الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 17 سبتمبر 2008 - 17 رمضان 1429هـ

رد شبهات حول عدد صلاة التراويح والتهجد في العشر الأواخر من رمضان المبارك

خاتمة في رد شبهات حول "عدد صلاة التراويح والتهجد"

في العشر الأواخر من "مضان" المبارك

كتبه?/? صالح بن فوزان، نشر في مجلة "الدعوة" نقلا عن موقع: "الموقع الذهبي للإسلام"

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمما شرع الله في شهر "رمضان" المبارك "صلاة التراويح"، سميت بذلك؛ لأنهم كانوا يصلون أربع ركعات ثم يستريحون، ثم يصلون أربعًا ثم يستريحون حتى يكملوها، ومعنى يصلون أربعًا، أي:? مثنى مثنى، كل ركعتين بسلام.

و"التراويح" في شهر "رمضان" سنة مؤكدة بإجماع المسلمين، سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصلاها بأصحابه ليالي، وصلاها أصحابه من بعده، واستمر عمل المسلمين على إقامتها جماعة في المساجد في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعهد خلفائه، وأما عدد ركعاتها فليس فيه حد محدود، ولذلك؛ اختلف العلماء في عددها?.?

والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرغب في قيام الليل، ولم يحدد ركعات معينة، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقوم بإحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة في "رمضان" وغيره، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- في زمن "عمر" يقومونه بثلاث وعشرين ركعة في "صلاة التراويح"، والعلماء منهم من يكثر ومنهم من يقل، والصحيح أن ذلك راجع لنوعية الصلاة، فمن كان يطيل الصلاة؛ فإنه يقلل من عدد الركعات كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل. ومن كان يخفف الصلاة رفقًا بالمأمومين؛ فإنه يكثر عدد الركعات كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم-.

وأما من يقول:? "إن الزيادة على إحدى عشرة ركعة في "التراويح" بدعة"؛ فهو قول مجازف فيه، وقائله لا يعرف ضابط البدعة، وقد حكم على فعل الصحابة -رضي الله عنهم- بأنه بدعة -ولا حول ولا قوة إلا بالله-?، ?وهذا من شؤم التسرع والقول على الله بلا علم?.?

وأما في العشر الأواخر من "رمضان" فإن المسلمين يزيدون من اجتهادهم في العبادة اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وطلبًا لـ"ليلة القدر" التي هي خير من ألف شهر، فالذين يصلون ثلاثًا وعشرون ركعة في أول الشهر يقسمونها في العشر الأواخر فيصلون عشر ركعات في أول الليل يسمونها تراويح?.? ويصلون عشرًا في آخر الليل يطيلونها مع الوتر بثلاث ركعات ويسمونها قيامًا?، وهذا اختلاف في التسمية فقط، وإلا فكلها يجوز أن تسمى تراويح أو تسمى قيامًا.?

وأما من كان يصلي في أول الشهر إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة فإنه يضيف إليها في العشر الأواخر عشر ركعات يصليها في آخر الليل، ويطيلها؛ اغتنامًا لفضل العشر الأواخر وزيادة اجتهاد في الخير، وله سلف في ذلك من الصحابة وغيرهم ممن كانوا يصلون ثلاثًا وعشرين كما سبق، فيكونون جمعوا بين القولين?:? القول بثلاث عشرة في العشرين الأول، والقول بثلاث وعشرين في العشر الأواخر، وهم في كلتا الحالتين لم يخرجوا عن السنة -والله الحمد-، عكس ما يدعيه بعض المتسرعين في الأحكام من إنكار الزيادة على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة في كل "رمضان".

وقد وقفوا في حيرة من أمرهم في العشر الأواخر فلا يدرون هل يصلون إحدى عشرة أو الثلاث عشرة -التي لا يرون الزيادة عليها- في أول الليل ويعطلون آخره! أو يصلونها في آخره ويعطلون أوله! أو يقسمونها بين أوله وآخره فيكون نصيب كل من الوقتين قليلاً?؟!

وقد شوشوا على الناس وحصل بسبب ذلك نزاعات بين جماعات المساجد، وهذا الصنف من الأئمة لو أنهم سلكوا منهج السلف في ذلك والذي كان تتمشى عليه هذه البلاد وعلماؤها وهو صلاة ثلاث وعشرين ركعة في العشر الأواخر تقسم بين أول الليل وآخره؛ لزال الإشكال وحصل الخير الكثير، وأما العشرون الأول فالأفضل لمن يطيل الصلاة أن يقتصر على ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى عشرة، ومن يخفف أن يصلي ثلاثًا وعشرين ركعة?.?

هذا ولا بد من التنبيه على خطأ يرتكبه بعض أئمة المساجد عن اجتهاد منهم، وهو أن بعضهم يصلي أربع ركعات من "التراويح" أو "التهجد" بسلام واحد محتجًا بقول عائشة -رضي الله عنها-? أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي أربعًا فلا تسل عن حسنهن وطولهن? (??أخرجه البخاري رقم 1147، ومسلم رقم 738??)، وظنوا أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يجمع الأربع بسلام واحد فصاروا يفعلونه، وهذا غلط منهم؛ لأن مراد عائشة -رضي الله عنها- أنه كان يصلي الأربع بسلامين ثم يستريح، ثم يصلي الأربع الأخرى بسلامين ثم يستريح.? بدليل حديثها الآخر?:? ??"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين، ويوتر بواحدة"?? (رواه مسلم)،? وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) ??(أخرجه البخاري رقم 1137، ومسلم رقم 749، 751???)،? والأحاديث يفسر بعضها بعضًا، والله أعلم.

وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين?.?

وهذه بعض أجوبة علماء" نجد" وغيرهم عن عدد ركعات "التراويح" و"التهجد" في العشر الأواخر ودعاء الختم والقنوت، ننقلها بمناسبة أن بعض الناس حصل منهم بعض الخلل في ذلك واستنكار لدعاء القنوت ودعاء الختم?.?

أ- عدد ركعات "التراويح":

1- سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- عن عدد التراويح؟

فأجاب?:? "الذي أستحب أن تكون عشرين ركعة?".

2- وأجاب ابنه الشيخ عبد الله -رحمهما الله-?:? "الذي ذكره العلماء -رحمهم الله- أن "التراويح" عشرون ركعة، وأن لا ينقص عن هذا العدد إلا أن يزيد في القراءة بقدر ما ينقص من الركعات، ولهذا اختلف عمل السلف في الزيادة والنقصان?.? وعمر -رضي الله عنه- لما جمع الناس على أبي بن كعب -رضي الله عنه- صلى بهم عشرون ركعة?".

3- وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين?:? "وأما صلاة "التراويح" أقل من العشرين فلا بأس?، والصحابة -رضي الله عنهم- منهم من يقل ومنهم من يكثر، والحد المحدود لا نص عليه من الشارع صحيح?".?

ب- كيفية الصلاة في العشر الأواخر?:

4- وقال أيضًا -رحمه الله تعالى-?:? "مسألة في الجواب عما أنكره بعض الناس على من صلى في العشر الأواخر من رمضان زيادة على المعتاد في العشرين الأول، وسبب إنكارها لذلك: غلبة العادة، والجهل بالسنة وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام، فنقول?:? قد وردت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالترغيب في قيام "رمضان" والحث عليه، وتأكيد ذلك في عشره الأخير، كما في "الصحيحين" عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال?:? كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ فَيَقُولُ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)? (متفق عليه)، و(وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

وفي "السنن" عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ?(?شَهْرٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ?)??.

وفي "الصحيحين" عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:? "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ??إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد المئزر?"??.? وصلى -عليه الصلاة والسلام- ليلة من "رمضان" جماعة في أول الشهر وكذلك في العشر?، وفي "صحيح مسلم" عن أنس -رضي الله عنه- قال?: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَامَ أَيْضًا، حَتَّى كُنَّا رَهْطًا، فَلَمَّا حَسَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّا خَلْفَهُ؛ جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِي الصَّلاةِ ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ فَصَلَّى صَلاةً لا يُصَلِّيهَا عِنْدَنَا قَالَ: قُلْنَا لَهُ حِينَ أَصْبَحْنَا: أَفَطَنْتَ لَنَا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: فَقَالَ: (نَعَمْ ذَاكَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى الَّذِي صَنَعْتُ)? ?.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) قَالَ: وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. (أخرجاه في الصحيحين).

وفي "السنن" عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال?:? صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنْ الشَّهْرِ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ كَانَتْ سَادِسَةٌ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ؛ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟ قَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ الرَّابِعَةُ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا بَقِيَ ثُلُثٌ مِنْ الشَّهْرِ؛ أَرْسَلَ إِلَى بَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ وَحَشَدَ النَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاحُ ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ. قيل: ومَا الْفَلاحُ قَالَ: السُّحُورُ. (رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني).

واحتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث أن فعل "التراويح" جماعة أفضل.

وقال شيخ الإسلام تقي الدين -رحمه الله-?:? "وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-?:? ?(?مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ؛ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ)?، ترغيب في "قيام رمضان" خلف الإمام، وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة، وكان الناس يصلونها جماعات في المسجد على عهده -صلى الله عليه وسلم-، وإقراره سنة منه -صلى الله عليه وسلم-"?. انتهى?.?

فلما تقرر أن "قيام رمضان" وإحياء العشر الأواخر سنة مؤكدة، وأنه في جماعة أفضل، وأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يوقت في ذلك عددًا؛ علمنا أنه لا توقيت في ذلك، وفي "الصحيحين" عن عائشة -رضي الله عنها- قالت?:? "مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً" ?(أخرجه البخاري رقم 1147 ومسلم 738??)، وفي بعض طرق حديث "حذيفة" الذي فيه أنه -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعة "البقرة" و"النساء" و"آل عمران" أنه لم يصلِ في تلك الليلة إلا ركعتين، وأن ذلك في" رمضان".

وروي عن الصحابة -رضي الله عنهم- في "التراويح" أنواعا، واختلف العلماء في المختار منها مع تجويزهم لفعل الجميع، فاختار الشافعي وأحمد عشرين ركعة، مع أن أحمد نص علي أنه لا بأس بالزيادة، وقال?:? روي في ذلك ألوان، ولم يقض فيه بشيء، وقال عبد الله بن أحمد?:? رأيت أبي يصلي في رمضان ما لا يحصى من "التراويح"، واختار مالك ستًا وثلاثين ركعة?.?

وحكي الترمذي عن بعض العلماء اختيار إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، قال?:? "وهو قول أهل "المدينة" والعمل على هذا عندهم بالمدينة"، وقال إسحاق بن إبراهيم?:? "نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب -رضي الله عنه-".

قال الشيخ تقي الدين?:? "والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد عشرين ركعة أو كمذهب مالك ستًا وثلاثين أو ثلاث عشرة أو إحدى عشرة؛ فقد أحسن كما نص عليه أحمد؛ لعدم التوقيت، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، وقد تقدم قول عائشة -رضي الله عنها-?:? "مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً"، وقولها?:? "كان إذا دخل العشر أحيا ليله... "، وفي "الموطأ" عن السائب بن يزيد قال:? أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ، حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلاَّ فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ) (رواه مالك، وصححه الألباني).

وفي "الموطأ" عن عبد الله بن أبي بكر قال?:? سمعت أبي يقول?:? "كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ، فَنَسْتَعْجِلُ الْخَدَمَ بِالطَّعَامِ مَخَافَةَ الْفَجْرِ"، وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن طاوس قال?:? سمعت ابن عباس يقول?:? "دعاني عمر أتغدى عنده، قال أبو بكر يعني?:? السحور في رمضان، فسمع هيعة الناس حين خرجوا من المسجد، قال?:? ما هي?؟? قال?:? هيعة الناس حين خرجوا من المسجد?.? قال: "ما بقي من الليل خير مما ذهب منه?".?

وروى ابن أبي شيبة عن وقاء قال: "كان سعيد بن جبير يؤمنا في "رمضان" فيصلي بنا عشرين ليلة ست ترويحات، فإذا كان العشر الأواخر؛ اعتكف في المسجد، وصلى بنا سبع ترويحات"، فتبين بذلك أن الصحابة والتابعين كانوا يمدون الصلاة إلى قرب طلوع الفجر?.?

والظاهر من مجموع الآثار أن هذا يكون منهم في بعض الليالي دون بعض، ويحتمل أن يكون ذلك في العشر الأواخر؛ لما ذكرنا من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-? أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام بهم في العشر ليلة إلى نصف الليل، وليلة إلى أن خافوا السحور، ولما لم يخرج إليهم في بعض الليالي؛ اعتذر إليهم بأنه خشي أن يفرض عليهم، فما أعظم جراءة من يقول?:? إن مد الصلاة في العشر إلى آخر الليل بدعة مع ما قدمنا من الأحاديث والآثار.

قال ابن القيم -رحمه الله-?:? "اختلف قول الإمام أحمد في تأخير "التراويح" إلى آخر الليل، فعنه?:? إن أخروا القيام إلى آخر الليل؛ فلا بأس، كما قال عمر? -رضي الله عنه- فإن الساعة التي ينامون عنها أفضل، ولأنه يحصل قيام بعد رقدة، قال الله -تعالى-:? (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئا وَأَقْوَمُ قِيلا?) (المزمل:6?)،? وروى عنه أبو داود?:? لا يؤخر القيام إلى آخر الليل، سنة المسلمين أحب إلي. ووجهه فعل الصحابة، ويحمل قول عمر -رضي الله عنه- على الترغيب في الصلاة آخر الليل؛ ليواصلوا قيامهم إلى آخر الليل؛ لا أنهم يؤخرونها". انتهى? من "بدائع الفوائد".?

فانظر قوله?:? "ليواصلوا قيامهم إلى آخر الليل"، فهلا قال?:? إن مواصلة القيام إلى آخر الليل بدعة?.?

فصل:
إذا تبين أنه لا تحديد في "عدد التراويح"، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة العشاء إلى طلوع الفجر، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاها ليالي جماعة كما قدمنا، فكيف ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعلها أول الشهر، فيصلي في العشر أول الليل كما يفعل في أول الشهر أو قليل أو كثير من غير أن يوتر، وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره الله في الجماعة، ويسمى الجميع قيامًا وتراويح.

وربما اغتر المنكر لذلك بقول كثير من الفقهاء?:? يستحب أن لا يزيد الإمام على ختمة إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة، وعللوا عدم استحباب الزيادة على ختمة بالمشقة على المأمومين، لا كون الزيادة غير مشروعة، ودل كلامهم على أنهم لو آثروا الزيادة على ختمة؛ كان مستحبًا، وذلك مصرح به في قولهم: "إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة"?.?

وأما ما يجري على ألسنة العوام من تسميتهم ما يفعل أول الليل: "تراويح"، وما يصلي بعد ذلك: "قيامًا" فهو تفريق عامي، بل الكل قيام وتراويح، وإنما سمي قيام رمضان "تراويح"؛ لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة، وسبب إنكار المنكر لذلك لمخالفته ما اعتاده من عادة أهل بلده وأكثر أهل الزمان، ولجهله بالسنة والآثار، وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام، وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في العشر هي "صلاة التعقيب" الذي كرهه بعض العلماء فليس كذلك؛ لأن "التعقيب" هو التطوع جماعة بعد الفراغ من "التراويح" و"الوتر"?.?

هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف "التعقيب" أنه: "التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح"، فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب، وأيضًا فالمصلي زيادة عن عادته في أول الشهر يقول: الكل قيام وتراويح، فهو لم يفرغ من التراويح?.? وأما تسمية الزيادة عن المعتاد: قيامًا فهذه تسمية عامية، بل الكل قيام وتراويح، كما قدمنا وأن المذهب عدم كراهة "التعقيب".

وعلى القول الآخر فنص أحمد?:? أنهم لو تنفلوا جماعة بعد رقدة أو من آخر الليل لم يكره?.? وأما اقتصار الإنسان في "التراويح" على إحدى عشرة ركعة فجائز؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها-?:? "مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً" ? انتهى?.?

5- وأجاب -أيضًا-:? وأما الاقتصار في "التراويح" على أقل من عشرين ركعة؛ فلا بأس بذلك، وإن زاد؛ فلا بأس?.? قال الشيخ تقي الدين?:? "له أن يصلي عشرين كما هو المشهور في مذهب أحمد والشافعي?.? قال?:? وله أن يصلي ستًا وثلاثين ركعة كما هو مذهب مالك، قال الشيخ?:? وله أن يصلي إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، قال?:? وكله حسن كما نص عليه الإمام أحمد، قال الشيخ?:? فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام وقصره?.? وقد استحب أحمد أن لا ينقص في "التراويح" عن ختمة يعني في جميع الشهر، وأما قوله -سبحانه وتعالى-?:? (كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) ??(?الذاريات:?17?)، فالهجوع?:? اسم للنوم بالليل، والمشهور في معنى الآية?:? أنهم كانوا يهجعون قليلاً من الليل ويصلون أكثر، وقيل?:? المعنى أنهم لا ينامون كل الليل، بل يصلون فيه إما في أوله أو في آخره، وأما الاستغفار فيراد به: الاستغفار المعروف، وأفضله: سيد الاستغفار?.? وقال بعض المفسرين: ?(وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ?) (الذاريات:18)،? أي?:? يصلون؛ لأن صلاتهم بالأسحار؛ لطلب المغفرة... "?? انتهى?.?

6- وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن?:? "وأما إحياء العشر الأواخر من "رمضان" فهو السنة؛ لما تقدم في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت?:? "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ؛ أَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ".

 ? ??تقدم???.? وفي الحديث الآخر?: (?مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)?، و(وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ?) (متفق عليه).

وصح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام الليل كله حتى السحر، إذا عرفت ذلك؛ فلا ينكر قيام العشر الأواخر إلا جاهل لا يعرف السنة"?. انتهى? من? "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" ?(?3/181-185?)?.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليق كتبه/ عبد المنعم الشحات:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فقد كثر في هذه الآونة السؤال حول مشروعية جعل "قيام الليل" في "رمضان" في بعض المساجد على مرتين الأولى في أول الليل ويسميها الناس: "التراويح" والثانية في آخره ويسمونها "تهجدًا"، وهي صورة تطبقها الكثير من المساجد في العشر الأواخر، وبعضهم يطبقها من أول الشهر، وهي صورة شائعة في بلاد المسلمين منذ زمن بعيد دون نكير من علماء السنة مما يستدعي ممن توهم عدم مشروعية ذلك أو دخوله في حد البدعة، أن يتأنى ويبحث ما إذا كان سكوت أهل العلم عنها ذهولاً أم استنادًا إلى أدلة الشرع وقواعده.

ويبدو أن هؤلاء المتسرعين لا يختص بهم مكان دون مكان ولا زمان دون زمان، فوجدنا تلك المقالة للشيخ الفوزان في الرد على بعض من تسرع في إنكار هذه الصورة في بلاده في هذا الزمان، والتي أطال فيها من ذكر نقول عن علماء "الدعوة الوهابية" في الرد على مثل هؤلاء المتسرعين في زمانهم.

ولما كان خلاصة ما اعترض به هؤلاء أن هذه الصورة تؤدي إلى زيادة عدد الركعات على إحدى عشر ركعة؛ ساق الشيخ تلك النقول الكثيرة على جواز الزيادة على إحدى عشر ركعة من أجل مصلحة الإعانة على الاجتهاد في "رمضان"، ويمكن القول أن المطلوب هو قيام أكبر قدر ممكن من الليل مع المحافظة على الإحدى عشر ركعة، وهذه أتم الأحوال، فإذا كان في المأمومين قدرة على إطالة القدر الذي يقومونه من الليل شرطية أن يكثروا من التروح بين الركعات فاجتهاد الصحابة فمن بعدهم من أهل العلم على أن مصلحة تعمير معظم الليل بالقيام مقدمة على مصلحة الحفاظ على الإحدى عشر ركعة، وعليه؛ زاد السلف في عدد ركعات "التراويح".

وأما ما تفعله بعض المساجد من الحرص على الإحدى والعشرين ركعة مع التجوز الشديد فيهم فهؤلاء قد خالفوا السنة من الجهتين -وحبذا لو وجه هؤلاء المتسرعون قدرًا من اهتمامهم إلى إرشاد هؤلاء-، هذا وقد أضاف بعضهم بعض الاعتراضات الأخرى مثل قول بعضهم: إن "صلاة التهجد" في جماعة بدعة بإطلاق سواء سبقتها صلاة أخرى أم لا!

وفات هذا القائل أن تخصيص تسمية صلاة آخر الليل بـ"صلاة التهجد" مسألة اصطلاحية كما ذكر الشيخ في مقاله، كما ذهل عن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بأصحابه إلى قبيل الفجر حتى خشوا أن يفوتهم السحور، ومن الجدير بالذكر أن كلام الشيخ وإن كان منصبًا على مشروعية "صلاة التهجد" في العشر الأواخر من "رمضان" إلا أن الأدلة التي بنى عليها كلامه من أن الليل كله محل للقيام ورمضان كله محل للجماعة فيه مع جواز الزيادة على الإحدى عشر ركعة لمصلحة إطالة وقت الصلاة تنطبق على أول رمضان كما تنطبق على آخره.

ومن الجدير بالذكر أن نذكر أن الشيخ الألباني -رحمه الله- كان يرى المنع من الزيادة على الإحدى عشر ركعة سواء كان ذلك في صلاة واحدة أم في اثنتين، وعلى الرغم من طبيعة الشيخ الألباني الحادة التي غفرها لها إخوانه من العلماء من باب أنه يحتمل لأهل الفضل ما لا يحتمل لغيرهم إلا أنه تلطف في عرض مذهبه في هذه المسألة غاية التلطف، بل أبقى الباب مواربا بشأن ما إذا كانت الزيادة في عدد الركعات لمصلحة إطالة وقت الصلاة، بل حكى عنه الحلبي أنه ربما أراد الصلاة في آخر الليل فيترك الصلاة الأولى التي يسميها الناس "التراويح" ويصلي معهم الثانية التي يسمونها "التهجد".

وهذه بعض عباراته في تلخيص رسالته المسماة بـ"صلاة التراويح" قال:

"إن الجماعة في صلاة "التراويح" سنة وليست بدعة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاها ليالي عديدة، وإن تركه لها بعد ذلك إنما خشية أن يظنها أحد من أمته فريضة؛ إذا داوم عليها، وإن هذه الخشية زالت بتمام الشريعة بوفاته -صلى الله عليه وسلم-.

وأنه -صلى الله عليه وسلم- صلاها إحدى عشرة ركعة، وأن الحديث الذي يقول أنه صلاها عشرين ضعيف جدًّا.

وأنه لا يجوز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة؛ لأن الزيادة عليه؛ يلزم منه إلغاء فعله -صلى الله عليه وسلم- له، وتعطيل لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (صَلُّوا كما رَأيْتُمُونِي أُصَلِّي) (رواه البخاري).

ولذلك؛ لا يجوز الزيادة على سنة الفجر وغيرها، وأننا لا نبدع ولا نضلل من يصليها بأكثر من هذا العدد؛ إذا لم تتبين له السنة ولم يتبع الهوى.

وأنه لو قيل بجواز الزيادة عليه فلا شك أن الأفضل الوقوف عنده؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم-) رواه مسلم.

وأن عمر -رضي الله عنه- لم يبتدع شيئًا في "صلاة التراويح"، وإنما أحيا سنة الاجتماع فيها، وحافظ على العدد المسنون فيها.

وأن ما روي عنه -رضي الله عنه- أنه زاد عليه حتى جعلها عشرين ركعة(1) لا يصح شيء من طرقه، وأن هذه الطرق من التي لا يقوي بعضها بعضًا، وأشار الشافعي والترمذي إلى تضعيفها، وضعف بعضها الزيلعي وغيره.

وأن الزيادة المذكورة لو ثبتت؛ فلا يجب العمل بها اليوم؛ لأنها كانت لعلة وقد زالت، والإصرار عليها أدى بأصحابها في الغالب إلى الاستعجال بالصلاة والذهاب بخشوعها، بل وبصحتها أحيانا".

نسأل الله أن يهدينا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال النووي في المجموع: "رواه البيهقي وغيره بالإسناد الصحيح".