الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 24 مارس 2011 - 19 ربيع الثاني 1432هـ

حول مسألة طلب الدعاء من الأموات

السؤال:

ذكرتم أن طلب الدعاء من الميت شرك أصغر خلافًا لبعض المعاصرين، فما قولكم في احتجاج هؤلاء بأن لازم طلبه هذا أن الميت أو الغائب يسمعه ويعلم الغيب ويفهم لغة طالب، قالوا: وهذا شرك أكبر من جهة الربوبية لا من جهة الألوهية؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فهذا القول الذي ذكرناه من أن طلب الدعاء من الميت شرك أصغر هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وقول كثير من الأئمة القدامى والمعاصرين، بل هو قول عامتهم، وإنما يخالف في ذلك بعض المعاصرين فقط، ومبنى الأمر على أن الشرك هو صرف العبادة لغير الله -تعالى-، والدعاء هو العبادة، فلا يكون مشركًا في هذا المقام إلا من دعا غير الله، في مقام توحيد الألوهية، ولا يلزم من طـَلبْ الدعاء من الميت أن يعتقد له السمع المحيط، أو أن يعتقد له علم الغيب، إنما يتصور هذا اللزوم فيمن دعاه على بعد، فيمن دعاه بعيدًا عنه واعتقد أنه يسمع كل الأصوات؛ فهذا يكون شركًا في باب الأسماء والصفات، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون فيمن ذهب إلى قبر ميت وقال له: "يا سيدي فلان ادع الله لي"؛ فإن سماع الأموات مسألة مختلف فيها، والراجح أنهم لا يسمعون إلا ما ورد به الدليل؛ لأن الله -عز وجل- قال: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (فاطر:22)، ما ورد به الدليل نحو السلام على الأموات من المسلمين، وتبكيت الكفار، مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِى رَبِّى حَقًّا). فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا) (رواه مسلم).

فدل ذلك على أنهم يسمعون بعض ما يخاطبون به؛ فسماع الأموات ليس يلزم منه السماع المحيط ولا علم الغيب، فالراجح ما ذكرنا في سماع الأموات، لكن هناك من يقول: الأموات يسمعون، والخطاب لهم عند قبورهم يسمعونه، فإذا كان الأمر كذلك لم يكن ذلك مقتضيًا للشرك الأكبر، لكن كما ذكرنا أن طلب الدعاء من الأموات ذريعة إلى العقائد الفاسدة، ثم إلى دعائهم أنفسهم فيكون شركًا أكبر -والعياذ بالله- إذا دعاهم، لكن ما كان ذريعة إلى الشرك فهو شرك أصغر.

وعلى أي الأحوال فنحن نتكلم عن هذا الفعل المجرد طلب الدعاء من الأموات بغير نظر إلى ما قد يتضمنه حال هذا الشخص الداعي الذي ربما يكون متلبسًا بأنواع أخرى من الشرك، لكن نحن نتكلم عن هذه الصورة، صورة أن يقول للميت: ادع الله لي، اشفع لي عند الله"، أين الشرك في هذا المقام؟ هذا طلب منه أن يدعو له الله، لم يقل له: "ارحمني يا سيدي فلان" ونحو ذلك من طلب قضاء الحاجات الذي هو الدعاء، أما أن يطلب منه أن يدعو الله له فهذا تـَوسلَ بما لم يُشرع، وهذا ذريعة إلى الشرك، فيكون شركًا أصغر.