الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 23 نوفمبر 2019 - 26 ربيع الأول 1441هـ

أحسنوا الظن بربكم

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد أصيب يعقوب -عليه السلام- بفقد ابنه يوسف -عليه السلام-، ومَن مثل يوسف؟!

ثم فَقَدَ ابنه الثاني بنيامين، ثم فقد ابنه الأكبر الذي رفض الرجوع بعد أخذ بنيامين، وفقد عينه، ومع كل هذه الابتلاءات يقول: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:86-87).

فما أساء الظن بالله، وما فقد رجاءه في رحمته، وما ضعف يقينه.

وأيوب -عليه السلام- استمر به المرض ثمانية عشر عامًا، وما أساء الظن بربه، وما قنط من رحمته، بل لجأ إليه -تعالى-: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأنبياء:83)، وتأمل في دعائه: (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، ولم يأتِ بغيرها من صفات الله -تعالى-.

قيل لأعرابي: "إنك تموت.

قال: ثم إلى أين؟

قالوا: إلى الله.

قال: والله، ما وجدنا الخير إلا مِن الله؛ فكيف نخاف لقاءه؟!".

ما أروعها من كلمة تكتب بماء العين لا بماء الذهب؛ تغير نظرة الإنسان للحياة، وطريقته فيها: "والله ما وجدنا الخير إلا من الله".

قال رجل لابن عباس -رضي الله عنهما-: "مَن الذي يحاسب الناس يوم القيامة؟ قال: الله. قال: نجونا ورب الكعبة".

لذا يقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: (يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) (متفق عليه)، وَقَالَ: (أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، أي: أعامله على حسب ظنه بي، وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر.

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "والذي لا إله غيره، ما أعطي عبد مؤمن شيئًا خيرًا من حسن الظن بالله -عز وجل-، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله -عز وجل- الظن إلا أعطاه الله -عز وجل- ظنه، ذلك بأن الخير في يده".

فأحسن الظن بربك عند الشدائد والكرب، والضيق والشدة، والدَّيْن، والمرض؛ أن يفرج الكرب ويقضي الدين، ويزيل الشدة، ويشفي المرض، ويجعل بعد العسر يسرًا، وليكن منك هذا الحديث على بال: (مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بموت عَاجِلٍ أَوْ غِنَى عَاجِلٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

أحسن الظن بربك في قبول التوبة وقبول الدعاء، وصلاح الأولاد والزوجة.

أحسن الظن بربك عند الموت، وهذا من أهمها؛ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: (كَيْفَ تَجِدُكَ؟) قَالَ: أَرْجُو اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني).

أحسن الظن بربك في كل موطن، وعلى أي حال، وفي كل وقت، فهذه عبادة من أجلِّ العبادات التي يتعبد بها المؤمن لله -تعالى-.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.