الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 09 يوليه 2023 - 21 ذو الحجة 1444هـ

جواب على رسائل مرتكبي جريمة حرق المصحف

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) ومن مظاهر ضعفه: تكرار حيله، وما يوحي به إلى أوليائه مع تباعد أزمانهم وأوطانهم. ولذلك وجدنا تشابهًا كبيرًا بين طرق مقاومة أهل الباطل لانتشار الحق في كل أمة.

ومن هذه الطرق: السخرية ومحاولة الانتقاص؛ بحيث يسهل عليهم صرف الناس عن سماع حجتهم، بدعوى أنهم كأشخاص لا يستحقون أن يُـسمع منهم، وأنه لا يتصور أن ينطق هؤلاء بحق أصلا أو أن ينفردوا به عن ذوي المكانة والصولجان.

ولأن الحق متى التقطته الآذان -ولو عرضًا- يجد طريقه إلى القلب لو كان القلب طالبًا للحق؛ فلم يكن هؤلاء المكذبون للرسل عبر التاريخ يكتفون بالسخرية والاستهزاء بل كانوا يضيفون إليها الدعوة إلى إغلاق الآذان حرفيًا، كما اشتكى نوح عليه السلام صنيع قومه وحكاه الله عنه في قوله: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا).

وأما أبو جهل ورفاقه فكانوا أيضا ينهون ويتناهون عن سماع القرآن، ومع هذا كانوا يخافون أن يسمع البعض فيحمله هذا على أن يستمع ثم يتدبر فيقوده هذا إلى الإيمان. فكانوا يتواصون فيما بينهم بالتشغيب على صوت النبي صلى الله عليه وسلم حال جهره بقراءة القرآن، إما بالغناء أو التصفيق أو بذكر حكايات الأسفار وأخبار الملوك.

وما أشبه الليلة بالبارحة!

فأوروبا اليوم تشعر بفخر كبير وشعور بالتميز وأنهم في نهاية المطاف يقدمون للعالم الحل الأمثل، بعد أن مروا بعدة مراحل من الوثنية إلى نصرانية بولس إلى العالمانية إلى العالمانية المستندة إلى التاريخ النصراني كهوية ثقافية مع الحفاظ على عالمانية التشريع العام. وبالتالى لا تشعر أوربا أنها بحاجة إلى تقديم أي ممانعة تجاه أى دين أو فكر، بل داخل الفكر العالمانى نفسه لا تشعر أوروبا أنها ما زالت بحاجة إلى الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد الرأسمالي في مقابل خيار الحكم الشمولي والاقتصاد الاشتراكي.

وشعورهم بالتفوق والثقة - أن مناهجهم أينما حلت ملأت السهل والوادي وسيطرت على عقول الكبار والصغار - واضح جدا.

إلا أن اعتناء مراكز دراساتهم بدراسة الإسلام كدين، ثم بدراسة أحوال المسلمين ومواقعهم من التمسك بهذا الدين، وتقديمهم الدعم لمن يقدمون أفكارا تهدم أسس هذا الدين، ثم التصريح من كثير من مفكريهم أن الحائل الوحيد بينهم وبين الوصول إلى سيادة نمطهم الفكري كمحطة نهائية للبشرية هو الإسلام.

وذلك لأن الإسلام لم يعارض العقل ليقال فِرّ منه إلى العالمانية العقلانية، ولم يأت بأي شيء أثبتت حقائق العلم الحديث خلافه، بل العكس. وكمال تشريعاته وتوازنها وتحقيقها لسعادة البشرية أمر لا يخفى على كل ذي عقل سليم.

كما أن القرآن -معجزته الخالدة- يجدد لدى النفس البشرية نداء فطرتها أن تعرف خالقها وتعرف رسالتها ومصيرها، رغم أن العالمانية تريد من الإنسان أن يبقى عقله وقلبه حبيسين لهذا  "العالم الدنيوي".

ومن هنا يدرك هؤلاء أن وصولهم لمحطتهم النهائية لن يتم ما بقي الإسلام والقرآن، ومن هنا كانت حربهم ضد الإسلام وضد رسوله صلى الله عليه وسلم وضد القرآن كتابه الخالد وضد سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ضد كل علوم الشريعة بدعوى أنها نتاج بشري.

وربما وافقهم في الجزئية الأخيرة كثير من المخدوعين فيقول أن الفقه مثلا هو اجتهادات فقهاء فمن أين أعطيناها القدسية؟! والكلام إلى هنا الحد صحيح وقد نبه على هذا الأئمة الأعلام أنفسهم، فكلهم قال باللفظ أو المعنى: "إذا رأيتم قولي يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط".

ولكن هذا لا يمكن أن يُـفسر على أنه ثورة على هذا الفقه، بل حتى العلوم الدنيوية المحضة كالطب والهندسة لا عصمة فيها لأحد، ولكن أهلها لا يقبلون الخروج على مجموع ما استقرت عليه هذه العلوم.

وهذه العلوم الشرعية هي حصيلة تراكمية للأمة في فهم وتطبيق الكتاب والسنة، والأمة في جملتها أمة معصومة، وإن كان لا عصمة لأحد فيها بعينه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المهم أن القوم ماضون في حربهم تلك.

وحيث أن العالمانيين ينتحلون الدعوة إلى إعمال العقل ومناهج البحث العلمي؛ فقد تتوهم أن سلاحهم الأول بل الوحيد هو الإقناع العقلي، وأنه من المستحيل عليهم اللجوء للاستهزاءٍ أو السخرية أو التشغيب، وأنهم متى وجدوا أن المنهج الذى يحاربونه منهجا علميا مدونا و مخدوما في نظام بديع، يبدأ بكتاب شامل يُجمل قضايا هذا الدين هو القرآن، ثم بيان له في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطبيقات وشروح عبر خمسة عشر قرنا من الزمان؛ فإنهم سيرحبون و يفرحون و يقولون بلسان الحال و المقال "جئتم إلى ساحتنا"!

وبالفعل بدأ المستشرقون في دراسة الإسلام إلا أن كثيرًا منهم خرج من دراسته معتنقًا للإسلام، وبعضهم خرج يُثني على الإسلام بحيث تجزم أنه ما حال بينه وبينه إلا خوفه على ضياع ما هو فيه.
و على إثر تلك المحاولات تناسى المستشرقون و العالمانيون دعاوى الشفافية و المصداقية و الانصاف  و اتجه معظمهم إلى تبنى دراسات مغلوطة عن الإسلام، ما زالت تمثل الوقود المحرك لكثير من الملاحدة والعالمانيين والمبشرين، على الرغم من أن هذه الدراسات المغلوطة قد قوبلت بردود مفحمة، وهذه الردود ما زال ينهل منها ويضيف إليها دعاة الإسلام بفضل الله تعالى.

وما زال الواقع يقدم أدلة جديدة على عظمة الدين الإسلامي وكمال تشريعاته من ثبوت ضرر أكل لحم الخنزير، والميتة، وضرر أكل آكلات اللحوم، وما داء كورونا منا ببعيد!! وثبوت أن الربا يتضمن ظلما للمجتمع ككل، وأن مفاسده تظهر جلية حينما يتراكم فيصبح أضعافًا مضاعفة؛ وحينئذ تنفجر الفقاعات المصرفية وتنهار الأسواق كما حصل غير ذات مرة.

إذن من يسلك طريق الحوار المنصف ينتهى به الأمر في النهاية إلى إما الإسلام أو التسليم بالعجز.

ومن يسلك طريق الحوار المغلوط يحقق بعض النتائج، ولكن لا يكاد يصطاد إلا ذوى الهمم الضعيفة. لأن من يتعرض لهذه الشبهات إذا بحث عن جوابها يجده ميسورًا بفضل الله.

وتحضرني في ذلك تلك العبارة البليغة التي قالها الأديب مصطفى صادق الرافعي، وهو أبرز من رد أكاذيب المستشرقين وأذنابهم حول إعجاز القرآن، قال - رحمه الله - في كتابه (تحت راية القرآن): "إن الباطل لا يجد أبداً قوته في طبيعته، بل تأتيه القوة من جهة أخرى فتمسكه أن يزول، فإذا هي تراخت وقع، وإذا زالت عنه اضمحل. أما الحق فثابت بطبيعته قوي بنفسه...".

ومن هنا فما زال - وفي قلب أوروبا المتشدقة بالعقلانية والغالية في احترام اختيارات الآخرين إلى حد الهوس بالدفاع عمن اختار الشذوذ - ما زال هناك من يختار أسلوب الاستهزاء والسخرية والتشغيب لمنع العالم من سماع أو قراءة القرآن.

ومن هؤلاء سفهاء دولة السويد الذين بين الحين والآخر يقومون بإحراق نسخ من المصحف الشريف.

وعندما سئل أحدهم عن هدفه فقال: "السخرية والاستهزاء من الإسلام"!!!

وهذا يدل على الغيظ الذى يملأ قلوبهم كمال قال تعالى:  (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ? قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ? إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ).

ولكن يبقى أن هدف المستهزئين الأكبر هو صد الناس عن اتباع الحق وإذا كانت هذه هي الرسالة فلا بد من أجوبة، والجواب الأول: وعيد الله لهم.

 

 ثانيا: وعيد الله لمن أراد صد الناس عن سماع آياته

قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ * فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)

قال العلامة السعدي في تفسير هذه الآيات: "يخبر تعالى عن إعراض الكفار عن القرآن، وتواصيهم بذلك، فقال: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ) أي: أعرضوا عنه بأسماعكم، وإياكم أن تلتفتوا، أو تصغوا إليه ولا إلى من جاء به، فإن اتفق أنكم سمعتموه، أو سمعتم الدعوة إلى أحكامه، فـ (الْغَوْا فِيهِ) أي: تكلموا بالكلام الذي لا فائدة فيه، بل فيه المضرة، ولا تمكنوا -مع قدرتكم- أحدًا يملك عليكم الكلام به، وتلاوة ألفاظه ومعانيه، هذا لسان حالهم، ولسان مقالهم، في الإعراض عن هذا القرآن، (لَعَلَّكُمْ) إن فعلتم ذلك (تَغْلِبُونَ).

وهذه شهادة من الأعداء - وأوضح الحق ما شهدت به الأعداء - فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلا في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك، ومفهوم كلامهم: أنهم إن لم يلغوا فيه، بل استمعوا إليه وألقوا أذهانهم، أنهم لا يغلبونه! فإن الحق غالب غير مغلوب، يعرف هذا أصحاب الحق وأعداؤه.

ولما كان هذا ظلمًا منهم وعنادًا، لم يبق فيهم مطمع للهداية؛ فلم يبق إلا عذابهم ونكالهم، ولهذا قال: (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) وهو الكفر والمعاصي، فإنها أسوأ ما كانوا يعملون، لكونهم يعملون المعاصي وغيرها، فالجزاء بالعقوبة إنما هو على عمل الشرك (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا). (ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ) الذين حاربوه، وحاربوا أولياءه بالكفر والتكذيب والمجادلة والمجالدة. (النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ) أي: الخلود الدائم، الذي لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا هم ينصرون، وذلك (جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فإنها آيات واضحة، وأدلة قاطعة مفيدة لليقين، فأعظم الظلم وأكبر العناد جحدها والكفر بها.

 

ثالثا: جواب أهل الإسلام: العناية بالقرآن قراءة وفهما وعملا

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير الآيات السابقة "هَذَا حَالُ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَالَ: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون)"

ولله دره من إمام لم يفته أن يبين للمؤمنين أنهم وهم يذمون أحوال الكفار عليهم ألا يقصروا في واجبهم هم تجاه القرآن: من الاستماع والإنصات والاتباع. وهذا ينبغي أن يكون الجواب الأول في ردة فعلنا أن نعلم أن الأعداء يريدون إبعاد البشرية عن القرآن، فربما أبعدوا هؤلاء بتلك الطريقة الصاخبة.

ولكن ألا تقدم لنا ذات الحضارة - التي يقوم بعض أبنائها بهذه الجريمة، ويسمح بها البعض الآخر، بينما يستنكرها البعض الثالث استنكارًا باهتًا أقرب إلى الإقرار منه إلى الاستنكار-  ألا يقدمون للمسلمين أنفسهم أنواعا من الشواغل عن كتاب ربهم؟

وإذا كانوا يقدمون -وهم يقدمون- فماذا نحن فاعلون؟؟

 

رابعًا: جواب أهل الإسلام: الاعتزاز بالإسلام وبالقرآن

قدمنا أن من أهداف السخرية من دعوةٍ ما؛ تنفير الناس من سماعها ابتداءً. وقد يكون من أهدافها محاصرة أتباع هذه الدعوة من إظهارها خوفًا من تلك السخرية. فهل نرد على هذا بإظهار الاعتزاز بالإسلام؟ ونشر فضائل القرآن؟!

جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وحرب السخرية آنذاك على أشدها في رمي القرآن بكل فرية - فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن أسمعه القرآن، وهو أمر تكرر مع غيره من مشركي العرب ومع اليهود ومع وفد نصارى نجران.

وكما أنه في زماننا ليس كل الكفار في سفاهة "حرّاقي المصاحف"، فكذلك لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كل الكفار أبا جهل. وكان الوليد بن المغيرة ممن له عقل، فلما سمع القرآن وقع في قلبه وحدث نفسه بالإسلام، وعرفت قريش هذا من تغير سلوكه بعد جلوسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسماع القرآن فسارع أبو جهل وهدده بأنه سيُعيّر إن اتّبع النبي صلى الله عليه وسلم بأنه اتّبعه لحاجة، وطلب منه أن يقول عن القرآن أي فرية مما كان يتردد، فقال تلك العبارات في وصف القرآن وإن بقي على كفره: "إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته".

و هذا يدلنا على أنه لا بد من إظهار اعتزازنا بالقرآن و كلما سخر منه المستهزئون كلما زدنا في إظهار تعظيمه و توقيره و محبتنا له.

 

خامسًا: جواب أهل الإسلام: حمل رسالة الإسلام

لقد علمت أن من يفعل هذا يريد ألا تصل دعوة القرآن إلى العالمين، فهل نستسلم؟ أم نحمل رسالة ربنا؟

إن نوحا عليه السلام قد دعا من قد وصل بهم الإعراض إلى رفض سماع كلامه و إغلاق آذانهم حرفيا، وليس مجرد أن كبرائهم نهوا أتباعهم عن السماع لنوح عليه السلام، ومع هذا بقي حاملا لرسالة ربه وحكى لنا الله -عز وجل- شكوى نوح عليه السلام إليه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا  وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا).

 

سادسًا: جواب أهل الإسلام: أيها العالمانيون هل أفقتم؟

يصر بعض بني جلدتنا أن ينقلوا العالمانية إلى بلاد المسلمين، زاعمين أنها ضرورة وحتمية وأنها لا تعارض الإسلام.

فأما ضرورتها  فيكفى في نقدها ما بيناه من ا أن الإسلام لم يحارب قط استعمال العقل في موضعه، وأن الدين الإسلامي -لأنه من عند الله- لم يخبر بشيء ثم أثبت العلم الحديث خلافه. وأن محاسن الشريعة الإسلامية شهد بها كثير من أعدائها.

وأما دعوى أنها لا تعارض الدين الإسلامي: فكلام يسهل جدًا في نقده أن تقرأ القرآن لتجد الآيات التي تشرع في الحدود، وفي الزواج والأسرة، وفي البيع والشراء، حتى أن أطول آية في القرآن هي آية الدّيْن.

والحوار مع هؤلاء العالمانيين سيظل في هذه الحلقة المفرغة: يذمون الدين لأن فيه كهنوت و صكوك غفران و مصادمة للعقل و مناقضة للعلم ... فتبين لهم أن شيئا من هذا لم يحدث في الإسلام بفضل الله!

وعندما يفشلون في إثبات أن العالمانية خيار حتمي فرارا من مفاسد وجودها في بعض الأديان فظنوا أنها موجودة في دين الله، ودين الله منها بريء؛ يلجأون إلى أن يطرحوا علينا هذا السؤال السمج: ولماذا ترفض العالمانية و قد ارتضاها العلم المعاصر؟ هل تتوهمون أيها المتدينون أنها ستمنعكم من دينكم؟ أبشروا فبعض أنماط العالمانية تسمح بالتدين وهي الأنسب للعالم الإسلامي! 

فنقول لهم غاية ما تسمح به العالمانية: العبادات والأخلاق وهي بلا شك جوانب هامة جدا من الدين، ولكن أين تنظيم الدين لشؤون الحياة؟ و هو ثابت في القرآن فضلا عن السنة. أم تريدون منا أن نكون ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض؟!

وسبب هذه الحلقة المفرغة أن القوم يريدون منا أن نسلك طريق الغرب وإن كانت الحجة على خلافه. وفيهم قال صلى الله عليه وسلم:  (لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ).
وفوق هذه الردود المفحمة على دعاوى العالمانيين - ومن بيان مناقضتها لدين الإسلام - فإننا نضيف إلى ذلك أن نقول لدعاة العالمانية: ها هي العالمانية تتراجع عند من اتبعتموهم، و ها هو الغرب يريد أن يعامل أمة الإسلام على وجه الخصوص من منطلق ديني.
وها هي وعودهم بحرية العبادة سرعان ما تسحب لصالح صنم "مصالحهم في الاستبداد والهيمنة" المتسترة بصنم "حرية الرأي".

 

فهل تراجعون مواقفكم وتقفون في خندق أمتكم أم ستظلون متخندقين مع أعدائها؟

 

خاتمة: ردود فعل إيجابية ولكن!

لا أريد أن أكرر في تلك المقالة مطالب ذكرت في بيانات لدعوتنا المباركة، أو حتى أن أثمن ردود فعل الحكومات والمؤسسات في العالم الإسلامي التي تبدو في هذه المرة أكثر تفاعلًا.

ولكن ما زلنا ننتظر من أنفسنا كأفراد: مزيدا من حفظ القرآن ونشر القرآن وتعليم القرآن وبيانٍ لعظمة القرآن.

وما زلنا ننتظر من أنفسنا كدول ومؤسسات: مزيدا من الضغوط والشكاوى والمقاطعات، وغيرها من الأدوات التي نرد بها أفرادًا وجماعات وحكومات - كل بحسب ما بيده من وسائل - على هذا الإجرام المتكرر.

نسأل الله أن يعزنا بالإسلام وأن يجعل حياتنا ومماتنا تحت راية القرآن.