الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 19 أكتوبر 2017 - 29 محرم 1439هـ

امضِ ولا تلتفت (2)

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ربَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- الجيل الفريد الأول، تربية مباشرة، فكان يربيهم واحدًا واحدًا، ويتابعهم واحدًا واحدًا، ويصلح أخطاءهم، ويلحظ تصرفاتهم؛ ليقيمهم على الصراط الصحيح، ويخرج النماذج الإيمانية الفريدة.

وهذه التربية المباشرة "والتي نسميها بمصطلح العصر: الدعوة الفردية" لها أكبر الأثر على الفرد والأمة؛ فكلما كان اتصال المربي بمَن يربيه أكثر كلما كانت التربية أعمق أثرًا وأعظم نفعًا -بإذن الله تعالى-، ونلحظ هذا المَعْلم فيمن كانوا أقرب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن الصحابة.

ولا ينكر أحدٌ أهمية الدعوة الجماهيرية أو العامة، مِن دروسٍ وخطبٍ، ومحاضراتٍ وندوات، ومقالات، ولكن للدعوة الفردية الأثر الأعمق في المسلم؛ فيُغرس فيه العلم والإيمان والطاعة مسألة مسألة، وتصحح عيوب نفسه عيبًا عيبًا، وتصلح نفسيته؛ فلا نرى العقد النفسية والسلوكية والأخلاقية التي عند البعض.

وقد لا يكون لبعض الدعاة والمربين القدرة على الدعوة الجماهيرية في كل وقت؛ لكن الدعوة الفردية وتربية النماذج الصالحة لا يحال بيْن الداعية وبينها في الأعم الأغلب، فقد تكون مِن خلال أبنائه أو أهله وذويه، ولها مِن الطرق الكثير.

وفي قصة "بقي بن مخلد" الأندلسي مع الإمام "أحمد بن حنبل" -رحمهما الله- أيام المحنة عظة وعبرة؛ فقد أخذ بقيٌ مِن الإمام أحمد نحو ثلاثمائة حديث وهو في زي السُّؤال، حين مُنع الإمام أحمد -رحمه الله- مِن التحديث، وكان رهن الإقامة الجبرية (انظر على سبيل المثال: سير أعلام النبلاء 12/ 291).

والذي يحمل همَّ الدين لا يقف عند نوعٍ مِن خدمة الدين والعمل له، فإذا حيل بينه وبيْن نوع مِن العمل للدين انصرف إلى نوع آخر، بل في زمن المبتكرات واختراع الجديد وثورة الاتصالات يبتكر طرقًا جديدة وأنواعًا مِن خدمة الدين ينصر فيها دعوته، ولا يقف عند علم أو رسم معين، أو طرق تقليدية لا يتجاوزها، طالما ليس في ذلك ما يخالف الشرع أو يسيء إلى دعوته، فمجالات العمل للدين كثيرة، فاجعل لنفسك دورًا، واسأل أهل العلم والدعاة إن كنت عاجزًا عن معرفة دور لك.

واحذر الكسل والعجز والخمول والإحباط؛ فدين الله منتصر مهما كانت العوائق، وصرْح الإسلام قائم مهما كانت العواصف، لكن المهم مَن يكون له شرف المشاركة في نصرة الدين!

وصلى الله وسلم وبارك على محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.