الشيخ ناصر العمر ورؤية متزنة للجهاد في العراق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
العلاقة بين العلماء والمجاهدين ينبغي أن تتسم بالتكامل لأن كلاً منهم يؤدي دوره في نصرة دين الله -عز وجل-، وقد كان هذا هو الحال بين علماء المسلمين وبين الجهاد الأفغاني ضد الروس، والذي حظي بدعم وتأييد كبار علماء المسلمين وعلى رأسهم ابن باز والعثيمين -رحمهما الله تعالى-، ولكن المشكلة تكمن حينما يرفع بعض المجاهدين أو بعض المنتسبين إلى الجهاد شعار"لا صوت يعلو على صوت المعركة"، وربما تجاوز البعض فرفع شعار "القاعد لا يفتي المجاهد"، وكأن على الأمة وعلى علمائها أن يتركوا بلاد المسلمين التي وإن ابتليت بما ابتليت به من انحراف إلا أن عقد المسلمين فيها ما زال متماسكاً، والدعوة إلى الله فيها ما زالت يرد الله بها مخططات الأعداء من أن تنهش في جسم الأمة أضعاف أضعاف ما تنهشه الآن من دينها ومن أرضها. وكأن على الأمة وعلى علمائها أن يتركوا بلاد المسلمين التي وإن ابتليت بما ابتليت به من انحراف إلا أن عقد المسلمين فيها ما زال متماسكا |
يرفع بعض المنتسبين إلى الجهاد هذه الشعارات ثم يجعلون القائد العسكري مفتياً لمجرد كونه قائداً عسكرياً، فتحدث الأخطاء والتجاوزات، فينكرها أهل العلم، حينئذ يزين الشيطان لبعض المنتسبين إلى الجهاد أن يسوي بين موقف العلماء وبين موقف من يوظف علمه في الصد عن سبيل الله، وربما ألحق بهم القوميين والعلمانيين واضعاً الجميع في سلة واحدة بدعوى أنهم ضد الجهاد، متناسياً أن هؤلاء -الذين يصدق عليهم وصف أنهم ضد الجهاد- هم قبل هذا "ضد الدعوة" أو على الأقل ضد "السلفية" أو"الأصولية" أو "الوهابية" كما يحلو للبعض أن يسميها، لأن "الأصولية" التي تؤصل لرفض التبعية للآخرين والخضوع لسلطانهم بأنواع الجهاد المشروع أخطر عندهم من الذي يحمل السلاح بالفعل ما لم يكن حاملاً لنفس الفكر، وإلا فكم من حامل للسلاح وفي صدره فكر يتسع لكل المتناقضات!
ويزداد الأمر خطراً إذا ما شابت نصائحَ بعضِ المنتسبين إلى العلم حدةٌ أو مبالغة ٌ مما قد يرونه محققاً لدرجة أعلى من التنبيه والتحذير، وإن كنا نرى أن ذلك غالبًا ما يصب في الاتجاه العكسي.
وتزداد الهوة إذا رأت بعض الفصائل العاملة في ساحات الجهاد الشرعية وفق رؤية أهل العلم، أن ينقلوا المعركة إلى ساحات لا يراها أحد من أهل العلم ساحة للجهاد الشرعي وإن رآها بعض المنتسبين للجهاد كذلك، كعمليات التفجير في بلاد المسلمين لاستهداف الرعايا الأجانب فيها لا سيما من ينتمون إلى بلاد تحارب الإسلام كأمريكا.
وقد كان لعلماء الصحوة في مصر سجال مع التيارات التي كانت تتبنى هذه العمليات قديماً، مما كان له دور في مراجعة كثير منها لأفكارها، فكانت مبادرة الجماعة الإسلامية في مصر. وجاري الآن مبادرة أخرى لجماعة "الجهاد" بقيادة منظمها الأول د.سيد إمام. ولكن يبدو أن هذا السجال وهذه المناقشات لم تمنع بعض الحركات الجهادية في ساحات الجهاد المتفق على شرعيتها أن تتبنى نفس الأفكار التي كانت تتبناها جماعات العنف في مصر وغيرها، وأن تنقل المعركة إلى داخل بلاد المسلمين
|