الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 20 أبريل 2020 - 27 شعبان 1441هـ

نداء من كورونا إلى عقلاء الروم

كتبه/ مصعب إبراهيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلقد أرسل الله نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعاملين، وليس للمسلمين فقط، فقال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى، والقرآن الذي أنزله الله على قلب رسوله هو المعجزة الخالدة، وهو الذي لا تفنى عجائبه.

ومِن عجائب القرآن الكريم: مطلع سورة الروم حيث قال -تعالى-: (الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ . وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:1-7).

فيا ترى ما التفسير الصحيح لهذه الآيات المباركات؟!

قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره: "كانت الفرس والروم في ذلك الوقت مِن أقوى دول الأرض، وكان بينهما من الحروب والقتال ما يكون بين الدول المتوازنة، وكانت الفرس مشركين يعبدون النار، وكانت الروم أهل الكتاب ينتسبون إلى التوراة والإنجيل، وهم أقرب إلى المسلمين من الفرس، فكان المؤمنون يحبون غلبتهم وظهورهم على الفرس، وكان مشركو قريش يحبون ظهور الفرس على الروم؛ لاشتراكهم معهم في الشرك، فظهر الفرس على الروم فغلبوهم غلبًا لم يحط بملكهم، ففرح بذلك مشركو قريش وحزن المسلمون فأخبرهم الله ووعدهم بأن الروم ستغلب الفرس... في خلال بضع سنين -والبضع من ثلاث إلى تسع سنين-، وتحقق وعد الله وفرح المسلمون بنصر الروم على الفرس وإن كان الجميع كفارًا، ولكن بعض الشر أهون من بعض، وهذا من الأمور الغيبية التي أخبر بها الله قبل وقوعها، وتحقق الوعد في زمان نزول القرآن.

ومع ذلك قال -تعالى-: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)؛ لأنهم يكذبون بوعد الله الحق؛ لأنهم انشغلوا بالعلم الدنيوي على العلم الأخروي، (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)".

وقال السعدي -رحمه الله-: "ومن العجب: أن هذا القسم مِن الناس قد بلغت منه الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا إلى أمرٍ يحير العقول ويدهش الألباب -إشارة إلى عجيب التطور والصناعات الحديثة- وأظهروا من العجائب الذرية والكهربائية، والمراكب البرية والبحرية والجوية ما فاقوا به وبرزوا، وأعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزًا عما قدرهم الله عليه، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء، وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم وأشدهم غفلة عن آخرتهم.

ومن مظاهر احتقارهم لغيرهم أنهم قالوا: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) (آل عمران:75)، ويقصدون بالأميين العرب، فاستحلوا أموالهم واحتلوا ديارهم ونهبوا ثرواتهم، والأيام دول.

وقد اشتدت وتيرة العنف ضد المسلمين في كل بقاع الأرض، خاصة في السنوات الأخيرة، ووسائل الإعلام العالمية تتناقل هذه الأخبار في كل وقتٍ وحينٍ حتى ماتت المشاعر -وكثرة المساس تميت الإحساس-، ومِن خلال هذه الهجمات العنيفة، وفي تلك الايام العصيبة ظهر وباء كورونا القاتل بأمر الله، وصار يحصد أرواح الكثيرين مِن المسلمين ومن غير المسلمين، ولكن العجيب أنه يفتك بغير المسلمين أكثر مما يفتك بالمسلمين، والإحصائيات العالمية واضحة من خلال أعداد الوفيات في أوروبا وأمريكا، ولعل العقلاء منهم يفكرون الآن في هذه الظاهرة، مع تفكر العقلاء منهم أيضًا فيما أتى به محمد -صلى الله عليه وسلم- من سبل الوقاية من الوباء، وذلك من خلال الأمر بالنظافة الشخصية وعد الاختلاط عند نزول الوباء.

وهذا الشعور دفع بعضهم إلى إقامة الأذان في بعض بلادهم، وفي بعض كنائسهم، والدعاء مع المسلمين لرفع البلاء!

فإذا أراد الله أن يمكِّن لدينه في الأرض أوجد الأسباب التي من خلالها يقبل الناس على دين الله -تعالى-، بعز عزيز أو بذل ذليل، ومَن استطاع أن يحجب ضوء الشمس فليفعل!

فلعل عقلاء الروم من أهل القارة الأوروبية والأمريكية وغيرهم أن يراجعوا أنفسهم، وأن ينظروا في أمر عاقبتهم وآخرتهم؛ خاصة بعد ما نالوا من متاع الدنيا وشهواتها وزخارفها ما نالوا.

فماذا بعد الموت؟! والموت دنا مِن ديارهم ولا يستطيعون دفعه، (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (آل عمران:168).

والله هو الهادي إلى سواء السبيل.

اللهم إنا نعوذ بك مِن زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك، يا ذا الجلال والإكرام.