الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 19 مارس 2008 - 11 ربيع الأول 1429هـ

مولد.. صاحبه "غائب"

كتبه/ أحمد جميل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كانت بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- أكبر حدث شهدته البشرية قاطبة، كيف لا؟! وقد كان بمثابة الحجر الذي حرك مياهًا راكدة في بحيرة الفكر الإنساني آنذاك، والتي انطوت على كثير من العقائد الفاسدة، والتصورات الواهمة، جُلََّها راجع للعضِّ بالنواجذ على موروثات خربة من الآباء والأجداد، ورثتها الأجيال كابرًا عن كابر، ولسان الحال والمقال: (...إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) (الزخرف:23).

زاد من ذلك الحال المزري: إعمال العقول القاصرة في غير موضعها، والأقيسة التي يجانبها الصواب، واعتداد ذو الرأي برأيه، والانتصار لصوت الكِبر والعُجب في القلب؛ ليعلو فوق صوت الفطرة النقية، فلا غرو بعدئذ أن يكون وليد ذلك كلّه مثل تلك الممارسات والسلوكيات المأفونة، وحالة الفوضى العارمة في الأمم، وانهيار الحضارات تبعًا لذلك.

فجاءت بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لتقلب ذلك كله رأسًا على عقب، وتُحدث زلزالاً هائلاً، وتفجيرًا مُدوّيًا؛ لتصحيح الأوضاع.

وجاهد -عليه الصلاة والسلام- في الله حق جهاده، ودعا الناس لدين رب العالمين، حتى أظهره الله ودخل الناس في دين الله أفواجا، وبلَّغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته شرع ربه بهذه الصورة الكاملة، وبتلك الأمانة المطلقة، دون زيادة أو نقصان، وتكفُّل المولى -تبارك وتعالى-بحفظ الدين على أهله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9).

فوجب على أتباع الدين مزيدًا من الاتبّاع للشرع الحنيف، والاستنان بهدي النبي الشريف، دون الحاجة لدعاوى المُدّعين للعبث بالشرع بزعم مسايرة العصر أو مجاراة الواقع، حتى لو تغلّفت تلك الدعاوى بمظهر من نصرة الإسلام أو محبة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، أو حتى لو صلحت نوايا كثير ممن يقع في هذا العبث، -وكم من مريد للخير لا يبلغه-، وقد أتم لنا ربنا الشرع، وانقطع الوحي بموت النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:3).

إنّ حاجتنا اليوم لمزيد من اقتفاء آثار سلفنا الصالح وعلى رأسهم نبينا -عليه الصلاة والتسليم- لحاجة ماسّة، لاسيّما وسط هذا الجهل المطبق بأمور الدين من السواد الأعظم من الأمة، واتّخاذ الناس كتاب الله ورائهم ظهريًّا، وتباعد الزمن عن خير القرون، والانغماس حتى الآذان في حياة مادية قـُح.

وإلاّ نفعل؛ تكن رجعية حقيقية، ورٍدّة حضارية لا تقوم لنا بعدها قائمة، عن ابن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

ندلل على ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- بقصة عبادة الأصنام ومنشأها، إنها صورة فجة من الحياد عن جادةِ الطريق التي رسمها الأنبياء والمرسلين، واستحسان أمور ما أنزل الله بها من سلطان -ومن استحسن؛ فقد شرّع-، وتتبع لخطوات الشيطان -الهادئة- دون وجود أية غضاضة أو ريب من أن ذلك إرادة للخير، ومحبة الصالحين، فطوعت لهم أنفسهم بإيعاز من الشيطان -فقيه الشر- جعل رسوم وتصاوير للصالحين بعد وفاتهم؛ لتذكّّّّر القدوة والأسوة، ففرح الشيطان بذلك، وصبر عليه ولم ييأس، حتى جاء جيل بعد ذلك تخيل بذهنه المريض أن هذه الرسوم وتلك التصاوير ما جعلت إلا للتعظيم والعبادة، فعبدوها من دون الله!! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهذا ينقلنا لنقطة أخرى غاية في الأهمية وهي: خطورة "البدعة"، وعدم تهاون الشرع في التحذير منها ومحاربتها، وهي كما عرفها العلماء: "طريقة في الدين مخترعة تشبه الطريقة الشرعية، ويقصد بها التقرب لله -عز وجل-".

ولندع المثال -أيضًا- يغني عن كثير المقال، فهناك أمور مثل كثير من الأعياد والمناسبات "الدينية"، التي يحتفل بها كثير من المسلمين، المتأمل فيها يجد أن لها علاقة بأحداث مهمة فاصلة -في كثير من الأحيان- في تاريخ الإسلام، نعم، والذين يقومون بها كثير منهم –أيضًا- يظنون أن ذلك من الدين أو لا يتعارض معه، وربما يفعلونه قربة لله، لكن الإشكالية  أن ذلك -في ميزان الكتاب والسنة- أبعد ما يكون عن القربة، بل لمخالفته الصريحة لهما يكون نقمة لا نعمة، ووزرًا لا مثوبة.

عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هذَا مَا لَيْسَ فِيهِ؛ فَهُوَ رَدٌّ) (متفق عليه)، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ -وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ-: (إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فَوَاللَّهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ فَلأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي) فَيَقُولُ: (إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) (رواه مسلم)، والأدلة في هذا المعنى في الكتاب والسنة كثيرة ليس هذا مجال بسطها.

والمولد النبوي هو أشهر هذه المناسبات والأعياد التي يسميها الناس "دينية"، وقد أَُدخلت في الدين إدخالاً.

وأول من يُعزى إليه إحداث الأعياد والاحتفالات عامة والموالد خاصة هم العبيديون، -المعروفون عند العامة بـ"الفاطميين"-

فقد ذكر المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" ما نصه:

"كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي: موسم "رأس السنة"، وموسم "أول العام"، ويوم "عاشوراء"، و"مولد النبي" -صلى الله عليه وسلم-، و"مولد علي بن أبي طالب" -رضي الله عنه-، و"مولد الحسن" و"مولد الحسين" -عليهما السلام-، و"مولد فاطمة الزهراء" -عليها السلام-، ومولد "الخليفة الحاضر"، وليلة "أول رجب"، وليلة نصفه، وليلة "أول شعبان"، وليلة نصفه، وموسم "ليلة رمضان"، و"غرة رمضان"، و"سماط رمضان"، و"ليلة الختم"، وموسم "عيد الفطر"، وموسم "عيد النحر"، و"عيد الغدير"، و"كسوة الشتاء"، و"كسوة الصيف"، وموسم "فتح الخليج"، و"يوم النيروز"، و"يوم الغطاس"، و"يوم الميلاد"، و"خميس العدس"، و"أيام الركوبات".

فانظر -رحمك الله- وتبين كيف حتى خلطوا بين عيدي الحق "الفطر والأضحى" وبين أعياد مخترعة سموها: إسلامية؛ ليلبّسوا على الناس -لاسيما الجٌهّال- أمر دينهم، كـ"عاشوراء" و"المولد النبوي"، وخلطوا بينها -أيضًا- وبين أعياد مقتبسة من الكافرين: كـ"النيروز" و"الغطاس" و"الميلاد"، وكذا أعياد عند الرافضة الشيعة وأصحاب الغلو في "آل البيت" كـمولد "الحسن" و"الحسين" و"فاطمة".

وذكر الشيخ محمد بخيت المطيعي -مفتي الديار المصرية- سابقًا في كتابه "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام": "أن أول من أحدث تلك الاحتفالات بالموالد الستة -أي: مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومولد "علي" و"فاطمة" و"الحسن" و"الحسين" -رضي الله عنهم- ومولد "الخليفة الحاضر"، هو المعز لدين الله وذلك في سنة 362هـ"، وأن هذه الاحتفالات بقيت إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش بعد ذلك.

وقال "المقريزي" في "اتعاظ الحنفاء" (2/48) سنة (394): "وفي ربيع الأول أُلزم الناس بوقود القناديل بالليل في سائر الشوارع والأزقة بمصر". وقال في موضع آخر (3/99) سنة (517):

"وجرى الرسم في عمل المولد الكريم النبوي في ربيع الأول على العادة". وانظر (3/105).

وكذا قال الشيخ علي محفوظ في كتابه "الإبداع في مضار الابتداع"، والأستاذ علي فكري في "المحاضرات الفكرية" وغيرهم ذكروا أن العبيديين هم أول من أحدث هذه الأعياد والاحتفالات.

فمن هم العبيديون؟؟

قال ابن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه "البداية والنهاية": "وقد كانت مدة ملك الفاطميين مائتين وثمانين سنة وكسرًا، فصاروا كأمس الذاهب كأن لم يغنوا فيها، وكان أول من ملك منهم: "المهدي"، وكان من "سلمية" حدادًا، وكان يهوديًّا، فدخل بلاد "المغرب" وتسمى بـ"عبيد الله"، وادعى أنه شريف علوي فاطمي، وقال عن نفسه: إنه المهدي، وقد راج لهذا الدعي الكذاب ما افتراه في تلك البلاد، ووازره جماعة من الجهلة، وصارت له دولة وصولة، ثم تمكن إلى أن بنى مدينة سماها: "المهدية" نسبة إليه، وصار ملكًا مطاعًا يظهر الرفض وينطوي على الكفر المحض.

ثم كان من بعده ابنه "القائم محمد"، ثم ابنه "المنصور إسماعيل"، ثم ابنه "المعز معد"، وهو أول من دخل ديار "مصر" منهم، وبنيت له "القاهرة المعزية" والقصران، ثم ابنه "العزيز نزار"، ثم ابنه "الحاكم منصور"، ثم ابنه "الطاهر علي"، ثم ابنه "المستنصر معد"، ثم ابنه "المستعلي أحمد"، ثم ابنه "الآمر منصور"، ثم ابن عمه "الحافظ عبد المجيد"، ثم ابنه "الظافر إسماعيل"، ثم "الفائز عيسى"، ثم ابن عمه "العاضد عبد الله"، وهو آخرهم، فجملتهم أربعة عشر ملكًا ومدتهم مائتان ونيف وثمانون سنة.

وقد كان الفاطميون من أغنى الخلفاء وأكثرهم مالاً، وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام "النصرانية" و"الدرزية" والحشيشية..". اهـ. من "البداية والنهاية" باختصار.

هذا طرف من سيرتهم حتى يعلم المخالفون الذين يحيون الاحتفالات بالموالد وغيرها من هو سلفهم في هذا الأمر فيرغبون عن هديهم والتشبه بهم، فإنه من غير المعقول أن تكون هذه الأعياد المحدثة محمودة مندوبًا إليها فتقصر عنها الأمة كلها طوال القرون الفاضلة، ويسبقهم إليها أولئك "العبيديون" الضلال!!

ولإدراك خطورة البدع -أيضًا-، تأمل وصف العلماء لها بأنها بريد الكفر، يوشك أن تورد صاحبها المهالك، لذا؛ أيّدها الكافرون على مر العصور وناصروها ، واقرأ التاريخ، فهو خير شاهد.

وقد يتعجب البعض من تشجيع الغرب الكافر لإسلام البدع والخرافات كإسلام الصوفية والرافضة 

واعتباره "إسلامًا معتدلاً"، قابلاً للحوار، بل والتعاون المشترك!!

لكن العجب يزول بمعرفة أثر هذا الإسلام "المُشّوهه" في ضرب الإسلام النقي الصافي من الخلف، والخلل الكبير الذي تحدثه البدع في عقائد الناس -كما ذكرنا موجزًا-، لذا؛ رضي الكافرون -بل ورحّبوا- أن يكون أهل البدع والأهواء هم معول الهدم الداخلي في بناء الإسلام، حين تكون المواجهة سافرة بين الكفر نفسه وبين المسلمين .

فلا مانع بعد ذلك أن يحضر السفراء الأمريكان مولد "البدوي"، وأن تتعاون المؤسسات المشبوهة -ماسونية كانت أو غيرها- مع الصوفية والروافض، وذلك ليس جديدًا في سيرة هؤلاء الكافرين، بل لهم في ذلك سلف ودعنا نقتطف لمحة تاريخية سريعة للتدليل، فها هو "نابليون" -المستعمر الفرنسي- يحيي المولد ويدعمه.

واسمع إلى ما يحدثنا به المؤرخ المصري "عبد الرحمن الجبرتي" في كتابيه: "عجائب الآثار" (2/249،201)، و"مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس" (ص47)، تحدث وذكر: أن المستعمرين الفرنسيين عندما احتلوا "مصر" بقيادة "نابليون بونابرت"؛ انكمش الصوفية وأصحاب الموالد، فقام "نابليون" وأمرهم بإحيائها ودعمها، قال في "مظهر التقديس": "وفيها -أي: سنة 1213هـ في ربيع الأول- سأل صاري العسكر عن المولد النبوي، ولماذا لم يعملوه كعادتهم؟! فاعتذر الشيخ "البكري" بتوقف الأحوال، وتعطل الأمور، وعدم المصروف، فلم يقبل وقال: "لابد من ذلك"، وأعطى الشيخ "البكـــري" ثــلاثمائـــة ريــال فرانسة يستعين بها، فعلقوا حبالاً وقناديل، واجتمع الفرنسيس يوم "المولد"، ولعبوا ودقوا طبولهم، وأحرقوا حراقة في الليل وصواريخ تصعد في الهواء ونفوطًا".

ولعل سائلاً يسأل: ما هدفهم من تأييد ودعم مثل هذه البدع وهذه الموالد؟

ندع الجواب للمؤرخ "الجبرتي" المعاصر لهم، حيث يقول في "عجائب الآثار" (2/306):

"ورخص الفرنساوية ذلك للناس؛ لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، واتباع الشهوات، والتلاهي وفعل المحرمات".

فهلاّ ظهر لمناصري "المولد" أثر هذه الأفعال على الدين، والأمة جميعًا؟!، فأين محبة الرسول من ذلك؟! وأي نصرة لدين الله تلك، التي ترضي أعداء الله، وتخذل سنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-؟! فضلاً عن ما يحدث في هذه الموالد من منكرات وفحش وتبذل، واختلاط الرجال بالنساء، وسماع للأغاني والموسيقي، بل وتضييع للصلوات، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "فالموالد أسواق الفسوق، فيها خيام للعواهر، وحانات للخمور، ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات الكاسيات العاريات، ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل يقصد بها: إضحاك الناس، وبعض هذه الموالد يكون في المقابر!! وإن خلا -أي: هذا الاحتفال- من اختلاط الرجال بالنساء، وارتكاب المحرمات، وكثرة الإسراف، فإنه لا يخلو من أعظم المنكرات، وهو: الشرك بالله، واتهام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإخلال بالتبليغ، والشريعة بالقصور والنقص، فإذا قمنا باستعراض سريع للكتب المشهورة المعتمدة؛ نجد أنها لا تخلو -أبدًا- من الخرافات والاعتقادات الفاسدة، والأحاديث الموضوعة الباطلة". اهـ.

وأخيرًا فإنّه -وبحمد الله- قد قامت "الصحوة المباركة" بإرشاد الأمة إلى مثل هذه الانحرافات، وتوضيح الحق للخلق، ولكن البعض من محبي الخير ومن المتصدرين للدعوة، ظّن جهلاً منه أو نسيانًا، أو وضعًا للأشياء في غير موضعها، وعدم استقراء السنن الكونية والشرّعية، أن الأمة بوسعها أن تنهض أو تنتصر بدون علاج مثل هذه الأمراض فيها، قافزين فوق مثل هذه المخالفات بدعوى التقريب بين المسلمين ووحدة الأمة، فوقعوا بصورة أو بأخرى في مثل هذه البدع أو ساهموا على ترسيخها ونشرها بين الناس، فنقول لهم ونهمس لهم همسة لطيفة ملؤها الحب في الله، والنصح لدينه: "إنّ الغاية لا تسوغ الوسيلة"، وكلمة التوحيد التي تجتمع عليها الأمة قبل توحيد الكلمة على غير الحق، ولن نصلح إلاّ بما صلح به سلفنا الصالحون.

فالحاصل: أن "المولد النبوي" -كحال كل بدعة- في أصله وفعله وهيئته، أبعد ما يكون عن هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

والمتغنون بحبه -عليه الصلاة والسلام-، لم يقتفوا أثره في فعلهم هذا، فكان المولد صاحبه غائبًا حقًّا عنه، لا بشخصه فقط، بل بذكره وأثره وسنته.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.