الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 24 أبريل 2024 - 15 شوال 1445هـ

الكبائر (36) أكل مال اليتيم ظلمًا (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة التي ضمن الله لمن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا(النساء: 31).

- أكل مال اليتيم ظلمًا من الكبائر العظام، والجرائم الجسام؛ جاء الوعيد الشديد، والعذاب الأكيد لفاعله: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا(النساء: 10)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ)، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وما هُنَّ؟ قالَ: (الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ(متفق عليه).

- اليتيم في الشرع: هو مَن مات أبوه وهو دون البلوغ، وبعد البلوغ لا يسمى يتيمًا؛ فعن حنظلة المالكي، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ، وَلَا يُتْمَ عَلَى جَارِيَةٍ إِذَا هِيَ حَاضَتْ(رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني).

- الإشارة إلى استهانة كثير من الناس بأكل أموال الأيتام، بتأويلات مختلفة، بل البعض يكون فاجرًا غير متأول(1).

(1) مكانة اليتيم في الإسلام:

- فقد الأب في الصغر يكسر قلب الصغير، ويضعفه بين الناس؛ ولذا نبه الإسلام إلى مكانة اليتيم، وعظم من أجر رعايته، وذلك من خلال جوانب متعددة من الترغيب.

- مواساة اليتامى بكون أعظم إنسان عرفته البشرية؛ محمد -صلى الله عليه وسلم- كان من الأيتام: قال -تعالى-: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى . وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى . وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى(الضحى: 6-8).

- بيان أن هذا أمر الله للأمم كلها (الإحسان إليه): قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ(البقرة: 83).

- جعل الإسلام لليتيم نصيبًا وحظًّا في كل أنواع الأموال تقريبًا: قال -تعالى- في الزكاة والصدقة: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ(البقرة: 177)، وفي الميراث قال -تعالى-: (إِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا(النساء: 8)، وقال -تعالى- عند تقسيم الغنائم: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى(الأنفال: 41).

- توصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- المتكررة باليتيم والإحسان إليه: قال -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهمَّ إنِّي أحرِّجُ حقَّ الضَّعيفينِ: اليتيمِ والمرأَةِ(رواه ابن ماجه والنسائي في السنن الكبرى، وحسنه الألباني).

- التحذير من إهانة اليتيم وأذاه بأي نوع من الإهانة والأذى: قال -تعالى-: (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(الفجر: 17، 18)، وقال: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ(الضحى: 9)، وقال في صفات الكافرين: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ . وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الماعون: 1-3)

(2) فضل الإحسان إلى اليتيم:

- الإحسان إلى اليتيم من أسباب مرافقة النبي في الجنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا) وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا. (رواه البخاري ومسلم)، وقال: (أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَفْتَحُ بَابَ الجنَّةِ، إلا أنَّ امرأةٌ تُبادِرُني، فَأَقُولُ لَهَا: مَا لَكِ! وَمَن أَنْتَ؟ فَتَقُولُ: أَنَا امْرَأةٌ قعدتُ عَلَى أَيْتَامٍ لِي(رواه أبو يعلى، وقال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب: رواه أبو يعلى وإسناده حسن إن شاء الله).

- الإحسان إلى اليتيم مصدر من مصادر سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة: روي في الحديث: "مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إلا لِلَّه، كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ" (رواه أحمد في مسنده، وإسناده ضعيف).

- الإحسان إلى اليتيم دواء لعلاج قسوة القلب: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلى رَسُولِ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَه: (إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيم(رواه أحمد، وحسنه الألباني).

(3) عاقبة أكل مال اليتيم ظلمًا:

- أرشد الحق -تبارك وتعالى- الذين لهم وصاية على اليتيم، أو لهم علاقة بمال اليتيم إلى سبيل الحق والعدل: قال -تعالى-: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا(النساء: 6)، قال البغوي: "نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه، وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتًا وهو صغير، فجاء عمه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله -تعالى- هذه الآية"(2).

- ولذا توعد الحق تبارك و-تعالى- الذين يخالفون في ذلك بالاعتداء على أموال اليتامى ظلمًا بالوعيد الشديد في الدنيا والآخرة: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا(النساء: 10).

- انظروا.. ماذا فعل الصالحون لما سمعوا آيات الوعيد: عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لما أنزل الله -عز وجل-: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(الأنعام: 152)، و(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) الآية.. انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله -عز وجل-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(البقرة: 220)؛ فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه" (رواه أبو داود، والنسائي، وضعفه الألباني).

- أين الذين يأكلون أموال اليتامى من هؤلاء -رضي الله عنهم-؟!: (قصة للاعتبار: العم الذى أخذ أموال ابن أخيه اليتيم، ولما جاء ابن أخيه يطلبها بعد كبره، جحد العم المال ورفض تسليمه لابن أخيه، فجعل يخوفه بالله فلم يكترث لذلك وتجبر، فرجع الولد حزينًا، ولكنه قال له: لن أشكوك للقضاء فلربما تهرب من قاضي الأرض، ولكني سأشكوك إلى قاضي الأرض والسماء! وبعد شهور قليلة سافر هذا العم واصطحب زوجته وأولاده جميعًا، ولما كان على الطريق حدث لهم حادث مروع ماتوا فيه جميعًا، ولم يكن للرجل ورثة غير ابن أخيه! فآلت أمواله وأموال أخيه المتوفى لابن أخيه؛ اليتيم الذى أكل ماله يومًا)، وصدق الحق: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ(إبراهيم: 42).

خاتمة:

اليتيم يحتاج إلى مواساة وحب وعطف وحنان، لا إلى ظلم وقهر، فهو مكسور خاطره، مكلوم فؤاده، فانظر له بعين مشفقة حانية:

انظرْ إلى وجـه اليتيم وهَبْ له       عَـطْـفًا يعيش به الحياةَ كريما

وافـتحْ له كَـنـْزَ الحـنـانِ فإنما       يرعى الحنانُ فؤادَه المكلوما

فالله الله في حقوق اليتامى وأكل أموالهم، انتبهوا واحذروا، فإنما هي نار في بطون آكليها: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا(النساء: 10)، وقال: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا(الإسراء: 34).

فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) من صور ذلك: حبس الوصي لميراث اليتامى، وعدم تقسيم وإعطاء الأيتام حقهم، فقد يكون الأيتام في حاجة ولديهم إرث حبسه عنهم الأخ الأكبر أو العم، أو أي أحد من الأوصياء؛ لأنه ينتفع منه، مثل: أرض زراعيه يزرع فيها ويؤجر بعضها طوال السنين، ويستمتع بها دون بقية الورثة وخاصة الأيتام، وقد يموت بعض الورثة ولم يذق حلاوة نصيبه من الميراث مع حاجته الماسة إليه.

(2) التفسير الميسر: "واختبروا مَن تحت أيديكم من اليتامى لمعرفة قدرتهم على حسن التصرف في أموالهم، حتى إذا وصلوا إلى سن البلوغ، وعَلمتم منهم صلاحًا في دينهم، وقدرة على حفظ أموالهم، فسلِّموها لهم، ولا تعتدوا عليها بإنفاقها في غير موضعها إسرافًا ومبادرة لأكلها قبل أن يأخذوها منكم، ومَن كان صاحب مال منكم فليستعفف بغناه، ولا يأخذ من مال اليتيم شيئًا، ومن كان فقيرًا فليأخذ بقدر حاجته عند الضرورة، فإذا علمتم أنهم قادرون على حفظ أموالهم بعد بلوغهم الحُلُم وسلمتموها إليهم، فأَشْهِدوا عليهم؛ ضمانًا لوصول حقهم كاملًا إليهم؛ لئلا ينكروا ذلك، ويكفيكم أن الله شاهد عليكم، ومحاسب لكم على ما فعلتم".