الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 29 ديسمبر 2025 - 9 رجب 1447هـ

حكم قراءة القرآن بالمقامات (1)

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد لاحظنا في الآونة الأخيرة الاهتمام بإبراز النوابغ في القرآن الكريم من حيث جمال الصوت وعمل المسابقات، ورصد الجوائز على ذلك، وهذا لا شك أنه أمر محمود؛ فإن تحسين الصوت بقراءة القرآن أمر مرغوب فيه ومندوب إليه، وذلك حين يقصد الإمام الذي يحسن صوته بالقرآن: التعبد لله وطلب رضاه بذلك، وأن يكون تحسين الصوت عونًا له وللمصلين خلفه على الانتفاع والتأثر بآيات الله، ولكن حينما يرتبط ذلك برصد الدرجات على مدى إجادة المتسابق للمقامات الموسيقية التي يقرأ من خلالها آيات القرآن ليكون أكثر تأثيرًا في سامعيه من حيث جمال الصوت، وأن يجعل تحسينه للصوت من أجل استجلاب ثناء الناس ومدحهم وتعظيمهم؛ فهذا يُخشى عليه من الرياء الذي تضافرت النصوص في التحذير منه، بالإضافة إلى مسألة القراءة على المقامات الموسيقية والألحان، والنغمات الملهية عن التدبر والخشوع المطلوبين في قراءة القرآن.

والقراءة بالمقامات هي أن يلتزم المرتّل مقامًا معيّنًا من مقامات الموسيقى يقرأ كلام الله العظيم على وَفْقها، وربما صاحب ذلك الالتزام ببعض المخالفات من: مدٍّ لحرف غير ممدود، أو اختلاس لحركة ممدودة، فيزيد في كتاب الله أو ينقص حسب ما يمليه عليه النغم الذي يقرأ عليه! ولا حول ولا قوة إلا بالله. وكتاب الله تعالى أعظم وأجل من أن يقرأ بهذه الطريقة؛ قال -تعالى-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء: 82)، وقال -تعالى-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد: 24).

ومن هنا أفتى كثير من علماء الإسلام، وأهل القرآن والمفسرين بأن قراءة القرآن بالمقامات بدعة في دين الله؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الاستقامة: "ومع هذا فلا يسوغ أن يقرأ القرآن بألحان الغناء، ولا أن يقرن به من الألحان ما يقرن بالغناء من الآلات وغيره".

وقال الإمام المفسر ابن كثير -رحمه الله- في كتابه فضائل القرآن: "والغرض أن المطلوب شرعًا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن يُنزَّه عن هذا ويجلّ، ويعظم أن يُسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك".

وقال القرطبي -رحمه الله- حين تكلم عن حرمة القرآن: "ومن حرمته ألا يقعر في قراءته كفعل هؤلاء الهمزيين المبتدعين والمتنطعين، في إبراز الكلام من تلك الأفواه المنتنة تكلفًا؛ فإن ذلك محدث ألقاه إليهم الشيطان فقبلوه عنه، ومن حرمته ألا يقرأه بألحان الغناء كلحن أهل الفسق".

وقال ابن رجب -رحمه الله- في مسألة السماع: "قراءة القرآن بالألحان: في الحقيقة هذه الألحان المبتدعة المطربة تهيج الطباع، وتلهي عن تدبر ما يحصل له من الاستماع حتى يصير التلذذ بمجرد سماع النغمات الموزونة والأصوات المطربة، وذلك يمنع المقصود من تدبر معاني القرآن. وإنما وردت السُّنة بتحسين الصوت بالقرآن لا بقراءة الألحان وبينهما بون بعيد".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.