الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 10 ديسمبر 2025 - 19 جمادى الثانية 1447هـ

خطر فتنة التكفير على الشباب وواجب البيان في زمن الفتن (1)

كتبه/ رجب أبو بسيسة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتُعدّ فِتْنَةُ التكفير من أخطر الْفِتَنِ التي مرَّت على تاريخ المسلمين، ومتى تُرِكَتْ دون بصيرة وبيان، تحوّلت إلى بوابةٍ واسعة تُغَرِّرُ بالشباب، وتجعلهم وقودًا لمعارك لا علم فيها ولا رشد، وقد حدث ذلك بالفعل في فترات معينة من تاريخ الأمة، وكانت العواقب وخيمة جدًّا. نسأل الله العافية والثبات على الحق.

- ومما لا بد من التنبيه عليه: أن التحذير من هذه الفتنة ليس تَشَفِّيًا بأحد، ولا خصومةً مع شخص، بل هو خوفٌ صادق على أهم مكوّن في المجتمع: الشباب.

أولًا: لماذا يتأثر الشباب بفتنة التكفير؟

إن الواقع اليوم مَلِيءٌ بأبواق وثقافات غريبة، ومتغيرات سريعة، وعوامل كفيلة بأن تشجّع على الانزلاق إلى الغلو والتكفير، منها:

- استعمال الضغط على العاطفة الدينية لدى الشباب من قِبَلِ أصحاب النداءات الفضفاضة، والذين يرددون الشعارات العامة، والكلمات الحماسية البراقة؛ مما يوافق فراغًا وتعطشًا وتمنيًا للوصول السريع للغاية المرجوّة، حتى وإن كان ذلك على حساب العلم أو بدون حساب لقواعد الشريعة.

فالجهل بفهم قواعد الشريعة التي أرساها الصحابة والعلماء في التعامل مع الواقع وتقدير المصالح ودرء المفاسد أمر خطير جدًّا.

- قلة الصبر على طلب العلم قبل إصدار الأحكام.

- انسداد الأفق أمام الشاب الغيور على دينه وأمته، بسبب ضبابية البداية، أو كثرة الطرق التي تدخله في متاهات كثيرة.

- الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الكثيرة والمتكررة التي تزيد بدورها من الشعور بالإحباط واليأس، ومن ثم يلجأ إلى مخرج، وإن كان ذلك المخرج سينتهي به إلى أُفُقٍ مسدود.

- الكيل بمكيالين من بعض القوى الدولية في قضايا الأمة.

- تخلّي بعض المجتمعات عن نصرة قضايا المسلمين، مما يترك فراغًا نفسيًا لدى الشباب، ويفتح مجالًا لكيل التهم وتوجيه الانتقادات.

- عدم الصبر على منهج الإصلاح والتغيير وكبح جِمَاحِ النفس.

- في ظل هذه الظروف، يصبح الشباب أكثر عرضة لخطاب التكفير والتحريض، وتصبح الساحة مُهَيَّأَةً لدعاة الصدام المسلح الذين يبيعون أوهام "النصر السريع"، بينما هي في حقيقتها بابٌ للدماء والتفرق والضياع.

ثانيًا: التحذير ليس خصومةً ولا تصفية حسابات:

حين ينبّه العلماء والدعاة على خطورة منهجٍ معيّن، أو التحذير من فكر مخلوط أو مشوّش أو صاحب نظرة هُلَامِيَّةٍ تحتاج لضبط وحكمة، يُتَّهَمُونَ أحيانًا بأنهم أصحاب خصومة، أو بأنهم يهاجمون شخصًا لأنه معتقل أو محارب سياسيًا، أو مُضَيَّقٌ عليه، أو أنهم يفعلون ذلك لأنه يخالف منهجهم، إلخ.

لكن السؤال الحقيقي:

- هل من المروءة أن نترك الشباب فريسة لأفكار التكفير؟

- هل من الحكمة أن نُزِجَّ بهم في أتون الفتن؟

أيهما أولى: حماية العشرات بل الآلاف، أم المجاملة لشخص؟

لقد وقع كثير من الشباب في شراك هذه الدعوات، ثم انتهى الأمر بهم في السجون، أو التهلكة، بينما بقي أصحاب الخطاب التحريضي في مَأْمَنٍ، والتاريخ والواقع يشهد بذلك.

فهل هذا هو العدل؟ هل هذه هي النصيحة؟!

إن واجب النصيحة يقتضي التحذير الواضح من أي خطابٍ يُشْعِلُ المواجهة مع المجتمعات والدول، أو يَزُجُّ بالشباب في مساراتٍ تهلكهم قبل أن تهلك غيرهم.

ثالثًا: الأدلة الشرعية في التحذير من التكفير والغلو:

إن الشرع كما جاء بحكم التكفير لمن استحق التكفير ممن حادّ الله ورسوله وحارب دينه، وصدّ عنه وعاداه، جاء أيضًا بالنهي الشديد عن التكفير بغير حق، بل نهى عما هو أقل من التكفير كالتفسيق والتبديع والظن السيئ؛ فالتكفير من باب أولى.

كما سنبيِّن ذلك في المقال القادم -بإذن الله-.