الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 19 نوفمبر 2025 - 28 جمادى الأولى 1447هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (66)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمن حقوق الأخوَّة الإيمانيَّة:

أولًا: الدعاء لأخيك بظهر الغيب: فتدعو لأخيك كما تدعو لنفسك؛ فإنَّ هذا من الأعمال التي تعالج وغر الصدر، وتزيد من أواصر المحبَّة، بل ويأخذ العبد أجرها هو أوَّلًا؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُّسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ) (رواه مسلم).

بل يعدُّ دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب -والذي يدلُّ على حبِّ الأخ الخير لإخوانه كما يحبُّه لنفسه -من دلائل صحَّة البناء الإيمانيِّ السلوكيِّ عند الأفراد؛ وذلك مصداقًا لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) (متفق عليه).

فلو تميَّز كلُّ فردٍ في الكيان الإصلاحيِّ بهذا السلوك الإيمانيِّ تجاه إخوانه؛ لوجدنا بركاتٍ عجيبةً وفتوحاتٍ عظيمةً لهذا الكيان الإصلاحيِّ؛ سِرُّها في الحقيقة إجابة الربِّ لهذه الدعوات الخفيَّة في ظهر الغيب، والتي هي سلاح المؤمنين في مواجهة المصاعب والمكر المتتابع؛ فالدعاء سلاح المؤمن (يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)؛ كما قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: التيسير عليهم، وترك التكلُّف معهم، وجلب محبَّتهم لك: فالأخ الصادق لا يُعنِّف إخوانه ولا يشقُّ عليهم، بل يروِّح عنهم ويأنس بهم، ويشاورهم في كلِّ ما يقصد، ولا يتكلَّف معهم؛ فمثل الأخوين مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى.

قال القاسميُّ -رحمه الله-: "قال عليٌّ -رضي الله عنه-: شرُّ الأصدقاء من تكلَّفت له ومن تكلَّف لك، ومن أحوجك إلى مداراةٍ وألجأك إلى اعتذار. وقال الفضل: إنَّما تقاطع الناس بالتكلُّف، يزور أحدهم أخاه فيتكلَّف له فيقطعه ذلك عنه. وكان جعفر بن محمد الصادق -رضي الله عنهما- يقول: أثقل إخواني عليَّ من يتكلَّف وأتحفَّظ منه، وأخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي".

وكما قيل: تمام التخفيف يكون بطيِّ بساط التكليف؛ فهذا لا يتحقَّق إلَّا بأن يرى أحدنا الفضل لإخوانه عليه؛ لا لنفسه عليهم، فيُنزل نفسه معهم منزلة الحريص على خدمتهم وتيسير أمورهم، وتأدية حقوقهم قبل أن ينظر لحقِّه هو منهم؛ قال بعضهم: "من اقتضى من إخوانه ما لا يقتضونه منه فقد ظلمهم، ومن اقتضى منهم مثل ما يقتضونه فقد أتبعهم، ومن لم يقتضِ فهو المتفضِّل عليهم".

ومن تتمَّة ذلك أيضًا:

- أن يشاور إخوانه في كلِّ ما يقصده ويقبل إشارتهم ويأنس برأيهم؛ فقد قال الله -تعالى-: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38).

- أن يقبل عليهم بوجهه حين يكلِّمهم بنظرة مودَّة، وبسمة محبَّة يعرفونها منه، ولا يصرف بصره عنهم في وقت إقبالهم عليه وكلامهم معه.

- أن يحرص على أن يهاديهم ولا يتكلَّف في ذلك؛ فالنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: (تَهَادَوْا تَحَابُّوا) (رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).

- أن يحرص كذلك على زيارتهم في الله والتودُّد إلى أبنائهم؛ فقد قال الله -تعالى- في الحديث القدسيِّ: (وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- أن يخبرهم بمحبَّته لهم؛ فقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

فبذلك تزداد المحبَّة، وتتآلف النفوس، وتصفو القلوب، وتسهل الأمور على الجميع في التعاملات والنقاشات، والمهامِّ الإصلاحيَّة المشتركة.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.