الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 06 أغسطس 2017 - 14 ذو القعدة 1438هـ

شهر ذي القعدة

كتبه/ أحمد حمدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فشهر "ذي القعدة" أحد أشهر الحج، وكذلك أحد الأشهر الحرم الأربعة، قال الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) (البقرة:197)، (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) (التوبة:36)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) (متفق عليه).

وهو المعني في قوله -تعالى-: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (الأعراف:142). فالثلاثون ليلة هي: شهر ذي القعدة، والعشر هي: العشر الأول مِن ذي الحجة، وقد كان بعض الصحابة كعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يصوم الأشهر الحرم، وورد في الأثر -وإن كان به ضعف-: "صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ".

وتتأكد الطاعات والسنن في هذه الأيام، وكذلك يغلظ ويفحش الذنب ويعظم عند الله في هذه الأيام، فالله -عز وجل- نهى عن الظلم فيها خصوصًا، قال الله -تعالى-: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:36)، فينبغي تجديد التوبة، وترك الذنوب والمعاصي، ومراعاة حرمة الزمان، قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).

- وشهر "ذي القعدة" حدثتْ فيه غزوة "بني قريظة" في العام الخامس مِن الهجرة عقب غزوة "الأحزاب" مباشرة؛ بسبب خيانة اليهود ونقضهم العهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100)، فقتلتْ مقاتلتهم وكانوا قرابة ستمائة، وسبيت نساؤهم وذراريهم، وغنمت أموالهم.

- وحدث في هذا الشهر "حصار الطائف" في العام الثامن مِن الهجرة؛ فلما استعصت على النبي -صلى الله عليه وسلم- شهرًا؛ ضربهم بالمنجنيق، وهو ما يعم به الهلاك -فلا يقصد النساء والصبيان-، وكذلك لا يمكن التمييز بينهم وبيْن الرجال المحاربين.

- وكذلك حدث في هذا الشهر "صلح الحديبية" في العام السادس مِن الهجرة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قادم للعمرة مع 1400 مِن الصحابة، فأرسل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لقريشٍ، فشاع خبر مقتل عثمان؛ فبايعه 1400 تحت الشجرة على الموت، وسميتْ "بيعة الرضوان"، ونزل فيها "سورة الفتح"، ثم تبيَّن عدم مقتل عثمان؛ فراسلت قريش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكرز بن حفص، وعروة بن مسعود، وسهيل بن عمرو.

وحدثتْ مفاوضات على أن يتم الصلح عشر سنين، ويتحلل النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن إحرامه هذا العام، ويرجع ويعود لعمرة القضية في العام القادم، وتم التوافق على بعض الشروط الجائرة؛ منها: مَن أتى مِن قريشٍ مسلمًا يرده النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فرد النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا جندل وأبا بصير.

ولهذا الصلح فوائد ودروس عظيمة ذكرها ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "زاد المعاد"، وهو درس عظيم في السياسة الشرعية، وفقه المآلات، والمصالح والمفاسد، وبُعد النظر، وعدم الانجرار وراء العاطفة، والتسرع، وأحكام كثيرة في المعاهدات والاتفاقيات.