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إن معاذًا كان أمة، قيل له: إن إبراهيمَ كان أمة، فقال: أتدرون ما الأمة؟ قال: الأمة القدوة"، فأنت أيضًا أمة وإن كنت وحدك.
هذه بعض العقبات التي يجب على الأمة أن تتخطاها حتى تتأهل إلى التمكين والنصر من الله، ويجمع ذلك كله قول عمر -رضي الله عنه-: "إنا كنا أذل قومٍ فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
نسأل الله أن يحفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين، وألا يشمت بنا أعداءً حاسدين، وأن ينصر إخواننا في فلسطين، وأن يهلك اليهود الغادرين.