الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 26 نوفمبر 2018 - 18 ربيع الأول 1440هـ

"الهلالي"... وقضية مساواة المرأة بالرجل في "الميراث!"

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فما زال "الهلالي" يصر على تقديم نفسه ممثلًا "للأزهر!"؛ رغم شذوذاته الكثيرة التي تبرأ منها "الأزهر"، بل وما زال مصرًا على أن يكون هو دائمًا الصوت "النشاز" الذي يرد على الأزهر حتى في المسائل المعلومة مِن الدين بالضرورة، والتي تستند إلى دليلٍ قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وأجمعت الأمة عليه، واستفاض علمها بيْن الخاصة والعامة!

ومِن ذلك: تصديه للدفاع عن القانون الذي قدَّمه الرئيس التونسي والحكومة التونسية إلى البرلمان التونسي بشأن مساواة المرأة بالرجل في الميراث، على الرغم مِن إصدار الأزهر لبيانٍ شديد اللهجة حول تصريحات الرئيس التونسي التي أعلن فيها رغبته في المطالبة بهذا القانون!

والمشكلة: أن "سعد الدين الهلالي" لمَن سمع مداخلته ببرنامج "الحكاية" يوم (24-11-2018م) يعلم جيدًا أن المسألة تستند إلى دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وأنه لم يقل أحدٌ عبْر تاريخ الإسلام بما يخالفه، وسعد الدين الهلالي دائمًا ما يبحث في أي مذهبٍ فقهي؛ سواء كان مِن مذاهب أهل السُّنة أو مِن مذاهب غيرهم؛ ليسوِّغ للعالمانيين كل ما يرغبونه مِن تحريفٍ وتبديلٍ باسم الدين! ولكنه في هذه المسألة عجز عن أن ينسبها إلى أي عالمٍ مِن أي مذهبٍ كان، حتى ولو كان مِن مذاهب المبتدعة!

فلما سئل عن سلفه في المسألة قال: "علماء تونس الحاليين!"، مع أن "علماء الزيتونة" أصدروا بيانًا مشابهًا لعلماء الأزهر، يستنكرون فيه هذا التلاعب بحدود الله.

علمًا بأن "جامعة الأزهر" أصدرتْ بيانًا في اليوم التالي مباشرة تبرأتْ فيه مِن أقوال "سعد الدين الهلالي"، وبيَّنت أنه لا يمثِّل الجامعة في قليلٍ أو كثيرٍ.

الهلالي والاستدلال الأعوج:

قرر الهلالي أن المسألة قطعية، ولكنها تقرر حقًّا وليس واجبًا، وبالتالي لصاحب الحق أن يتنازل عنه، وضرب مثلًا بأسرتين: الأولى مات الأب فتمسك أبناؤه الذكور بقوله -تعالى-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء:11)، وقسَّموا التركة على هذا النحو، بينما الأسرة الثانية لما مات الأب تراضوا أن يقسِّموا الميراث بينهم بالتساوي بيْن الذكر والأنثى.

ثم تساءل: أي الأسرتين أقرب إلى الشريعة، وإلى التراحم، وأقرب إلى التحضر؟! مبينًا أن ما تفعله تونس الآن رقي مِن الممكن أن نصل إليه في مصر بعد عشرين سنة أو ثلاثين سنة (نعوذ بالله -تعالى- مِن أن نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله).

وإليك الرد على ما ألقاه مِن شبهةٍ وتلبيسٍ:

نعم لصاحب الحق أن يتنازل عنه، ويكون في ذلك محسنًا، ولكن الذي أخفاه الهلالي أملًا ألا ينتبه إليه المستمع؛ أن قانونهم المشؤوم سيجبر الجميع على تلك القسمة، ولا يترك خيارًا إلا في حالة وصية الوالد قبْل وفاته أن تقسَّم تركته بالطريقة الشرعية، وأما عند عدم وجود تلك الوصية فالذي يُنفذ هو شريعة "قائد السبسي" و"سعد الدين الهلالي"، وبالتالي فشريعتهم تلتهم ما قررته الشريعة الإسلامية مِن حقٍّ، وتدفع الحق إلى غير صاحبه بالباطل، وهو ظلم مركب -والعياذ بالله!-.

ولا نعرف أن عاقلًا مِن العقلاء "في أي أمةٍ مِن الأمم": جاء إلى حق ثابت مقرر، ثم قال: طالما أن هناك مَن يتنازل عن هذا الحق عن طيب نفسٍ منه، فيجب أن نسن قانونًا يسلب هذا الحق مِن جميع أصحابه!

ولتتضح الصورة أكثر نقول: ثم ماذا لو طردنا "قاعدة الهلالي"؟!

وحيث إن التبرع الاختياري يمكن أن يحصل بيْن أي متعاملين: مِن بائعٍ ومشترٍ أو موظفٍ وشركةٍ أو... وبناءً على قاعدة الهلالي، فإن مجرد تصور وقوع التبرع واستحسانه بالطبع، فسيجعل للبرلمان الحق في أن يَنتزع مِن أي فئةٍ أموالهم ويضعها لأي فئةٍ أخرى، طالما أن المال كان مِن الممكن أن يُتبرع به، فهل تسقيم حياة بهذا؟!

ولا نظن أن الهلالي يمكنه أن يطالِبَ بمثل هذا في غير مسألة الميراث، فشريعة "راند" التي تطالب بالمساواة بيْن الرجل والمرأة في الميراث لا تكتفي بحماية الملكية الفردية، بل تبالغ في حمايتها، ولو تصورنا أن رجلًا اشتراكيًّا قام ينادي الآن بالتأميم أو المصادرة أو... لانبرى له المعترضون مِن كل حدبٍ وصوبٍ رافضين هذا الظلم، ومنددين بأكل أموال الناس بالباطل.

وإذا تكلمنا عن حال الأخ مع أخته، فلو تصورنا أن أخًا أهدى أخته هدية مِن ماله الذي اكتسبه، وليس مما ورثه عن والدهما؛ فلا شك أن هذا مِن الإحسان ومِن البرِّ، ولكن لو صدر قانون يمنح كل امرأة جزءًا مِن مال أخيها بلا أي مسوغٍ؛ فهو بلا شك مِن أكل أموال الناس بالباطل، ومِن إلقاء العداوة والبغضاء بيْن الناس، ومِن قلب الأرحام المتراحمة إلى أعداءٍ متصارعةٍ.

فإذا تقرر هذا؛ فالصواب عند كل مؤمن أنه لا فرق البتة بيْن ماله الذي اكتسبه مِن عمله وبيْن المال الذي كتبه الله له مِن ميراث أبيه، ولا يفرِّق بينهما إلا مَن أعمى الله بصيرته عن معرفة أحكامه؛ لا سيما تلك المجمع عليها.

ففي دين الإسلام بمجرد وفاة الإنسان تنتقل ملكية تركته إلى ورثته حتى إنه لو مات رجلٌ ثم لحقه وارث له بعد لحظة، يحسب ميراث ذلك الوارث ثم يقسَّم على ورثته، وبعد أن يتقرر هذا الحق فإذا جاء أحد الورثة فتنازل عن كامل حقه أو عن جزءٍ منه لوارثٍ آخر؛ سواء جاء هذا التنازل مِن أخ لأخته أو العكس، أو مِن مجموع الورثة لأقارب ليس لهم نصيب في الميراث؛ فكل ذلك حسن، ومِن مكارم الأخلاق؛ أما أن يصدر قانون يأخذ مِن هذا ويعطي لذاك؛ فهذه مناقضة لأحكام الله -تعالى-، والعياذ بالله.

ويتضح هذا أكثر: إذا علمنا أن الشريعة الإلهية تختلف عن القانون في أنها تجمع بيْن الحقوق والواجبات؛ بالإضافة إلى المستحبات، وأما القانون فيتحدث عن الجانب الملزم، والذي تلتزم الدولة بفرضه وتطبيقه بيْن الناس، وبالتالي كان بعض المنافحين عن عدم تجريم بعض الجرائم الشرعية كالزنا بالتراضي يعتذرون بأن الزنا جريمة شرعًا وخلقًا، ولكن لا يلزم أن يجرِّمها القانون، ولا يجب أن تلتزم الدولة بمعاقبة مرتكبها، وهذا الكلام مع فساده البيِّن، ومخالفته للشريعة الإلهية والفطرة الإنسانية، وما جرَّه على المجتمعات الإسلامية مِن ويلات، لكن يبقى أنه لم يَمنع مِن أن توجيه خطاب وعظي وأخلاقي يحارب تلك الرذيلة، وإن كان قد جعل الدولة تتنصل مِن تطبيق العقوبة الشرعية عليها، بل ولا حتى بأي نوع عقوبة ولو دون العقوبة الشرعية؛ لأن القاضي لا يملك في الجرائم غير المنصوص عليها قانونًا إلا الحكم بالبراءة.

ومع هذا الفساد البيِّن في هذا الجانب إلا أن الفساد في القانون المقترح أشد؛ إذ إنه يلزم الدولة أن تأخذ مِن حق رجل كتبه الله له وتعطيه لأخته رغمًا عنه، ربما وعنها أيضًا، ولا يمكن أن تترك الدولة ذلك الظلم إلا إذا كان الوالد قبْل أن يتوفى قد كتب وسجَّل أنه يريد هو أن تقسَّم تركته وفق شريعة الإسلام.

ثالثًا: هل مِن مصلحة المرأة أن تعادي أشقاءها الذكور؟

كثيرًا ما يطالِب الهلالي وغيرُه مَن يَدْعون إلى تطبيق الشريعة بالتأني، ومراعاة التدرج وعدم استعجال النتائج حتى يتقبل المجتمع أي تغيير ولو إلى الأحسن، ثم نجدهم في هذا الباب يقفزون قفزًا فوق الواقع المرير المنتشر في كل أنحاء العالم الإسلامي مِن منع المرأة مِن ميراثها المعتبر شرعًا، فنجد الأخ الشقيق الشفيق الذي يمكن في بعض الأحيان أن يقدِّم حياته فداءً لأخته هو هو مَن يتنصل مِن تسليمها ميراثها مِن أبيها، وذلك بما يوحي الشيطان إلى بعضهم مِن أن مال الأب هو مال العائلة وأنه لو انتقل إلى الأخت فمصيره إلى زوجها أو إلى أبنائها الذين يحملون اسم رجل آخر غير أبيهم الذي هو مِن وجهة نظرهم صاحب المال.

وهذا الباطل إنما يتسرب إلى مَن لم يستحضر أن المال مال الله، وأنه في يد كل مالك له أشبه بالعارية، وأن الله هو المالك الحقيقي لكل ما في الكون، وقد قضى أنه إذا مات ابن آدم انتفت ملكيته عن ماله، وصار تلقائيًّا ملكَ الورثة بالأنصبة الواردة في دين الله -عز وجل-.

ومع هذا فالواقع يقول: إن المرأة عندما تخيَّر بيْن أن تقاضي أشقاءها وبيْن أن ترضى بهضم ميراثها فغالبًا ما ترضى بالظلم محافظة على بقاء علائقها برحمها، وإن كان هذا لا يجعل ظلم أشقائها لها حلالًا، بل لا يجوز مجرد إحراجها لكي تتنازل عن حقها.

فمِن كمال شريعتنا الإسلامية: أنه كما أجمع العلماء على أن للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لوجود النص الصريح مِن قوله -تعالى-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، فقد أجمعوا أيضًا على حماية المحسنين والضعفاء مِن النساء وغيرهن مِن أن يتعرضوا لأدنى إحراجٍ معنوي للتنازل عن شيء مِن حقوقهم أخذًا مِن قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء:29)، وغيرها مِن الأدلة.

قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-: "أَلَا تَرَى إلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَيَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مِنْهُ بِذَلِكَ لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ فِيهِ إكْرَاهًا بِسَيْفِ الْحَيَاءِ؛ فَهُوَ كَالْإِكْرَاهِ بِالسَّيْفِ الْحِسِّيِّ، بَلْ كَثِيرُونَ يُقَابِلُونَ هَذَا السَّيْفَ وَيَتَحَمَّلُونَ مِرَارَ جُرْحَهُ، وَلَا يُقَابِلُونَ الْأَوَّلَ خَوْفًا عَلَى مُرُوءَتِهِمْ وَوَجَاهَتِهِمْ الَّتِي يُؤْثِرُهَا الْعُقَلَاءُ، وَيَخَافُونَ عَلَيْهَا أَتَمَّ الْخَوْفِ" (الفتاوى الفقهية الكبرى).

ولكن في حالة ذلك القانون المشؤوم فإنه مِن المعلوم أنه لا كلام الهلالي "ولا ألف مثله"، ولا ذلك القانون "ولا ألف قانون" سيغيِّر مِن قناعة الرجال بحقهم الشرعي، ولا مِن قناعة النساء أنهن يأكلن بمقتضى هذا القانون الجائر مالًا باطلًا؛ وهذا لما قدَّمناه مِن كون هذا الحكم قطعيًّا ثبوتًا ودلالة.

وبالتالي: فالمرأة التي تزعمون إرادة نفعها إما أن ترد إلى أشقائها حقوقهم الشرعية خوفًا مِن الله وفرارًا مِن أكل مال أشقائها بالباطل، فلا تنتفع مِن قانونكم بشيءٍ، وإما أن ترضى أن تكون هي عند نفسها ظالمة آكلة لمالٍ باطل في دينها (وإن كان مباحًا في شريعة قائد السبسي، والهلالي!).

ولا شك أن أدنى ما يترتب على هذا مِن مفاسد هو: قطعية الرحم، والتدابر والتباغض بيْن الأشقاء، وهذا يدل أن القانون في وادٍ، ومثال الإحسان الاختياري الذي ضربه لنا الهلالي مثلًا في وادٍ آخر! وما أشبه مثله بمثل مَن وصفهم الله -تعالى- بقوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:275).

وقديمًا أراد الناس بأهوائهم أن يتدخلوا في الإيجار الذي هو في دين الله بيع منفعة عين، ويشترط له أن يؤقت بمدةٍ؛ حتى لا يتحول المستأجر وكأنه قد ملك العين، وهو ما يترتب عليه الكثير مِن المشاحنات بينه وبين مالكٍ لم تزل كل علائقه بالعين، ومع هذا فلا سبيل إلى انتفاعه بها حالًا أو مآلًا؛ فلو أرادا ذلك فليكن بيعًا بمسمى البيع وشروطه، وبالتراضي عليه.

الحاصل: أنه صدرت قوانين حسَّنها وزيَّنها حينها مَن زيَّنها، ووصفوها بالتقدمية (يوم كانت التقدمية اشتراكية!) وخالفوا إجماع الفقهاء (رغم أن إجماعهم في مسألة الإجارة ليس بشهرة وقوة ثبوت ودلالة مسائل الميراث)، وبعد عشرات السنين اكتشفوا أنهم أساءوا وأفسدوا الثروة العقارية، وأوقعوا العداوة والبغضاء بيْن المالك والمستأجر، والآن يجد الجميع صعوبة في إصلاح هذا الفساد! ومع هذا فالجميع يقدِّمون قدمًا ويؤخِّرون أخرى خشية مِن أي تعديل يسبب نوعًا مِن الاحتراب المجتمعي (وهذا مطلوب).

ولكن العجب فيمَن يسير في نفس الاتجاه الباطل بإهمال قواعد الشرع، والانحياز إلى فئةٍ على حساب أخرى، وعدم إدراك أن الحقوق الشرعية يجب على الجميع صيانتها وعدم المساس بها، ولكن الجميع يسير في طريقه بسرعة الصاروخ غير مكترث لأي احترابٍ مجتمعيٍ يمكن أن ينشأ عن شرائعهم التي يشرِّعون.

أخيرًا:

حينما قال الأعرابي للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ما سأله عن الفرائض: "وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ) (متفق عليه)؛ ولأن هذه الواقعة مِن ضمن الوقائع التي تدل على سماحة الإسلام؛ فلابد أن "الهلالي" قد استعملها كثيرًا للاستشهاد بها على هذا المعنى، ولكنه في قضيتنا هذه لأنه يريد أن يشرِّع للناس ما لم يأذن به الله، ويأخذ مِن مال الأخ الذي كتبه الله له ويعطيه لأخته؛ فقد سخر ممَن سيلتزم بالحق ويدفع لأخته ميراثها كاملًا؛ لأنه حقها، وليس منة منه ولا تفضلًا، ويأخذ هو حقه الذي كتبه الله له، فإن الهلالي لم يقل له: "أفلحتَ، ولا أحسنتَ"، ولا حتى قال: "قد أحسن مَن انتهى إلى ما سمع"، بل أخذ يسخر ويقرأ الآية بصورةٍ منفِّرةٍ، ويجري مقارنة مع الأخ الآخر الذي تنازل عن جزءٍ مِن نصيبه لأخته وكأنه يجري مقارنة بيْن الإيمان والكفر، وليس بيْن فاضلٍ وأفضل! (بالمناسبة: مِن طوام الهلالي أنه لا يكاد يرى أن هناك كفارًا على وجه الأرض! فمِن أكثر شذوذاته تطرفًا وجحدًا للمعلوم مِن الدين بالضرورة زعمه صحة إيمان مَن شهد أن لا إله إلا الله فقط مع جحده لشهادة أن محمدًا رسول الله، ثم حتى شهادة أن لا إله إلا الله يظل يتلاعب بها حتى يفرغها مِن معناها. والله المستعان).

وختامًا:

نقول للهلالي: ماذا لو تفذلك متفذلك في الجانب الآخر، وضرب مثلًا لأسرةٍ توفي فيها الأب وقد تزوجت البنات وأقبلن على حياتهن مع أزواجهن، وكان الذكور يعانون جهد الاستعداد للزواج، فترك الأخوات عن طيبٍ خاطر منهن ميراثهن لإخوانهن الذكور؟!

أليس هذا إحسانًا وتراحمًا وتحضرًا و... ؟!

ولكن ماذا لو جاء محرف آخر فضرب تحريفك بتحريفٍ آخر، وقرر حرمان البنت مِن الميراث لصالح أخيها أخذًا مِن فعل تلك الأسرة المتحضرة، وصدق الله إذ قال: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء:82)، وقال: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) (المائدة:49).

وكفى بهذا لمَن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.