الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 13 فبراير 2022 - 12 رجب 1443هـ

مصر في قلوبهم!

كتبه/ محمد سعد الأزهري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

شعور كثير من إخواننا العرب والمسلمين بأن مصر مختلفة عن بقية العالم العربي والإسلامي أمر قد لامستُه في أسفاري، ومقابلتي للعديد من الجنسيات.

فالذي يرى مصر مِن بعيد أو مَن يزورها على فترات أو مَن يعيش فيها لبلاء ألمَّ به، فإنه يجد روحًا مختلفة في شعبها وشمسها، ومطرها وألوانها، يرى عجينة عجيبة تستطيع أن تشكِّل جزءًا كبيرًا من أعماق مَن يعيش فيها مِن المحيط إلى الخليج، بل من المشرق إلى المغرب، وذلك دون جهد كبير من أهلها.

شعب يمكنه مقاسمة اللقمة مع الملايين من الزائرين الهاربين من جحيم الحرب أو فقد الأمن، أو لضيق الرزق، وفي نفس الوقت لا يرى لنفسه فضلًا عليهم، بل يتزوج منهم ويتاجر معهم، ويتزاورون ويتحابون دون معرفة عميقة، فهم شعب يأتلف سريعًا مع غيره، ويؤثِّر كثيرًا في غيره كذلك.

وهذا لا أقوله؛ لأنني مصري ولكن لأن هذا هو مقال الكثيرين ممَّن قابلتهم في الداخل أو الخارج؛ حتى إن بعض الأوروبيين من الذين أسلموا حديثًا ثم عاشوا في مصر ولو لعدة أشهر، يتحدثون عنها حديث المحب الولهان، والذي لا تستطيع لغته العربية الضعيفة أن تسعفه في إبراز هذه المعاني الجميلة تجاه مصر!

لقد كانت مصر هي بلد الاستقبال لإخوانها من العرب وغيرهم، وكذلك قد كانت مهد الابتعاث لإخوانهم من العرب وغيرهم، وكانت هناك ملاحم في إرساليات متنوعة في: التعليم، والطب، والزراعة، والهندسة، والدين، وغيرها؛ لتعين الأجيال الجديدة في هذه الدول لكي تتقدَّم إلى الأمام.

ولقد كان الأزهر له دور كبير في تعميق الصلة بين مصر وبين هذه الدول التي وجدت شعوبها ترحابًا غير مصطنع لتواجد إخوانهم من العرب والعجم داخل مصر، بل إن تاريخ مصر المناضل ضد الحملة الصليبية لا يَخْفَى على أحدٍ، وكانت فيها منصورة، وتشهد عليها "المنصورة" إلى اليوم!

بل وشهدت مصر إبان حملات التتار البشعة والمدمرة والتي كانت تأكل الأخضر واليابس، ولا تدع حيًّا إلا ذبحته، ولا شجرًا إلا نزعته، ولا بيتًا إلا هدمته، ولكن بفضل الله كانت مصر ومَن معها على الموعد لتنكسر الموجة التتارية على عتباتها، لتظل "القاهرة" عصية على مَن يريدون قهرها وإذلالها.

مصر روح لا تنضب، وآمال لا تتراجع، ولكن قد تعيش الضيق يومًا، وتظل تصارع وتتضرع، قد يكسوها الحزن عامًا أو أعوامًا، لكنها لا تستسلم، وبالضحكات تتصنَّع!

قد يسوء حالها أو تمرض، لكنها أبدًا عن إخوانها لا تتمنَّع!

مصر قلب له نبض يسمعه الأخ البعيد، ونسيم يحتاجه الأخ القريب، وصحوة تلقي بوزنها الكبير على جسد هذا الوطن العريق.

وهناك أشياء كثيرة لا يسع مثل هذا المقال القصير لوضعها فيه، أو تضمين معانيها بداخله؛ لذا فإن بلادَ العرب وبلاد المسلمين يحبون مصر حبًّا خاصًّا، ويتمنون لها الريادة ودوام العلو والانتصار حتى ولو كان انتصارًا في أمر غير ذي بال.

إن مصر هي الشقيقة الكبرى أو الأخ الأكبر، والذين يفرحون بعلوه وانتصاره، بل ولديهم من الشعور الداخلي "كشعوب" عدم الممانعة مِن التواجد تحت قيادتها والتعلم منها، والحرص على عدم سقوطها، والغضب الشديد عند وجودها في حالة ضعف أو احتياج.

إنهم يحبونها قوية لتحتويهم، ويحبونها فتية لتدافع عنهم، ويحبونها منصورة ليرفعوا بها رؤوسهم، وكذلك هم يحبونها على أي وضع كان، ولكن يشعرون بالضعف والأسى والحزن عندما يلمّ بها التعب والإرهاق.

قد لا يدرك ما أقوله شباب اليوم أو شباب الأمس القريب من أهل مصر، ولكن اسألوا أهل الحجاز، وأهل اليمن، وأهل الخليج، وأهل الشام، وأهل المغرب العربي، وأهل الجنوب من السودان عن بلدكم كيف كانت؟!

وأين هي من القلب الآن؟!

بل اسألوا الأفارقة، والماليزيين، والإندونيسيين، وأهل تايلند، وجنوب الفلبين، ممَّن عاشوا تحت منصة الأزهر عدد سنين؟!

اسألوهم وسيخبرونكم بما يسركم، وهذا لا يمنع أن يكون فينا مِن السوء ما فينا، ولكن جينات الخلطة العجيبة يعرفها الأغراب أكثر مما يعرفها الملتصق بالأوطان!

وأعوذ بالله أن أكون داعيًا إلى إعلاء وطن وتقزيم آخر، بل هذه مشاعر غلبتني عندما رأيت حب الناس لمصر فأحببتُ أن أبُثها إليكم، فالمحب يرى ما يحب بلغة الود والحُسن، لا بلغة البغض والكُره، حتى ولو كانت بلدي بعيدة نوعًا عن هذا القرب من المُحب.

وأسأل ربي سبحانه وتعالى أن يجمعنا على ما يحبه ويرضاه، فنحن شعوب لها دين واحد، وجنس واحد، ولغة واحدة، ومنطقة جغرافية متلاصقة، ولا ينقصنا من اجتماعنا إلا إرادة قوية، وعزيمة صلبة، ومناهضة الغرب حتى نصير بعيدًا عن ضغوط مَن كان يومًا بجيشه محتلًا، وهو الآن بنظامه العالمي مختل يرفع راية التغريب؛ حتى نفقد الذوق والمعاني والحب، وبالتالي نفقد التضامن والاتحاد والائتلاف.

ولكن سيأتي هذا اليوم لا محالة، عندما نرفع راية واحدة بهذه اللغة الواحدة، وهذا الدِّين الجامع، لتستريح الأوطان من الأسلاك الشائكة، والأعلام المختلفة، والحدود المصطنعة؛ فنصبح قوة عاتية، ومستقبلًا مشرقًا لا يخشى إلا الله، فحينها ستنزوي الثعالب إلى الجحور، وتبحث الفئران عن مساكن الظلام، وتضيء الأنوار في كلِّ مكان، وتصدح الطيور والأسود والغزلان، بأنه قد حان وقت الأمن والأمان. 

ودمتم بخير وسلام وأمان.