الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 30 يناير 2022 - 27 جمادى الثانية 1443هـ

الرسائل المعلنة لفيلم: "أصحاب ولا أعز!"

كتبه/ محمد سعد الأزهري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قامت شركة نتيفلكس وهي أكبر شبكة تلفزيونية الآن في الغرب بإنتاج فيلم عربي بعض أبطاله من المصريين، ومعروف عن هذه الشبكة أنها تسعى وبكل قوة نحو فرض منظومة القِيَم الغربية المتطرفة، وعلى رأسها: "مسألة الشذوذ الجنسي".

ولذا كان لنا عِدَّة وقفات مع هذا الفيلم، وإن بدت هجومًا عنيفًا عليه؛ لأننا ندرك جيدًا أن الفيلم له ما بعده، وترك الأمر يمر هكذا بدون بيان أو تنبيه، يُعرّض قيمنا وهويتنا للخطر:

فأولًا: نحن ضد الفن الذي يخَالِف القِيَم الدينية؛ خصوصًا ما خالف مرتكزات الأخلاق والاعتقاد والمعاملات.

ثانيًا: يقولون إننا ضد الحريات والإبداع؛ لماذا يا جماعة؟!

لأنكم تحرِّمون الفن وكل شيء يخصه!

نحن لسنا ضد الفن، ولكننا ضد الفن الذي يُحل الحرام ويُحرِّم الحلال، والذي يجعل العُري مباحًا، والرقص طبيعيًّا وشرب الخمر جزءًا من الحياة، والذي يربط التدين دائمًا بالإرهاب أو المجاذيب.

ثالثاً: هذا الفيلم إنتاج منصة "نتفليكس" المعروفة بنشر الشذوذ، وهي تريد أن تُحرِّك هذا الملف داخل مصر والدول العربية، فالهدف الأكبر هو نشر فكرة "الحرية الجنسية" كمدخل لنشر أي شيء آخر؛ سواء "نسونة" القِيَم أو تبديل الأخلاق المستقرة في المنطقة؛ بسبب تدين معظم الشعوب الإسلامية، وذلك بترويج مصطلح: "الحرية" الزائفة، والذي يهوي بأبنائنا إلى السقوط داخل آتون الممارسات الجنسية المحرمة الشاذة أو السوية.

رابعًا: الفيلم يعرض لنا عِدَّة نماذج مرفوضة، بينما يقول النقاد والفنانون "نحن نعبِّر داخل الفن عن المجتمع بمكوناته المختلفة!".

النموذج الأول: فتاة في الثامنة عشر من عمرها، وبالمعنى الغربي، فهي مسئولة عن تصرفاتها وليس لأحدٍ أن يعدل سلوكها المنحرف في الحياة، ولكن كيف عرضوا هذا النموذج؟! وهل تم التعامل مع هذا النموذج بالتعديل أم بالترك أم بالتماهي والموافقة الضمنية أو الصريحة مع تصرفاتها وأفعالها؟!

في الحقيقة الفيلم عرض لنا مثالا لأب "الديوث" بالمعنى الشرعي، وهو غير مسئول من وجهة النظر التربوية، وهو المنفتح والمثالي من وجهة نظر العلمانية.

ففي مشهد واضح أنه للتوجيه المباشر، قامت الأم بفتح شنطة ابنتها فوجدت واقيًا ذكريًّا؟! فماذا فعل الأب؟! لم يلتفت إلى البنت "لأنه أب منفتح علماني"، وإنما التفت إلى الأم ولامها على تفتيش شنطة ابنتها بدون علمها!

إذًا ما هو التوجيه المباشر للفتيات وكذلك للآباء والأمهات:  

- أن العلاقة بين الوالدين والبنات اللاتي تجاوزن 18 سنة تقوم على الفصل بين الطرفين، وبالتالي ليس للأبوين أي علاقة بخصوصيات البنات؛ سواء كانت تسير على المسار الصحيح أو الخاطئ، أو حتى "الفاجر"، وأن أساس العلاقة الأبوية تقوم على "الحرية المطلقة"، والتي تنهي المشكلة عند إعطاء البنت حريتها في أن تزني، وعليها أن تتحمل المسئولية بعد ذلك!

- إذًا بعد أن استوفينا الحق التام في الخصوصية ثم الحق التام في الحرية ثم تذكير البنت بأن عليها أن تتحمل مسئوليتها في الفعل؛ فإننا بذلك أمام قِيَم غربية محضة مضادة كلية لقيم الإسلام.  

- وبناءً عليه: فإن المراد الأكبر هو بثُّ أن القِيَم الحاكمة للأسرة هي الحرية غير المسؤولة، والخصوصية ولو في الحرام، وترك الأبناء يتحملون نتيجة أفعالهم، بخلاف قِيَم الإسلام والتي تحرص على إيجاد مساحات للحرية المسئولة والنصح والتذكير، وكذلك إنكار المنكرات ومنعها باليد عند القدرة وباللسان مع الحكمة، وبالقلب عند العجز، ولا يقولون للأولاد: سنحملكم مسؤولية الزنا، بل سنمنعكم منه على قدر استطاعتنا، وذلك بتعليمكم وتربيتكم على الحلال والحرام من صغركم، ونعرفكم بأن الزنا فاحشة، والخمر كبيرة، والعري رذيلة، والعلاقات الشاذة جريمة، والخيانات الزوجية من الأفعال البغيضة، وأن قلة الأدب والسفالة والانحطاط اللفظي شر حتى بالإشارة، مخالف لقيم الإسلام؛ حينها لن يصل أبناؤنا إلى أن نجد في حقائبهم الواقي الذكري! لأن التحصين الذي نالوه يحميهم مِن هذا المنكر البغيض، وحتى إذا فعلت إحداهن ذلك مِن وراء الأسرة، فقد قامت الأسرة بما عليها، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

إذًا الخطورة تكمن في تمرير القيم العلمانية، والتي لا تعترف لا بإله ولا بدين ولا بأخلاق، ومرتكزاتها الحقيقية تقوم على نبذ أي شيء مقدس أو نبذ احتكام الأفراد إلى الدين والأخلاق القويمة، والتي أصلها من الدين كذلك.

النموذج الثاني: الخيانة الزوجية:

عرض الفيلم نموذجًا يراه هو أنه النموذج الحقيقي والموجود بين الناس، فلو وجدت أي مجموعة في أي مكان تركت هاتفها مباحًا للباقين؛ فسترى أن الجميع خائنون سواء كانوا رجالاً أو نساءً، يعني هذا هو الطبيعي، وعدم وجود الخيانة هو الاستثناء، بل ذكروا في الفيلم أن أحد الأزواج على علاقة بزوجة صديقه! وآخر على علاقة بسيدة مُسِنَّة وترسل إليه صورها العارية!

وبالنسبة للسيدات فحدِّث ولا حرج عن خيانة إحداهما بالحديث مع شاب على الإنترنت، وكل مرة يسألها عن ملابسها الداخلية! وأخرى تتواصل مع حبيبها السابق ويعرض عليها الزنى!

المقصود من هذا النموذج هو: إرسال رسالة واضحة المعالم إلى الأسرة أن هذا شيء عادي بيننا، وعلينا ألا نخفيه، وهو مقبول لنكون أكثر انفتاحًا! وقد ظهر في الفيلم أن الأزواج يقبلون هذه الخيانات من الزوجات، وفي نفس الوقت تقبل الزوجات خيانة الأزواج.

فهل رسائل الفن المزعوم أن نتقبل هذا الخزي والعار بدعوى الانفتاح والتمدن؟!

هل رأيت أي رسائل تجرم ذلك وتعتبره محرم شرعاً؟!

هل الفن حيادي تجاه قضايا المجتمع؟!

والحقيقة: أن هذا كذب واحتيال، فالفن ليس حياديًّا، بل رسائله الواضحة في هذا الفيلم وغيره تعبِّر عن خطواته المتسارعة في فرض النمط الغربي في المظهر والجوهر، ولفظ ونبذ كل ما يعبِّر عن القِيَم الإسلامية؛ لأن وجودها معناه هدم كل ما هم عليه من تبرج وعُري، وخمر وفحش، وتغرير الفتيات، وتغريب المجتمعات، وسلخ الأمة من النصوص المقيدة للانطلاق إلى الفجر والزنا والشذوذ.

النموذج الثالث: وهو لب الموضوع وأس الفساد والانحلال، رجل يجلس وحيدًا دون زوجة، بخلاف باقي أصحابه الجلوس معه حول المنضدة هم وزوجاتهم، وهذا الرجل جاء منفردًا ويصرِّح لهم أنه شاذ جنسيًّا أو "مثلي" -كما يقولون!-؟!

فيقوم الأب المنفتح والمتمدن "الذي سمح لابنته بالزنا" بدعمه ومعه كل الحضور، بل عرض عليه أن يعرفهم بالشخص الذي يمارس معه الشذوذ؟! والمقصود طبعًا من هذا المشهد التسامح مع هذه الفئة الشاذة الجنسية، وتقبلهم والاعتراف بهم، ودعمهم!

فهذه هي الرسالة الفنية المحترمة على رأي نقيب الممثلين "رسالة معبِّرة عن التسامح والتقبل والاعتراف ودعم الشواذ!".

يا أيها الناس ... هل هناك أوضح من ذلك في أن الفيلم يريد تطبيع العلاقات مع الشواذ؟!

ويريد أن يدعم المحرَّم المقطوع بحرمته؟!

ويريد أن نتقبل وجود هذه القذارة بيننا؟!

هل قال أحد الممثلين: لماذا تفعل هذا الفعل الآثم؟!

لماذا لم تذهب إلى أحد ليساعدك من التخلص مما أنت عليه؟!

طبعاً هذا تصور ساذج، وإياك أيها المشاهد أن تسمح لنفسك لأن تفكر هكذا مع فئة من الناس لا تريد أن يعيش المجتمع في النظافة والطهارة، والعفة والحياء!

من الطبيعي أن توجد في أي بيئة أو مجتمع بعض الأمراض؛ سواء كانت قلبية أو سلوكية، ولكن المجتمع الفاضل يتجه نحو علاج هذه الأمراض وما تبقى منها دون علاج يتم تشخيصه وعدم نشره، وتحذير الباقين منها؛ سواء بالوعظ والتزكية والتعليم وعبر رسائل متعددة ببرامج وحوارات وأفلام ومسرحيات، وغير ذلك من الوسائل، بشرط ألا يكون فيها هذا العُري والفجر؛ لأننا لا نعالج المريض بواسطة الميت!

الخلاصة: الفيلم للمسلمين.

ويريد أن يمرر للمشاهدين ويقودهم "خطوة بخطوة" لمشاهدة هذا النوع من الأفلام؛ لعِدَّة أغراض:

أولاً: إخراج القِيَم الإسلامية إلي ميدان القيم العالمية؛ فلا بد لشعوب المنطقة أن تستسلم تمامًا للعلمانية، فالحريات وحقوق الإنسان بالمفهوم العلماني يجب أن تحكم العالم، وكل مَن يقاوم ذلك فإنه سيُعد مِن المعادين للحريات والقامعين لحقوق الإنسان، وبالتالي ستتم محاربته ومحاسبته.

ثانيًا: على الشعوب العربية أن تقبل وجود "الشواذ" وأن تتسامح معهم، وأن تُفتح لهم وسائل الإعلام للتعبير عن أنفسهم ودون أي معارضة مجتمعية! وأن أي دولة أو شخص أو مؤسسة تتعرض لهم بالإنكار أو التنمر أو السخرية أو المنع؛ فإنه بذلك يعرض دولته وشعبه ونفسه للعقاب الدولي، هذا ما يراد للمنطقة وغدًا ستعلمون إن كنتم لا تنتهون!

ثالثًا: أن نُتيح للبنات اللاتي تجاوزن الثمانية عشر عامًا أن يفكروا في حرياتهم المطلقة، وعدم خضوعهم لضوابط الأسرة، فيوجهون البنات لممارسة هذه الحرية ليس في الإبداع أو في الاختبارات التعليمية الخاصة بالجامعات أو في اختيار الزوج أو العمل الذي تريد، بل تركوا كل هذه الاختيارات وقالوا للبنات من حقكم أن (تزنوا) بعد هذا السن؛ لأن هذه هي الحرية التي يجب أن تحصلوا عليها؟!

أما زلتم مقتنعين أن الفيلم جميل وظريف وطبيعي، وأن الفن رسالة سامية؟!

أم أن الفيلم يوجه رسالة مسمومة قاتلة؟!

رابعًا: الفيلم يوجِّه إلى أن أفضل الآباء هو الأب المنفتح الذي يعطي ابنته الفرصة لفعل الحرام! يعني أيها الآباء تعاملوا مع بناتكم وَفْق القِيَم الغربية، والتي تعطيها الحرية المطلقة، فلا البنت حينها أصبحت "عاهرة" من وجهة نظر العلمانية، ولا الأب أصبح "ديوثًا"!

خامسًا -وأخيرًا-: لماذا غضب الفنانون، وكل مَن يعمل بالوسط السينمائي غضبًا شديدًا تجاه الإنكار الذي قام به الغيورون من الشعب على أبطال هذا الفيلم؟!

في الحقيقة: هذا الغضب الشديد كان نتيجة لأن الجماهير بدأت في التوعد والإنكار لهذا النوع من الفن برمته، وصبَّت الجماهير غضبها على الفيلم وأبطاله، بل وصل الغضب إلى مستوى معين من المقاطعة لهم مِن بعض الجماهير، واستيقاظ بعضهم نتيجة هذا الفجر الممنهج والتزييف المستمر، فكان لزامًا عليهم الدفاع عن منهجهم وعملهم ولقمة عيشهم؛ لأنهم بدون هذه الصناعة بلا عمل وبلا مال، وبلا شهرة، وبلا زيف!

وكان الدفاع عن مصدر دخلهم، لا عن القيم ولا عن الفن، بل عن التواجد بالشكل الحالي، أن يظل شباك التذاكر حيًّا يُرزَق وإلا كان البوار!

وكذلك لأنهم لا يريدون أن تترك الممثلة أو زوجها دون دفاع، فتستمر الجماهير بصوتها العالي وزمجرتها القوية كموجٍ هادرٍ يهدم كل مَن يقف أمامه، فتسقط الممثلة وزوجها في الواقع، وبالتالي كل مَن يفكر مِن بقية الممثلين أو الممثلات بالقيام بأدوار على هذه الشاكلة سيخشى أنه سيتعرض لهذه التعرية الجماهيرية، ولن يحميهم من السقوط أحدٌ في المستقبل؛ لذا كان الدعم كبيرًا؛ لأن المسألة بالنسبة لهم حياة أو موت!

وفي النهاية: طالما هناك وعي عند الجماهير، فإن خطرَ المنحرفين سيسقط لا محالة على أعتاب المصلحين والمجتهدين في صدِّ هذا العدوان الآثم.

وأسأله سبحانه التوفيق والسداد في ذلك.