كتبه/ أبو بكر القاضي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن العصر الذي نحياه نشهد فيه الانفتاح الثقافي والثورة في عالم المعلومات والاتصالات حتى أصبح العالم كغرفة صغيرة، وهذا يرسخ مشهد العولمة، وإن مِن وسائل إيصال المعلومة وبناء الوعي وإنشاء الثقافة هو الأدب؛ مما يتضمن مِن أنواع: أدب الرواية، والقصة القصيرة، والمقال، والمسرح، والشعر والنثر.
ولقد كان -وما زال- الأدب سلاحًا بتَّارًا في معركة الوعي بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل في ساحة المعركة، والكلمة والقلم أدوات هذه الرؤى والعقائد والأيدولوجيات، قربت أو بُعدت عن الحق المطلق مِن الوحيين: "الكتاب والسنة".
ونحن لا نهيب بالناس بالتقوقع والتحوصل دون القراءة والاطلاع والبحث حتى نحميهم مِن الكم الهائل مِن الشبهات والشهوات والفتن التي تتسرب لهم باسم الفن والأدب والثقافة، ولكن نهيب بهم بالتحصن أولًا ثم الانفتاح والاطلاع، وتوسيع الآفاق والمدارك.
التحصن من خلال طلب العلم النافع مِن الكتاب والسُّنة مما يلزم فهمه مِن مراتب الدين الإسلامي بأركانه الخمسة، والإيمان بأركانه الستة، والإحسان بركنيه، أن نصنع شخصية إسلامية مثقفة غير مشوهة، ولا مخوخة ولا معوجة، تستقيم لها التصورات والرؤى والمفاهيم، ومِن ثَمَّ الأخلاق والسلوك والممارسات في شتى المجالات.
وفي هذا العصر تحتل الرواية في سوق الأدب والثقافة مكانة الذروة وترتفع فوق الصحافة والقراءة العلمية والفكرية وحتى الدراسة والتحقيق!
وبعض الروايات قد تكون صادقة حية حارة، بمعانيها وبأنفاس الكاتب ولغته الرشيقة ترسِّخ ما في نفسه في نفس القارئ مِن حق وباطل، وبعضها تافه سفيه مبتذل لا قيمة له إلا ترسيخ مبدأ السبهللـة، والفراغ الذهني والفكري، والإيماني والوجداني، في الحالة العدمية التي يحياها مجتمعنا مستهدفًا الشهرة والربح والانتشار فقط، على سبيل المعنى والمضمون.
ولذلك يتضح من خلال هذه السطور إجابة هذا السؤال الذي يطل برأسه في ساحتنا الثقافية اليوم وهو: هل الروايات خطوة في الثقافة، مع هذا الكم الهائل الذي يغرق الأسواق من الروايات باللغات المختلفة والمترجمة والتي تصل إلى حد الماركة المسجلة، والأعلى مبيعًا وتداولًا حتى غابت -أو كادت- القراءة المنهجية العلمية والفكرية والإيمانية؛ فضلًا عن مفهوم الثقافة الإسلامية، فضلًا عن مفهوم الثقافة أصلّا الذي هو مِن الثقف -الوجد والإدراك-، وهو يتنوع ويتفاوت ويكتسب أهميته من المثقوف والمُدرك والمعلوم؟
في هذا التحدي ينبغي أن تتضح الإجابة.
إن الرواية إذا توفرت فيها شروط الذوق اللغوي الرفيع والنحوي، والمُحتوى الهادف الذي يرسخ قيم الحق والخير والجمال والمنظور الحق للموت والحياة بآلامها وآمالها وخيرها وشرها، فهي خطوة جادة للتعوُّد على القراءة وصناعة الوعي والخيال الخصب.
ولا يُكتفى بها، بل هي خطوة على الطريق لتحبيب القراءة للنفوس، وهي شرعًا لا حرج فيها مِن باب ضرب الأمثال (كتاب التمثيل للشيخ بكر أبو زيد).
فإذا غابت اللغة وأصبحت لغة مبتذلة وعامية، والفحوى ما بين العدمية وما بين الانحلال والانحراف والشبهات والشهوات، فلا شك أنها ليست خطوة على مضمار الثقافة، بل تصبح أداة للتسفيه والتجهيل والتغييب عن قضايا الأمة ونصرة الحق والإغراقات في حالة عدمية، وفراغ ثقافي وإيماني، وغفلة عن مخططات الأعداء الداخلية والخارجية في شكل كتاب وورق فاخر وأغلفة جذابة.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.