كتبه/ طلعت مرزوق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالإخلاص هو: تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك؛ قال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة: 5)، وقال: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين. أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) الزمر 2، 3. (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) (الزمر: 11)، وقال: (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي) (الزمر: 14)، وقال: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (النساء: 146)، وقال: (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (الأعراف: 29).
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ فَهجرتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أو امْرَأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِليْهِ) (متفقٌ عليه)، والله -عزَّ وجلَّ- لا يقبل مِن العمل إلا ما كان خالصًا له، موافقًا للشرع الذي أنزله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-ـ وقد جُمِعَ بين هذين الشرطين في قوله -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف: 110).
قال الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله تعالى-، في سُلم الوصول:
شَرْطُ قَبُولِ السَّعْي أنْ يَجْتَمِعَا فـِـيـهِ إِصَابَـةٌ وإخْـلَاصٌ مَـعـًا
لـلـهِ رَبِّ الــعَــرْشِ لا ســواه مُوَافِقَ الشَّرْعِ الَّذِي ارتـضـاه
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وهذان ركنا العمل المُتَقبل؛ لا بد أن يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (تفسير ابن كثير).
وروي مثل هذا عن القاضي عياض رحمه الله -تعالى-، وغيره.
قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ الله) (آل عمران: 29)، وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) (البقرة: 235)، وخاطب الله -سبحانه وتعالى- رسوله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر: 65).
وعن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: أَنَا أَغْنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ، مَنْ عمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيْه مَعِيَ تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ) (رواه مسلم).
ورَوي عنه أيضًا مرفوعًا -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ) (رواه مسلم).
أما عن حال المخلصين، فقال -تعالى-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) (الإنسان 8-11).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) (المؤمنون: 60)، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: (لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ) (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون: 61) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وروي عن جعفر بن حيان أنه قال: "ملاك هذه الأعمال النيات؛ فإن الرجل يبلغ بنيته ما لا يبلغ بعمله"، وعن مطرف بن عبد الله الشِّخير أنه قال: "لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا، أحب إليَّ مِن أن أبيت قائمًا فأصبح مُعجبًا!".
وعن بعض السلف قالوا: "المخلص مَن يكتم حسناته، كما يكتم سيئاته"، "إني أحب أن يكون لي في كل شيء نية؛ حتى في أكلي وشربي ونومي".
وللحديث بقية -إن شاء الله-.