الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد اغتصب اليهودُ جزءٌ من أرض المسلمين في فلسطين في عام 1948 بعد حرب مع عدة جيوش عربية، وكان من تلك: أجزاء من مدينة القدس، وبقيت البلدة القديمة المعروفة بالقدس الشرقية تحت إشراف الأردن، إلى أن ضمها الكيان الغاصب في حرب 1967.
ومنذ ذلك التاريخ واليهود يعتبرون هذا اليوم هو عيد توحيد القدس -من وجهة نظرهم-، ويحتفلون سنويًّا في ذكرى ذلك اليوم بالتقويم اليهودي، وينظمون ما يعرف بـ"مسيرة الأعلام".
وتمر مسيراتهم مخترقة أحياء القدس الشرقية، وهي أحياء يمثِّل المسلمون أغلبية سكانها؛ مما يتسبب في اعتداءات من هذه المسيرات على المسلمين.
وفي هذا العام اهتمت حكومة الكيان الصهيوني بالحدث، وأعلنت عنه مبكرًا، وهددت فصائل المقاومة الفلسطينية أنهم متى أطلقوا صواريخهم احتجاجًا على المسيرة، فسيكون الرد قاسيًا، ومِن ثَمَّ جاءت جرائم هذه المسيرة في هذا العام أكثر فداحة.
ويأتي على رأس تلك الجرائم الفادحة ما قام به بعض هؤلاء المجرمين من سبِّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو أمر يدل على أن حسدهم في الأصل منصب على الإسلام وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قال -تعالى-: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم) (البقرة: 109).
وقد أعمى الحسد هؤلاء فنسوا ادعاءاتهم الفارغة؛ أنهم لا يعادون الإسلام كدين، ولكنهم فقط يريدون وطنًا يعيشون فيه بعد طول تشرذم وشتات، فوقعوا في هذه الجريمة التي -بإذن الله- ستكون أحد أسباب قطع دابرهم، كما قال -تعالى-: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (الكوثر: 3).
وبالإضافة إلى هذا، كان العدوان الفج على بعض المصلين أثناء صلاة الجمعة في ساحات المسجد الأقصى المبارك، وكأنهم أرادوا أن يجمعوا على أنفسهم كلَّ وعيدٍ، فدخلوا في وصف مَن وصفه الله -تعالى- بأنه (يَنْهَى . عَبْدًا إِذَا صَلَّى) (العلق: 9-10)، ومِن ثَمَّ جاء الوعيد: (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ . نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) (العلق: 15-16).
كم قام صهاينة هذه المسيرة باستفزاز المسلمين والمسلمات، وتوجيه سب وشتم لهم، وأمنيات باحتراق قراهم، وكأن المسلمين هم مَن أشعلوهم في المحارق، ولكن الواقع أن بلاد المسلمين هي مَن آوت مَن فَرَّ منهم في كل موجات صراعاتهم مع المجتمعات الأوروبية التي كانوا فيها، ولكنهم قوم سوء يردون الإحسان بالإساءة!
وقد اعتاد الكيان الصهيوني في مثل هذه المظاهرات أن يدعى أنه يحميها مِن باب حماية حق التظاهر لمن نظمها، وفي ذات الوقت فهم يحمون الفلسطينيين من أي اعتداء أثنائها، ولكن الكاميرات قد فضحتهم وهم يوفِّرون الحماية للصهاينة للاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى، وفي غيره، ثم فضحوا أنفسهم بأنفسهم بمشاركة وزراء في فاعليات تلك المظاهرات، وقيامهم باقتحام المسجد الأقصى المبارك.
وبهذا الصدد تطالب الدعوة السلفية بالأمور التالية:
- علينا أن نعي الدرس جيدًا، فقد أعرب اليهود عن بعض ما في باطنهم: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران: 118)، وبيَّنوا لك أن الأرض ليست هي أكبر همهم، ولا حتى المسجد، بل الذى يحركهم هو الكراهية المطلقة لهذا الدين ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ومسألة الوعي بقضايا أمتنا مسألة محورية يجب أن يهتم بها جميع الدعاة والمصلحين لينتشر الوعي بها بين جميع أبناء أمتنا العربية والإسلامية.
- صدرت بيانات إدانة من مصر وبعض الدول العربية والإسلامية، وهي خطوة أولى يجب أن تتبعها خطوات، وتحركات دولية لحماية المسجد وحماية إخواننا في فلسطين والضغط بالعلاقات الدبلوماسية والتجارية على كل الدول الداعمة للكيان الصهيوني.
- ومن الأشياء الإيجابية: أن تصدر الإدانة مِن بعض مَن كان قد انخدع بدعاوى ما يعرف بالدين الإبراهيمي، نسأل الله أن يكون هذا سببًا في إفاقتهم من هذه الدعوات الباطلة عقائديًّا؛ بالإضافة إلى أنها لا تخدم إلا مصالح الكيان الصهيوني سياسيًّا.
- نطالب بتحركات على مستوى جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وكذلك تحركات للدول العربية والإسلامية داخل المنظمات الدولية.
- وفي النهاية: وفي ظل تلك الفتن التي تموج من حولنا، والأزمات التي تعاني منها بلادنا، نحتاج دائمًا إلى أن نهرع إلى التوبة والاستغفار، والبُعد عن الفواحش والمنكرات؛ التي هي سبب كلِّ بلاء، وعن طريقها سيطر الغرب على عقول أبناء أمتنا، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
نسأل الله أن يرد أمتنا إلى الحق ردًّا جميلًا، وأن يرد المسجد السليب إلى أمتنا بحوله وقوته، وفضله ورحمته.
الدعوة السلفية بمصر
الأحد 1 ذو القعدة 1444هـ
21 مايو 2023م