الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 02 أغسطس 2017 - 10 ذو القعدة 1438هـ

أسباب حسن الخاتمة (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- الإشارة إلى المقال السابق: "علامات حسن الخاتمة "، وأن هذه العلامات لها أسباب تؤدي إليها، وهي ما نتناوله اليوم بإذن الله -تعالى-.

- الصالحون مشغولون بخاتمتهم وتحصيل أسبابها: كان مِن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، ثَبِّتْنِي بِهِ حَتَّى أَلْقَاكَ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني)، وكان -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ مِن فتنة المحيا والممات.

- أسباب حسن الخاتمة حاصلة لمن حرص عليها ووفقه الله إليها: قال الله -تعالى-: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم:27).

مِن علامات حسن الخاتمة:

(1) الاستقامة:

- الاستقامة أعظم كرامة، وسبب عظيم في حسن الخاتمة: قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأحقاف:13)، ولما سُئل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن الاستقامة، قال: "أن تستقيم على الأمر والنهي، وألا تروغ روغان الثعالب!".

- أهل الاستقامة هم الذين يوفقون للخاتمة الحسنة: ذكر الإمام الذهبي -رحمه الله- في السِّير: "لما حضر أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب -رضي الله عنه- قال: لا تبكوا عليَّ؛ فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمتُ!".

(2) التقوى:

- لعظيم أمر التقوى، وأنها سبب النجاة، أمر الله بلزومها حتى الموت بما يدل على أنها مِن علامات حسن الخاتمة: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران:102).

- سكرات الموت وشدته ضيق يفرجه التقوى: قال الله -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) (الطلاق:2)، وقال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق:4).

(3) حسن الظن بالله -تعالى-:

- ويتأكد ذلك عند الإقبال على الموت أو اشتداد المرض: عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبْل موته بثلاث يقول: (لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ) (رواه مسلم)، وعن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي المَوْتِ، فَقَالَ: (كَيْفَ تَجِدُكَ؟)، قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ) (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وحسنه الألباني).

(4) الصدق:

- أمر الله به وملازمته حتى الممات: فقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119).

- الصدق سبب في حسن الخاتمة وطيب المآل: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: عَمِّيَ الَّذِي سُمِّيتُ بِهِ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا-، قَالَ: فَشَقَّ عَلَيْهِ، قَالَ: أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُيِّبْتُ عَنْهُ، وَإِنْ أَرَانِيَ اللهُ مَشْهَدًا فِيمَا بَعْدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَرَانِي اللهُ مَا أَصْنَعُ، فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا، فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ، فَاسْتَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَيْنَ؟ فَقَالَ: وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ، فَقَالَتْ أُخْتُهُ -عَمَّتِيَ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ- فَمَا عَرَفْتُ أَخِي إِلَّا بِبَنَانِهِ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب:23)، فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ" (رواه مسلم).

- بالصدق تنال الخاتمة التي ترجو: عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِي -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَآمَنَ بِهِ، وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ، فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ، غَنِمَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْيًا، فَقَسَمَ، وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهَ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ، دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخَذَهُ، فَجَاءَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فقَالَ: (قَسَمْتُهُ لَكَ)، قَال: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِ اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ، قَالَ: (إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ، يَصْدُقْكَ)، فَلَبِثُوا قَلِيلا، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحْمَلُ، قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أهُوَ هُوَ؟!)، فَقَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: (صَدَقَ اللَّهَ، فَصَدَّقَهُ)، ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَدَّمَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلاتِهِ عَلَيْهِ: (اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ، خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ عَلَيْهِ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

(5) التوبة:

- أمر الله بالتوبة على الدوام ليكون عليها حسن الختام: قال الله -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31).

- مَن خُتم عمره تائبًا نجا، ولو عمل ما عمل قبْل ذلك: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لاَ، فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا، فَأَدْرَكَهُ المَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ العَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ) (متفق عليه).

وفي حديث ماعز الأسلمي -رضي الله عنه- لما جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تائبًا مِن الزنا، وقال: "يَا رَسُولَ اللهِ، طَهِّرْنِي"، وفي الحديث: (لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ) (متفق عليه).

(6) الحذر مِن أسباب سوء الخاتمة:

مِن أعظمها: "فساد العقيدة - محاربة السُّنة واتباع البدعة - النفاق - إلف المعصية والإصرار عليها - حب الدنيا - تعلق القلب بغير الله - التسويف بالتوبة".

وسنذكرها في حديثٍ قادمٍ -إن شاء الله-.

نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حُسن الخاتمة.