كتبه/ أحمد حمدي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد أصبحت حلقات مسلسل قيامة أرطغرل التركي محل اهتمام ومشاهدة مِن كثيرٍ مِن الملايين يضيعون مئات الساعات أمام الفضائيات والقنوات مِن شبابٍ ورجالٍ ونساءٍ، بحثًا عن بطولة ونشوة وإحساس بالنصر، والخروج مِن حالة الإحباط والياس والواقع الذي يعيشه حتى أصبحت موسيقى المسلسل نغمة الموبايل للآلاف مِن الناس، فهل هناك غزو فكري يهدد عقول شبابنا مِن خلال بعض الأعمال الفنية والإعلامية؟!
لذلك كانت هذه الكلمات القصيرة في هذا المقال؛ لبيان بعض الأخطاء والمخالفات التي تبث كالسموم مِن خلال هذا المسلسل:
أولًا: تضخيم صورة وأثر ابن عربي، وهو محمد بن علي الحاتمي الطائي المرسي، وُلد بالأندلس سنة 560هـ وتوفي سنة 638هـ، صاحب كتاب الفتوحات المكية وفصوص الحكم، الكبريت الأحمر والشيخ الأكبر مِن رموز الصوفية الفلسفية الغلاة؛ فابن عربي مِن أئمة الزيغ والضلال، وله كلمات وعبارات كفرية، منها: حكمه بإيمان فرعون، والقائل بوحدة الوجود الكفرية التي لا ترى فرقًا بيْن الخالق والمخلوق، بل كل موجود هو الخالق حتى الخنزير، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا!
فكان يقول: "ما في الوجود إلا الله! - وإن الله عين الكون!"؛ ولذللك أنكر على نوح -عليه السلام- إنكاره على قومه عبادة الأصنام، فيقول ابن عربي بأنهم ما عبدوا إلا الله -تعالى- في هذه الأصنام، وأنكر أيضًا على موسى -عليه السلام- إنكاره على قومه لعبادة العجل بقوله: " بنو إسرائيل لما عبدوا العجل ما عبدوا إلا الله -تعالى-!"، ومِن أشعاره:
الـرب عــبـد والــعـبـد رب يا ليت شعري مَن المكلف
إن قـلـت عــبـد فــذاك رب أو قـلـت رب أنـى يـكـلـف
وقوله:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله الا راهب في كـنيسة
كما أنه يدعي في فصوص الحكم بأن الله -تعالى- عنده صفات نقص وذم، -تعالى- الله عما يقول علوًّا كبيرًا!
وغير ذلك مِن الخرافات والخزعبلات والتأويلات الباطنية للقرآن.
قال عنه ابن دقيق العيد: "سألتُ شيخنا سلطان العلماء عز الدين أبا محمد عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي عن ابن عربي، قال: شيخ سوء كذاب يقول بقدم العالم، ولا يحرِّم فرجًا!".
وقد ألَّف ابن جماعة البقاعي مؤلفًا في تكفير ابن عربي سماه: "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي".
وقال الذهبي: "وممَن أفتى بأن كتابه الفصوص فيه الكفر الأكبر: قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وقاضي القضاة سعد الدين مسعود الحارثي".
وبعد هذا يتم تصويره في هذا المسلسل بأنه الولي الحكيم الملهم، صاحب الكرامات، والشيخ الكبير الذي له التأثير الأكبر على أرطغرل في حين أن ابن عربي هذا لم يلتقِ بأرطغرل، ولكن المسلسل صوَّر أن ابن عربي عنده 70 عامًّا وأرطغرل شاب عنده ثلاثون عامًّا، مع أن الفارق التاريخي بينهم الحقيقي لا يتعدى عشر سنوات.
ملحوظة: ابن عربي الصوفي الفلسفي غير أبي بكر بن العربي المالكي العالم المشهور في الأندلس، والمفسر الكبير.
وهذا السيناريو يرجع إلى الصوفية التي نخرت في جسد الدولة العثمانية وأدت إلى سقوطها، فعبد الحميد الثاني آخر خلفاء الدولة العثمانية بعد خلعه مِن الخلافة راسل شيخ الصوفية محمود أبو الشامات شيخ الطريقة الشاذلية في دمشق بعبارات شركية وألفاظ بدعية، ونصها: "يا هو... بسم الله الرحمن الرحيم، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول رب العالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين... أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العلية الشاذلية إلى مفيض الروح والحياة، إلى شيخ أهل عصره إلى الشيخ محمود أفندي أبا الشامات سيدي، إني بتوفيق الله -تعالى- مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلًا ونهارًا... ".
وأردوغان صوفي نقشبندي يريد إحياء تراث جلال الدين الرومي صاحب المثنوي المشهور بالفارسية مِن مشاهير الصوفية الذين سلكوا طريق محيي الدين بن عربي الصوفي في القول بوحدة الوجود، والحلول والاتحاد، وهي مِن الأصول الإلحادية التي قال بها مَن قال مِن ضُلَّال الصوفية، وهذا ضمن الدعم العالمي الغربي لإحياء الصوفية والموالد، والبدع والخرافات، وكذلك إحياء الإمارات لتراث الحلاج المقتول زنديقًا عام 309 هـ، القائل بالحلولية، فقد كان يقول: "لا إله إلا الله، ما في الجبة إلا الله!" -والعياذ بالله-.
ثانيًا: تضخيم أرطغرل نفسه مع أن كتب التاريخ لم تكتب عنه إلا ثلاثة اسطر مع وجود أبطال وقادة أعظم أثرًا منه عشرات المرات مِن الصحابة وغيرهم أمثال خالد بن الوليد، والمثنى بن حارثة والقعقاع بن عمرو والزبير بن العوام وعقبة بن نافع فاتح إفريقية، وطارق بن زياد وموسى بن نصير فاتح الأندلس، وقتيبة بن مسلم فاتح الهند والسند لحدود الصين، ويوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين وقائد معركة الزلاقة، والناصر صلاح الدين صاحب موقعة حطين، وسيف الدين قطز صاحب معركة عين جالوت والانتصار على التتار، وألب ارسلان صاحب ملاذ كرد ودولة السلاجقة، ومحمد الفاتح الثاني فاتح القسطنطينية.
ثالثًا: لا ذكر للخلافة العباسية مع تصويرهم للدولة الأيوبية في هذا الوقت على أنها دولة ضعيفة وتضخيم القومية التركية والانتساب والانتماء إليها، وإحياء نعرات الجاهلية؛ فهذا ينتسب إلى الأكراد، وهذا ينتسب إلى الفرس، وهذا ينتسب إلى العروبة.
رابعًا: ينسب الترك لأنفسهم بأنهم هم الذين صدوا حملات الصليبيين، وحملات التتار مع أن الدولة الأيوبية السُّنة هم الذين تصدوا لذلك، كما ذكرت كتب التاريخ.
خامسًا: تصوير القاضي ابن شداد قاضي حلب السني بصورة الرجل المرتشي الذي يبيع دينه بعرضٍ مِن الدنيا، وهذا الرجل اجتمعت الألسن على مدحه كما ذكر ذلك الإمام الذهبي.
سادسًا: وجود مخالفات شرعية ومنكرات مِن تبرجٍ للنساء والموسيقى المحرمة والاختلاط.
سابعًا: تضييع مئات الساعات مِن الأوقات مِن غير فائدةٍ وتضييع الواجبات الشرعية، وأوراد القرآن والأذكار، والصلوات، والقيام والدعاء، وطلب العلم، والدعوة إلى الله، والقراءة النافعة.
ثامنًا: الخلاف الشرعي في حكم التمثيل؛ فمِن العلماء مَن يحرِّم المحاكاة والتمثيل مطلقًا خاصة مع تمثيل دور الشيطان أو الكفار، أو تجسيد الأنبياء والرسل والصحابة؛ علاوة على ما يحتويه مِن المخالفات الشرعية مِن الاختلاط والغناء، والعري والتبرج، والحب والعشق والغرام، ومِن العلماء مَن أجازه بضوابطَ وشروطٍ.