كتبه/ أحمد شهاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنستكمل في هذا المقال رسائلنا إلى الدعاة إلى الله:
4- تأمل لآلئ القرآن في الرسالة الرابعة: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء: 19)، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216).
فاستحضار معاني الإيمان بالقضاء والقدر مفتاح للخير، والتأمل في أفعال الله وحكمته الباهرة مجلاة للبصر؛ دع عنك تمني أن لو كانت الأحوال مختلفة، وانشغل بالأحب إلى الله في تلك الأحوال علمًا وعملًا.
فهل تعلم الخير لك ولغيرك في الحال والمآل حتى تتمناه بعينه؟! (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود: 123).
آمن بالقدر واعمل بالشرع.. استسلم لقول الملِك: "كُن"، واعمل بأمره: "قم"؛ فتُدافع الباطل مع التنعم بنعيم الرضا بقضاء الله وقدره متأملا في الحِكَم الباهرة للحكيم الحميد.
واصبر: فالصبر سلاح ماضٍ، واستعن على صبرك بعبادة الله، والقرب منه -سبحانه-؛ فهو نعم المولى ونعم النصير؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 153)، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة: 45)، (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) (غافر: 55)، (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ . وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) (ق: 39، 40).
وهذه هي الرسالة الخامسة: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) (المعارج: 5)؛ صبرًا بلا تضجر، وبلا شكوى، وبلا انقطاع.
صبرًا؛ لله إخلاصًا، وبالله استعانة، ومع الله موافقة لأحكامه وشرعه.
صبرًا إلى آخر نَفَس في الحياة.
صبرًا حتى لقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- على الحوض؛ لذلك كانت الآية التالية بعد الأمر بالصبر: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا . وَنَرَاهُ قَرِيبًا) (المعارج: 6، 7)؛ فأعظم مُعِين على عقبات الطريق: عمق الإيمان بالله واليوم الآخر.
لذا فالرسالة السادسة هي: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت: 5، 6).
إذا كانت الغاية الآخرة، فما يضرك ما دمتَ قائمًا بواجب الوقت؟
إذا كان الموعد لقاء الله فانشغل بمراضيه حتى تلقاه فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ، (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (المدثر: 7).
وتأمل ختام الآية باسمي: السميع العليم ليطمئن قلبك؛ يطمئن أن الله حافظه وناصره ومؤيده، وحافظ عمله ومضاعفه له؛ فهو لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
فالعمل للدين مشروع لا يعرف الخسارة؛ (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة: 120، 121)، (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (الأعراف: 170)؛ فأدِّ ما عليك ولا عليك، ولا تفرط في المتاح فتحرمه، بل اعمل بالمتاح يفتح الله لك غير المتاح.
ثم السابعة: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: 90)، فمهما كان الواقع صعبًا والمعين قليلًا؛ ففي الأنبياء أسوة وقدوة، فمتى لم تجد على الحق معيناً فصاحب سير الأولين، وتأسَّ بالأنبياء والصالحين، فلك (فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ) (يوسف: 111)، (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (هود: 120)؛ فأقبل على أحسن القصص متعلمًا متأسيًا، معتبرًا مقتديًا متأدبًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وأبشر وأحسن الظن بربك؛ فأنت تتعامل مع رب شكور كريم، والعاقبة للمتقين، فمع عظيم الأجر في دار النعيم، أبشر بأخرى (تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (الصف: 13).
وختامًا: فالقرآن لا تفنى عجائبه، ولن نحيط برسائله، لكن نقتصر منها بالإشارة إلى ما سبق، والقصد لفت انتباه، وفتح باب فاجعل القرآن قائدك ومرشدك ودليلك، وليكن رفيق دربك، فاتخذه صديقًا في رحلتك الدعوية؛ فهو الصراط المستقيم، فاقصد البحر وخلِّ القنوات.
وإن كان من ختام فبكلمة واحدة: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ).
والحمد لله رب العالمين.