الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 29 أغسطس 2017 - 7 ذو الحجة 1438هـ

وابل الخير والرحمات في الأيام العشر المعلومات

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن رحمة الله -تعالى- بعباده المؤمنين أن جعل الله لهم متنفسًا وتسلية حيث عجزوا عن الوصول إلى بيته الحرام؛ فجعل أيام العشر مِن ذي الحجة موسمًا عظيمًا للطاعة ينالون فيه عظيم الأجر، ويستشعرون أنس القرب مِن الله -تعالى-؛ فإنهم وإن لم يسيروا إلى البيت الحرام بأبدانهم؛ فقد ساروا إليه بقلوبهم وأرواحهم.

- وجعل لهم -عز وجل- في هذا الموسم مِن الأعمال ما يشابهون فيه مَن حج إلى البيت الحرام، ويشاركون فيه الحجيج بعض أعمالهم: فبينما الحجاج تعج أصواتهم بالتلبية؛ فإن أهل الإسلام مِن عامة الأمصار تعج أصواتهم بالتكبير والتهليل والتحميد، وبينما الحجاج يعدون الهدي ويتركون في إحرامهم أخذ الشعور والأظفار؛ فإن مَن دخل عليه العشر وأراد أن يضحي؛ فإنه لا يأخذ مِن شعره وبشرته وأظفاره شيئًا حتى يضحي. 

- قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "لما كان الله -سبحانه وتعالى- قد وضع في نفوس المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته في كل عام؛ فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بيْن السائرين والقاعدين، فمَن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل مِن الجهاد الذي هو أفضل مِن الحج" (لطائف المعارف).

- وقد أقسم -سبحانه وتعالى- بها في القرآن الكريم، فقال: (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:1-2)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيا أَيَّامُ العَشْرِ) (رواه البزار، وصححه الألباني).

- وقال -تعالى-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) (الحج:28). قال ابن عباس -رضي الله عنهما: "الأيام المعلومات: أيام العشر".

- وجعل -عز وجل- العمل الصالح في هذه الأيام العشر أحب إليه مِن سائر الأيام، بل أحب مِن الجهاد في سبيل الله: فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ) يَعْنِى: أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: (وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

- قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "هذا الحديث نص في أن العمل المفضول يصير فاضلًا إذا وقع في زمان فاضل، حتى يصير أفضل مِن غيره مِن الأعمال الفاضلة؛ لفضل زمانه، وفي أن العمل في عشر ذي الحجة أفضل مِن جميع الأعمال الفاضلة في غيره، ولا يستثنى مِن ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، وهو أن يخرج الرجل بنفسه وماله، ثم لا يرجع منهما بشيءٍ" (فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب).

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "واستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلًا ونهارًا، أفضل مِن جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله" (الفتاوى الكبرى).

وإنما كانت هذه الأيام العشر بهذه المثابة والمنزلة؛ لأنها أيام مباركة جامعة لأنواع العبادات "بل أمهاتها":

- قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج".

فأيام كهذا كيف يزهد فيها عاقل أو يغفل عنها غافل؟!

- فيا مَن قصَّر فيما سلف وفات؛ فدونك هذه الأيام المباركات التي هي أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، بل إن أيامها أفضل مِن أيام رمضان!

فجدير بمَن رام المغفرة والعفو مِن الله أن يجتهد في هذه الأيام غاية الاجتهاد؛ فهي فرصة قد لا تواتيه بعد ذلك، وأوقاتها لا تقاس بالساعات فحسب، بل بالدقائق والثواني، فكل لحظة مِن أيامها ولياليها ثمينة غالية لا تقدر بثمن.

فعليك أن تعمِّرها بالصلاة وتلاوة القرآن، والذكر والاستغفار، والدعاء، والتهليل والتكبير والتحميد، والصدقة، والصيام، وصلة الأرحام.

نسأل الله -تعالى- أن يوفقنا فيها إلى ما يحبه ويرضاه.