الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 08 مارس 2022 - 5 شعبان 1443هـ

العلامات الحسان على حسن الاستعداد لشهر رمضان (موعظة الأسبوع) (3) الأعمال قبل رفع الأعمال

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- شعبان هو شهر رفع الأعمال وختام العام: ففي حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كثرة صيامه في شعبان؟ قَالَ: ( ... وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ(رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

- الإشارة إلى أنه ينبغي الاجتهاد في العمل الصالح كخاتمة قبل رفع الأعمال في شعبان، والحرص على الخواتيم في كل الأحيان، تمهيدا للحديث عن العناصر الآتية:

(1) مراتب رفع الأعمال:

من عظيم رحمه الله بعباده، أن جعل رفع الأعمال متكررًا ومتنوعًا، تنبيهًا للغافلين والمقصرين، وتحريضًا للطائعين والمجتهدين: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَ?لِكَ فَأُولَ?ئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون: 9).

فهناك رفع يومي مرتين في أعظم صلاتين، تحريضًا على المحافظة عليهما، وتحذيرًا من تركهما أو تأخيرهما: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا يَنامُ، ولا يَنْبَغِي له أنْ يَنامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ ويَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهارِ، وعَمَلُ النَّهارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ) (رواه مسلم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ) (متفق عليه).

وهناك رفع أسبوعي في يومين كريمين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن يوم الاثنين: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم- عن اليومين: (تُعْرَضُ الأعمالُ يومَ الاثنينِ والخميسِ، فأُحِبُّ أنْ يُعرضَ عملي وأنا صائمٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وهناك رفع سنوي في شهر شعبان -شهر الاستعداد لرمضان- شهر الختام السنوي: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شعبان: (وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ).

(2) الاجتهاد في خواتيم الأعمال:

خطورة الخواتيم وأثرها في العاقبة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ‌وَإِنَّ ‌الرَّجُلَ ‌لَيَعْمَلُ ‌الزَّمَنَ ‌الطَّوِيلَ ‌بِعَمَلِ ‌أَهْلِ ‌النَّارِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) (رواه مسلم).

قد يكون ختام العام هو ختام أعمارنا؛ فليحذر العاقل من سوء الخاتمة، وختم عامه بالمعاصي والسيئات التي حذَّر الله من الموت عليها: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران:102)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ‌مَاتَ ‌عَلَى ‌شَيْءٍ ‌بَعَثَهُ ‌اللهُ ‌عَلَيْهِ) (رواه مسلم، وأحمد واللفظ له، وصححه الألباني).

والموفَّق مَن وفَّقه الله على طاعته: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أرادَ اللَّهُ بعبدٍ خيرًا استعملَهُ)، فقيلَ: كيفَ يستعملُهُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: (يوفِّقُهُ لعملٍ صالحٍ قبلَ الموتِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

قال المباركفوري -رحمه الله-: "أي: يميته وهو متلبس به" (تحفة الأحوذي).

- احرص على الطاعة دائمًا، توفَّق للموت عليها، ولقد أجرى الكريم عادته بكرمه، أن مَن عاش على شيء مات عليه، وهذه ثلاثة أمثلة لمَن وفَّقهم الله للموت على عملٍ صالحٍ لما عاشوا على طاعته.

- الصورة الأولى لرجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- (يموت محرمًا، وفي يوم عرفة، ويبعث ملبِّيًا!): عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بيْنَما رَجُلٌ وَاقِفٌ مع رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بعَرَفَةَ، إذْ وَقَعَ مِن رَاحِلَتِهِ، قالَ أَيُّوبُ: فأوْقَصَتْهُ، أَوْ قالَ فأقْعَصَتْهُ، وقالَ عَمْرٌو: فَوَقَصَتْهُ، فَذُكِرَ ذلكَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: (اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ)، قالَ أَيُّوبُ، فإنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَومَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا، وَقالَ عَمْرٌو، فإنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَومَ القِيَامَةِ يُلَبِّي" (متفق عليه).

- الصورة الثانية لعالِم من علماء القرآن المعاصرين (موت الشيخ عامر السيد عثمان -شيخ المقارئ المصرية-): قال الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في مقاله: "تباريح" بالمجلة العربية: "حدثني أخي الشيخ محفوظ الشنقيطي -مدير عام العلاقات بمجمع الملك فهد للمصحف الشريف- عن شيخ القراء بالمجمع، الشيخ عامر السيد عثمان -رحمه الله تعالى- أنه فقد حباله الصوتية في السنوات السبع الأخيرة مِن حياته، وكان يدرس تلاميذَه "القراء" فلا يفصح لهم إلا بشهيقٍ وإيماء، ثم مَرِضَ مَرَضَ الوفاة، وكان طريح السرير الأبيض بالمستشفى، ففوجئ أهل المستشفى بالرجل المريض فاقد الحبال الصوتية يقعد ويدندن بكلام الله بصوتٍ جَهْوري جذَّاب، مدة ثلاثة أيام ختم فيهن القراءةَ مِن سورة الفاتحة إلى سورة الناس، ثم أسلم الرُّوحَ إلى بارئه!" (نقلًا عن سكب العبرات، د. سيد عفاني 1/ 452).

- الصورة الثالثة لرجل من عامة المسلمين (مؤذن): قال الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في نفس المقال: "وكان خال أبي وابن عم جدي عمر بن محمد العقيل -رحمه الله- مؤذنًا بمسجدنا خمسة وثلاثين عامًا، أدركتُ منها ربع قرن، لم يتخلف عن فرضٍ واحد لحرٍّ أو قر، ومات في الرياض وعمره تسعون عامًا، وكان مقعدًا، فلما حضرته الوفاة بعد صحوة الموت وجده ابنه محمد واقفًا بعد أن كان مقعدًا يصدح بجمل الأذان: الله أكبر، الله أكبر" ثم مات!". فاللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها، وتوفنا على عملٍ صالحٍ.

(3) أنواع من الأعمال الصالحة لختام الأعمال في شعبان(1):

- الصيام خير ختام للأعمال: "فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"، "وسبق التنبيه على ذلك في الخطبة السابقة".

- قراءة القرآن: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُول: الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- التسبيح والذكر: قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قالَ: "أَوَليسَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً ... ) (رواه مسلم).

- المشي إلى المساجد: قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ)، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إلى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ) (رواه مسلم).

- إزالة الأذى عن الطريق: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم).

- الكلمة الطيبة والبسمة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) (متفق عليه)، وقال: (لا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) (رواه مسلم).

- الامتناع عن الحرام: عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟، قَالَ: (كُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ) (متفق عليه).

خاتمة: التذكير بفضل ليلة النصف من شعبان:

- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَطْلُعُ اللَّهُ إلى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) (رواه ابن ماجه، والطبراني، وابن حبان، وصححه الألباني).

فاللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها، وتقبَّل صالح أعمالنا، وتجاوز عن سيئاتنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فقد يقول البعض: قد حرمتُ من الصيام لمرض أو لضعفي، فنقول: قد بقيتْ لك الأعمال الصالحة بأنواعها؛ فليكن شعارك في هذه الأيام: " فأحب أن يرفع عملي وأنا على عمل صالح".