الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 14 أبريل 2022 - 13 رمضان 1443هـ

فأما الزبد فيذهب جفاء

كتبه/ محمد خلف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا شك أن آيات القرآن مِن أعظم ما تثبت وتسكن به قلوب أهل الإيمان، كما قال سبحانه وبحمده: "وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا" (الفرقان: ??)، وقال تعالى أيضًا: "قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل: ???)، فيثبتون به أمام ما يلاقونه مِن أعداء الله وأعدائهم مِن الكفرة والمنافقين من التشكيك وإلقاء الشُّبه، ومن فتنة المؤمنين عن دينهم، فالمؤمن يعلم أنه سبحانه لو شاء لم يخلقهم من الأصل، وكذا لو شاء تعالى لانتصر منهم، ولكنه سبحانه أحكم الحاكمين؛ قدَّر ذلك لحكمته فتنة واختبارًا؛ ليتميز ويظهر الخبيث من الطيب؛ وليرى سبحانه ويعلم علمًا تقوم الحجة على عباده، فيثيب المسلم المطيع الناصر لدينه وينصره،  ويعاقب ويخذل أهل الكفر والنفاق.

وكذا المؤمن يشهد فضل الله عليه، ورحمته أن عافاه من أن يكون في زمرة الظالمين المجرمين المحاربين لله ورسوله، وأنه تعالى شرَّفه بأن جعله من أهل الإيمان الكارهين المبغضين لأعدائه، وأن زاده تشريفًا بأن جعله من الناصرين لدينه والذابين عنه؛ فهذا فضل فوق فضل وهو سبحانه عليم حكيم أعلم بالمتقين فينصرهم، وأعلم بالظالمين فيخذلهم، ولو ظهروا وانتفشوا وظن أنهم قد فازوا فسرعان ما يذهبون ويضمحلون، قال تعالى: "‌أَنْزَلَ ‌مِنَ ‌السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ" (الرعد: 17).

فهم كالزبد، وهو -كما قال أهل التفسير-: الغثاء الذي يعلو الماء عند جريانها (الرغوة) يظهر كثيرًا منتفشًا ثم سرعان ما يزول ويضمحل، وأما ما ينفع الناس من الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الباقي المنتصر، ولو كره الكافرون والمنافقون، والمستأجرون البائعون دينهم بعرض من الدنيا قليل؛ فبشرهم بكساد تجارتهم وخسارتها مع يجدونه في صدورهم من الهم والغم والحيرة التي تكاد تتصدع منه قلوبهم لولا الغفلة، وكيف جعلهم الله بسبب ظلمهم وكفرهم يمكرون بأنفسهم وما يشعرون، وبشرهم أنهم سيذهبون كما ذهب من قبلهم من المجرمين.

وسيبقى هذا الدِّين شامخًا كما قال سبحانه وبحمده: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ‌وَلَوْ ‌كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (التوبة: 33)؛ فهو سبحانه لما له من العظمة والعزة والحكمة الذي أرسل رسوله، وهو الذي سينصره ويظهره ويعليه على سائر الأديان الباطلة، فهو تعالى الملك الحق القدير، ونواصي الخلق كلهم بيده سبحانه وبحمده الذي أمره إذا أراد شيئًا فإنه يقول له كن فيكون، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولكن علينا أن نأخذ بالأسباب ونرد هذه السهام والشبه عن ديننا لننال هذا الشرف والرفعة، ومَن لم يحصل العلم الكافي لرد هذه الشبهات فلا ينشغل بها ويستثمر وقته لتعلم دينه وعبادة ربه وإصلاح نفسه، ولا يعرض قلبه لها فهي مع سقوطها وتآكلها ربما استقرت في نفوس البعض، ولربما أثَّرت عليه وفتنته عن دينه ولا يدري متى تخرج هذه الفتن من قلبه، نسأل الله العافية والسلامة.

وليدع هذا لأهل التخصص يكفونه بإذن الله تعالى وهم كثيرون بفضل الله، وهم باقون ظاهرون منتصرون على عدوهم بالحجة والدليل بتأييد ونصرة الله لهم، بما معهم من الحق القويم والنور المبين، لا يضرهم مَن خالفهم أو خذلهم لا يخلو الزمان من وجودهم؛ عناية ورحمة وفضلًا من الله على هذه الأمة المباركة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.