الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 26 نوفمبر 2009 - 9 ذو الحجة 1430هـ

آداب المضحِّي والجزَّار

كتبه / عبد المعطي عبد الغني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمن نعم الله علينا أن سخر لنا بهيمة الأنعام، قال -تعالى-: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)(النحل:5)، وقال -تعالى-: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)(المؤمنون:21)، وهذه النعم تستوجب الشكر، ومن شُكر الله -عز وجلَّ- على نعمة بهيمة الأنعام أن ننسك منها تقربًا إليه -سبحانه وتعالى-.

وقد جعل الله لنا أنساكًا واجبة وأخرى مستحبة، فالهدي الذي يُهديه الحاج القارن والمتمتع، والأضحية التي يضحي بها المضحي، والعقيقة التي يذبحها من رُزِق بالولد، بالإضافة إلى مناسبات أخرى يذبح الناس فيها من باب إطعام الطعام عند حدوث النعم، مثل: الوليمة التي يقيمها من أعرس، والوكيرة التي يصنعها من بنى بيتًا جديدًا، وغير ذلك من النذور والكفارات؛ إنما هي مظهر من مظاهر شكر الله -تعالى- علي ما رزق وسخر من بهيمة الأنعام، قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)(الحج:34).

ومن شكر الله -تعالى- على نعمة تسخير بهيمة الأنعام أن نحسن نحرها وذبحها، وهذه جملة من الآداب نقدمها بين يدي إخواننا الذين يتولون الذبح والنحر، سواءً أكان ذلك عن أنفسهم، أو نيابة عن غيرهم:

أولاً: يجب أن يكون الذابح أهلاً للذبح، بأن يكون عاقلاً مميزًا، سواءً أكان ذكرًا أو أنثى، فلا تحل ذبيحة الكافر والمجنون والسكران والصبي غير المميز، ويستحب أن يكون الذابح تقيًّا ورعًا عالمًا بكيفية الذبح وآدابه.

ثانيًا: يجب إخلاص النية، فالله ينظر إلي قلب العبد عند العمل، فما نيتك؟ (قلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام:163).

والله -سبحانه وتعالى- لا يناله إلا إخلاص القلوب، قال الله -تعالى-: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)(الحج:37).

فلو ذبح لصنم أو نبيٍّ أو وليٍّ؛ لم تحل ذبيحته؛ لقول الله -تعالى- فيما حرم من الأطعمة: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)(المائدة:3).

ثالثًا: عليك أن تذكر اسم الله -عز وجل- عند الذبح؛ لقوله -تعالى-: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)(الأنعام:121).

ويسن التكبير مع التسمية؛ لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأضحية أنه لما ذبحها سمَّى وكبَّر (رواه مسلم)، وإن قال في الأضحية: "اللهمّ هذا منك ولك، اللهمَّ هذا عني وعن أهل بيتي، اللهمَّ تقبل مني" فحسنٌ.

رابعًا: حِدّ شفرتك؛ لحديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) (رواه مسلم)، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: (يا عائشة، هلمي المدية)، ثم قال: (اشحذيها بحجر)، ثم أخذها (رواه مسلم).

خامسًا: لا تحدّ السكين بحضرة الذبيحة، ولا تذبحها بحضرة أخرى، ولا تجرها إلى مذبحها بعنف وشدة، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رجل واضع رجله علي صفحة شاة، وهو يحدّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال: (أفلا قبل هذا؟! أتريد أن تميتها موتتين؟!) (رواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في السنن)، ولحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أن تُحدّ الشفار، وأن توارى البهائم (متفق عليه).

أرأيت ما يفعله إخواننا الجزارون -سامحهم الله- وخاصة أيام عيد الأضحى في الشوارع والطرقات، وكيف يجعلون من تذكية الحيوان ملهاة يجتمع عليها الصغير والكبير، حتى تصاب بعض البهائم بنوع من الجنون لهول ما ترى؟! ولقد سجل الواقع جنونًا لبعض البهائم، فانطلقت في الطرقات لا تلوي على شيء، مما يشكل خطرًا على الناس، فيالرحمة الله!

سادسًا: اعرض عليها الماء قبل الذبح؛ فقد استحب العلماء ذلك، قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج": "ويُستحب أن يعرض عليه الماء قبل الذبح؛ لأن ذلك أعون على سهولة سلخه".

سابعًا: كن ناصحًا لنفسك وإخوانك، فلا تُضَحِّ إلا بمسنَّة، وهي ما سقطت أسنانها اللبنية، ويكون ذلك في الإبل لما لها خمس سنين ودخلت في السادسة، ومن البقر -ويشمل الجاموس- ما لها سنتان ودخلت في الثالثة، ومن الماعز ما لها سنة ودخلت في الثانية، وأما الضأن خاصة فيُجزئ فيه الجذع، وهو ما جاوز الستة أشهر وامتلأ ظهره لحمًا، وهذه الشروط معتبرة في الهدي والأضحية والعقيقة.

ولقد رأينا أن الرغبة في البيع قد تحمل كثيرًا من التجار ومربي الماشية والجزارين على الغش والتدليس على إخوانهم المضحِّين، فليتقوا الله؛ فهم مسئولون أمام الله -تعالى-، فإذا عرفت أنه يريد أن يذبحها أضحية فانصح له، وكن أمينًا في نصحك، فالدين النصيحة.

وقد يُغري اكتناز اللحم في حيوان لم يبلغ أن يكون مسنًّا بعضَ الناس، فيفضله عن المسن خفيف الوزن، فعلى هؤلاء أن يعلموا أننا أُمرنا بالانقياد لشرع الله -سبحانه وتعالى- ظهرت لنا الحكمة أم لم تظهر، قال -تعالى-: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(النساء:65).

ثامنًا: يبدأ وقت الذبح في الأضحية بطلوع الشمس يوم النحر، ثمّ ارتفاعها قدر رمح، وقدر ركعتين وخطبة؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ . إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)(الكوثر)، ولما رواه البخاري عن البراء -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال :(إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل فقد أصاب سنتنا) (رواه البخاري).

لذا تدرك خطأ ما يقوم به كثير من الناس حين يذبحون يوم عرفة، أو قبل الصلاة؛ بحجة أنه لن يكون متفرّغًا، أو أنه لن يجد جزارًا إلا في هذا الوقت أو غيره، فمن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء، ووقت الذبح متسع، فلك أن تذبح حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، ويجوز ذبحها ليلاً ونهارًا، ولم يصح عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- شيء في النهي عن الذبح ليلاً، أمّا إن قصد بالذبح ليلاً التخفي عن الفقراء فيكره لذلك، لا لمجرد الذبح في هذا الوقت.

تاسعًا: تولَّ الذبح بنفسك -أخي المضحي-؛ فهذا أفضل إن كنت خبيرًا بذلك، وإلا فوكِّل من يذبح لك، ويستحب أن تذبح في دارك بمشهد من أهلك إن تيسَّر ذلك، وإلا ففي أي مكان، والأفضل للإمام أن يضحي في المصلي؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذبح وينحر بالمصلى" (متفق عليه).

عاشرًا: أرح ذبيحتك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وليرح ذبيحته)، فأضجعها على جنبها الأيسر، وضع رجلك على الجانب الأيمن؛ ليكون أسهل في أخذ السكين باليمين، وإمساك رأسها باليسار.

الحادي عشر: انحر الإبل قائمة معقولة الرجل اليسرى، والنحر: الطعن بمحدد في اللبة، وهي الوهدة بين أصل العنق والصدر؛ لقوله -تعالى-: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(الحج:36)، أي: قيامًا من ثلاث، ومرَّ ابن عمر -رضي الله عنهما- على رجل أناخ بدنته لينحرها، فقال: "ابعثها قيامًا مقيدة؛ سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-" (متفق عليه).

الثاني عشر: استقبل القبلة، ووجِّه الذبيحة إليها، وهذا مستحب في كل ذبيحة، لكنه في الهدي والأضحية أشد استحبابًا؛ لأن الاستقبال في العبادات مستحب، وفي بعضها واجب.

الثالث عشر: أمرر السكين بقوة، وتحامل ذهابًا وعودًا، وعجِّل؛ ليكون أسرع وأسهل في ذبحها.

الرابع عشر: اقطع من الحيوان الحلقوم وهو مجرى النفس، والمريء وهو مجرى الطعام، والودجين وهما عرقان متقابلان محيطان بالحلقوم؛ لحديث رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه؛ فكلوه، ليس السنّ والظفر) (متفق عليه).

الخامس عشر: لا تتعجل فتكسر عنق الحيوان، أو تقوم بسلخه قبل زهوق الروح؛ لقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "لا تعجلوا الأنفس أن تزهق" (رواه البيهقي في سننه).

السادس عشر: كل من أضحيتك وتصدق وأهدِ، واعلم أن خيرها وأبقاها ما تصدقت به؛ فقد قال الله -تعالى-: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ)(النحل:96).

السابع عشر: إذا كنت قد وكَّلت جزارًا يذبح لك؛ فلا تعطه أجرته من الأضحية؛ لقول علي -رضي الله عنه-: "أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجازر منها، قال : (نحن نعطيه من عندنا)" (رواه مسلم)، ويجوز أن تعطي الجزار من الأضحية لفقره، أو تهدي له منها إن كان غنيًّا.

الثامن عشر: يجوز الانتفاع بجلد الأضحية، والأفضل التصدق به على الفقراء والمساكين، ولا يجوز بيع جلود الأضاحي في المنافع العامة؛ لأنها حق الفقير، ولا يصح ذلك إلا بوكالة منه في جمعها أو بيعها والتصرف فيها.

أسأل أن يتقبل منا ومنكم، إنه هو الله السميع العليم.