الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 09 أكتوبر 2025 - 17 ربيع الثاني 1447هـ

الوصايا النبوية (37) الوصية بآداب الحضور إلى الصلاة (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه-، قال: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: (مَا شَأْنُكُمْ؟) قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: (فَلَا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) (رواه البخاري، ومسلم).

مجمل الوصية:

لَمَّا كانت الصَّلاة لقاءً بين العبد وربِّه، ناسب ذلك أن يستعدَّ العبد لهذا اللقاء، ويتأدَّب بالأدب اللازم مع الله -سبحانه وتعالى- عند الإتيان إلى الصَّلاة، فإنَّه -صلى الله عليه وسلم- أرشدَهم إلى ما يلزمهم مِن السكينة والوقار عند قدومهم إلى الصَّلاة، وأمرهم بالهدوء والتأنِّي، والحكمة في ذلك ما نبَّه عليه -صلى الله عليه وسلم- كما وقع عند مسلم: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) (رواه مسلم: 603). وقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أمَّته إلى كثيرٍ مِن آداب الحضور إلى الصَّلاة، منها ما في هذا الحديث، وهو: الحث على السكينة والوقار عند الإتيان إلى الصَّلاة، وهي فرصة لذكر بقية آداب الحضور إلى الصَّلاة.

الخروج على أحسن هيئة:

فينبغي للمصلي أن يلبس عند مناجاة ربِّه أحسن ثيابه في صلواته من غير تفريق بين صلاة ليليَّة أو نهاريَّة، صلاة فجر أو غيرها؛ لقوله -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف: 31).

قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "إن أهل العلم يستحبون للواحد المطيق على الثياب أن ‌يتجمل ‌في ‌صلاته ‌ما ‌استطاع ‌من ‌ثيابه ‌وطيبه ‌وسواكه" (التمهيد).

وأما الذين يأتون إلى المسجد في هيئة رثة، ورائحة كريهة، وثياب المهنة، ورداء العمل، وملابس النوم؛ فلا شك أن هؤلاء لم يكلِّفوا أنفسهم الاعتناء بأخذ الأدب اللازم في بيوت الله -تعالى-، وهم قد خالفوا قول الله: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، فيتأذَّى المصلون بالرائحة، وتزكم الأنوف بالنتن والعرق، ولو أن الإنسان أراد مقابلة شخص له جاه دنيوي لم يأتِ بهذه الملابس، بل إنه يرتدي أحسن ثيابه، ويتطيَّب بأحسن ما يجد، فكيف يهتم بالوقوف أمام المخلوق، ولا يهتم بالوقوف أمام الخالق!

التبكير بالحضور:

وذلك بانتظار إقامة الصَّلاة، والاشتغال بالذكر والنوافل في المسجد: قال -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (آل عمران: 133)، وقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (المؤمنون: 61). وقد كان السلف -رحمهم الله- يهتمون بذلك جدًّا، وكانوا يشتاقون إلى الصَّلاة وقلوبهم متعلِّقة بالمساجد: قال عدي بن حاتم -رضي الله عنه-: "ما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا أشتاق إليها"، وقال: "ما أُقيمت الصَّلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء"، وكذلك قال سعيد بن المسيب -رحمه الله-: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد".

الدعاء عند الخروج إلى الصَّلاة:

يستفتح خطواته إلى المسجد بالدعاء: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصَّلاة، وهو يقول: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا) (رواه مسلم).

تقديم الرجل اليمنى عند الدخول:

وخُصَّت اليمنى بالدخول لشرفها، واليسرى بالخروج للدنيا: عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: "مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى، وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُسْرَى" (أخرجه الحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم"). وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ، فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ" (متفق عليه).

الدعاء عند دخول المسجد والخروج:

فيسأل رحمة ربِّه عند الدخول، والفضل من الدنيا عند الخروج: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ) عند الدخول، وعند الخروج: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ) (رواه مسلم). وورد أيضًا في الحديث الصحيح: (أَعُوذُ بِاللهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (رواه أبو داود بإسناد جيد).

قال العلماء: (إنما طُلبت الرحمة في الدخول وطُلب الفضل في الخروج؛ لأن المصلي إذا دخل المسجد اشتغل بما يقرِّبه إلى الله -تعالى- وإلى رضوانه وجنته؛ من: الصَّلاة والذكر والدعاء، فناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل"، قال الله -تعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (الجمعة: 10).

التقدُّم إلى الصف الأول، والقرب من الإمام:

ففي الصف الأول مزايا عظيمة(1): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا) (رواه مسلم). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ) (رواه مسلم). وينبغي لطلبة العلم والحفظة أن يتقدَّموا إلى الصف الأول قبل غيرهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) (رواه مسلم).

صلاة تحية المسجد:

من عظيم فضلها، اختلف العلماء في حكمها هل هي سنة أو واجبة؟: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) (متفق عليه).

فائدة: تُصلَّى تحية المسجد ولو كانت أثناء خطبة الجمعة، والمسجد الحرام إذا دخله للطواف كان طوافه هو التحية، وإذا دخله للصلاة كان تحيته كبقية المساجد صلاة ركعتين.

عدم رفع الصوت في المسجد:

فلا يرفع صوته لا بقراءة القرآن ولا بغيره: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، فسمعَهم يجهرون بالقراءة، وهو في قُبَّةٍ له، فكشف الستْرَ وقال: (أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ، أَوْ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

والنهي أشد إذا كان في المسجد النبوي أو المسجد الحرام: عن السائب بن يزيد -رحمه الله- قال: "كنت قائمًا في المسجد -المسجد النبوي- فحصبني رجل، فنظرت فإذا هو عمر -رضي الله عنه-، قال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما -أشار إلى رجلين يتحدثان- فقال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-!" (رواه البخاري).

تسوية الصفوف:

- وهو من كمال صلاة المصلي، وعلامة على اتفاق قلوب المصلين: قال -صلى الله عليه وسلم-: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)، وفي رواية: (مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ)، وفي رواية: (اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ)، وقوله: (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) (متفق عليه).

- وليحذر من تعمُّد ترك الخلل بين الصفوف: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، (وَمَنْ سَدَّ فَرْجَةً رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) (رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني).

- عظيم الأجر لمن وصل صفًّا وسدَّ فرجة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ) (أخرجه الإمام أحمد، وإسناده صحيح). وقال: (وَمَا مِنْ خُطْوَةٍ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خُطْوَةٍ مَشَاهَا رَجُلٌ إِلَى فَرْجَةٍ فِي الصَّفِّ فَسَدَّهَا) (رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن، وهو في صحيح الترغيب).

عدم هجر المسجد القريب:

- فلا يفعل إلا لغرض صحيح: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِهِ وَلَا يَتَتَبَّعِ الْمَسَاجِدَ) (رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني)(2).

خاتمة:

تذكير بوصية اليوم، مع الإشارة إلى أهميَّة جميع الآداب السابقة معها ليحصل بذلك الأجر العظيم.

فاللهم اجعلنا من الذين يحافظون على صلاتهم، وارزقنا حسن الأدب في بيوتك الطاهرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ذكر ابن حجر -رحمه الله- بعضًا منها، فمن ذلك: المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع القراءة، والتعلُّم منه، والفتح عليه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية مَن يكون قدامًا من المصلين، وسلامة موضع السجود من أذيال المصلين.

(2) فالذهاب إلى مسجد أبعد يؤدي إلى سلبيات؛ منها: هجر المسجد الذي يليه، وخلو المسجد وعدم عمارته، وإيحاش صدر الإمام وإساءة الظن به، أما إذا وجد غرض صحيح لتخطي الإنسان مسجده إلى مسجد آخر، مثل أن يكون إمام مسجده لا يقيم الفاتحة، أو لا يطمئن في صلاته، أو يرتكب بعض المخالفات الشرعيَّة، أو يجاهر ببدعة، أو يجاهر بمعصية، فلا بأس بذلك.