الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 19 أكتوبر 2022 - 23 ربيع الأول 1444هـ

الحياء شعبة من الإيمان (1)

كتبه/ حسن حسونة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فخلق الحياء من أخلاق الدين والشرع الحنيف؛ خصَّه النبي صلى الله عليه وسلم من جملة شعب الإيمان، فنص على أن الإيمان بضع وستون أو بضع سبعون شعبة، أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، ثم قال: "والحياء شعبة من الإيمان"؛ نظرًا لأهميته ومكانته؛ فهو من أبرز الأخلاق التي تنأى بالمرء عن الرذائل، وتحجزه عن السقوط في أوحال الخلاعة والمياعة.

قال بعض الحكماء: مَن كساه الحياء ثوبه لم يرَ الناس عيبه.

وقد اتفق أهل اللغة على أن الحياء تغيُّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به أو يلام عليه؛ فهو يدفع صاحبه على ترك القبيح من الأقوال والأفعال.

وهو صفة لله جل في علاه، وقد خرج أبو داود من حديث سلمان رضي الله عنه مرفوعًا: "إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبين"؛ فهي صفة نثبتها على قاعدة أهل السنة والجماعة: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، بلا تعطيل ولا تحريف، ومن غير تكييف، ولا تمثيل .

والحياء خلق للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فعند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله أشد حياء من العذراء -وهي البكر التي لم تتزوج- في خدرها -أي: في سترها-، وكان يُعرَف الحياء في وجهه، كما أنه خُلُق لموسى عليه السلام؛ فقد كان حييًّا يغتسل وحده.

وأيضًا خُلُق لبنات الرجل الصالح؛ ففي القرآن: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء"، قال عمر رضي الله عنه: "ليست بامرأة سلفع من النساء خراجة ولاجة، ولكن جاءت مستترة وقد وضعت درعها على وجهها استحياءً"، فهي مثال يحتذي ويقتدي به نساء لم تعرف للحياء بابًا؛ تركن ثوب الحياء في الكلام والفعال والثياب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال أبو حاتم رحمه الله: "الواجب علي العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل العقل وبذر الخير، وتركه أصل الجهل وبذر الشر، والحياء يدل على العقل، كما أن عدمه دال على الجهل".

والحياء لا يأتي إلا بالخير كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رأى رجلًا يعظ أخاه في الحياء، قال: "دعه فإن الحياء من الإيمان"؛ فيستحيي العبد من ربه تبارك وعز، فيراقبه ولا يجاهر بالمعاصي والأوزار، ويستحيي مَن سمع الله كلامه فلا ينطق إلا بخير، ويستحيي من رؤية الله له فهو يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء، فيستحيي العبد أن يراه مقيمًا على معصيته، ويستحيي من عبادته لغير الله ودعائه ورجائه وخوفه من غيره عز وجل، ويستحيي من تركه للصلاة وتضيعيه لحقوق الله وحقوق العباد، ويستحيي من اختبائه وتلصصه في الظلام على مواقع الرذيلة والعلاقات المحرمة مع النساء فيستشعر معية الله، "هو الذي يراك حين تقوم"، "ألم يعلم بأن الله يرى".

ويستحيي العبد من الملائكة الموكلة به "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، "له معقبات من بين يديه ومن خلفه"، ويستحي العبد من الناس؛ لأنه مَن لم يستحي مِن الناس لا يستحيي مِن الله؛ فإنه إذا لم يبالِ المسلم والمسلمة من رؤية الناس له ولم يكترث لذلك؛ أصبح عنده إلف للمعصية، ولا مبالاة، فيموت قلبه، وتضيع مراقبته لله عز وجل.

وللحديث بقية إن شاء الله.