الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 15 يونيو 2016 - 10 رمضان 1437هـ

الإجابة على الاستشكالات الواردة على حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- في النمص

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن الموضوعات التي تثور بيْن طلبة العلم: الكلام على حكم النمص، وموقف العلماء منه، وسوف أتعرض في هذه المقالة لأدلة المنع مِن النمص وبيان وجه الدلالة منها، ثم أبيِّن الاستشكال الذي استشكله بعض العلماء، وسببه، وجوابه.

وأما تلخيص أقوال العلماء في المسالة فأحيل فيها على بحث معاصر مختصر وجامع -فيما أرى-، وهو بحث بعنوان: "أحكام النمص في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة" للدكتور "عادل مبارك المطيرات" المدرس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت، وهذا رابطه على الإنترنت:

http://www.ftawa.ws/lib/downloadattach-54.html

وأبدأ بذكر مجمل الأدلة الواردة في المسألة كما لخصها د."عادل مبارك"، فقال: "أولاً: الأدلة الواردة في النمص: وردت في النمص أدلة كثيرة تدل على حكمه، وغالب هذه الأدلة تفيد تحريمه على وجه العموم، وهناك أدلة وآثار تجيزه، أو تحتمل جوازه، وسأسوق هذه الأدلة في هذا المبحث مع بيان صحتها أو ضعفها، ثم أبين في المباحث التي تليه حكم النمص على وجه التفصيل.

أولاً: مِن القرآن:

- قال ابن العربي -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) (النساء:119): "المسألة السادسة: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة، والمتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله... والنامصة: هي ناتفة الشعر تتحسن به... وهذا كله تبديل للخلقة، وتغيير للهيئة وهو حرام" (أحكام القرآن 1/ 501).     

- وقال العلامة السعدي -رحمه الله- في تفسير الآية نفسها: "وهذا يتناول الخلقة الظاهرة بالوشم والوشر، والنمص، والتفليج للحسن، ونحو ذلك مما أغواهم به الشيطان فيغيروا خلقة الرحمن... " (تيسير الكريم الرحمن لعبد الرحمن بن سعدي 2/170).

ثانيًا: مِن السُّنة:

- عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ؟! فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7)، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَإِنِّي أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الْآنَ، قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي، قَالَ: فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا! فَقَالَ: أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا. (متفق عليه).

- وأخرج الإمام أحمد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَوَشِّمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ).

- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنِ الْوَاشِمَةِ، وَالْوَاصِلَةِ، وَالْمُتَوَاصِلَةِ، وَالنَّامِصَةِ، وَالْمُتَنَمِّصَةِ" (رواه أحمد، وصححه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام).

- وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لُعِنَتِ الْوَاصِلَةُ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ، وَالنَّامِصَةُ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ، وَالْوَاشِمَةُ، وَالْمُسْتَوْشِمَةُ، مِنْ غَيْرِ دَاءٍ" (أخرجه أبو داود (4/399) في كتاب الترجل باب صلة الشعر، رقم الحديث (4170) وحسنه ابن حجر في فتح الباري (10/376)، والألباني في غاية المرام 95).

- حديث أبي ريحانة -رضي الله عنه- قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَشْرٍ، عَنِ الوَشْرِ، وَالْوَشْمِ، وَالنَّتْفِ... " الحديث (أخرجه أبو داود (4/325) في كتاب اللباس باب من كرهه رقم الحديث (4049)، والنسائي (8/143) في كتاب الزينة باب النتف رقم الحديث (5091)، وضعفه الألباني في ضعيف النسائي 223).

ثالثًا: مِن الآثار:

- عن امرأة أبي إسحاق أنها دخلت على عائشة -رضي الله عنها- وكانت شابة يعجبها الجمال، فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها؟ فقالت: أميطي عنك الأذى ما استطعت (أخرجه ابن جرير الطبري كما في فتح الباري (10/378)، وعبد الرزاق في المصنف (3/146)، وضعفه الألباني في غاية المرام 77).

- روت بكرة بنت عقبة أنها سألت عائشة -رضي الله عنها- عن الحفاف فقالت: "إن كان لك زوج فاستطعتِ أن تنتزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي" (ذكره ابن الجوزي في أحكام النساء (340-341).

- قال قتادة: "لعن أربع: الواشمة، والواشرة، والنامصة، والواصلة" (أخرجه عبد الرزاق في المصنف 3/ 145)" انتهى.

وقد زاد في موقع آخر مِن البحث رواية أخرى لحديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، ولها أثر في مسألة تحديد: هل النمص في الحاجب فقط أم في الوجه كله؟ فقال: "عن قبيصة بن جابر قال: كنا نشارك المرأة في السورة نتعلمها، فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود في بيته في ثلاثة نفر، فرأى جبينها يبرق، فقال: أتحلقينه؟ فغضبت وقالت: التي تحف جبينها امرأتك، قال: فادخلي عليها، فإن كانت تفعله فهي مني بريئة، فانطلقت ثم جاءت فقالت: لا والله ما رأيتها تفعله، فقال عبد الله بن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث..." (الحديث أخرجه الطبراني وابن عساكر والهيثم بن كليب في مسنده كما في آداب الزفاف للألباني (203 – 204) وحسَّن إسناده) انتهى.

وقد ألحقت ذات حواشيه وتخريجاته بالمقال.

وبعد عرض الأدلة الواردة في الباب نود أن ننبه على الأمور الآتية:

1- هناك وجه آخر في تفسير قوله تعالى فيما يحكيه عن إبليس (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ)، وهو أن المقصود بتغيير خلق الله هو تغيير الفطرة، وهناك قول ثالث بتفسيره بالإخصاء، وهو قريب مِن الأول.

وهذه الوجوه غير متعارضة، ويمكن الجمع بينها وهو الصحيح.

2- الدليل العمدة في المسألة هو حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ومِن المناسب استعراض أقوال شراح الحديث عليه.

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:

"وَأَمَّا النَّامِصَةُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: فَهِيَ الَّتِي تُزِيلُ الشَّعْرَ مِنَ الْوَجْهِ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي تَطْلُبُ فِعْلَ ذلك بها، وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية، أو شوارب؛ فلا تحرم إزالتها، بل يستحب عندنا، وقال ابن جرير: لا يجوز حلق لحيتها، ولا عنفقتها، ولا شاربها، ولا تغيير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص، وَمَذْهَبُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنِ اسْتِحْبَابِ إِزَالَةِ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ، وَأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَوَاجِبِ وَمَا فِي أَطْرَافِ الْوَجْهِ. فَيُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة أو غيرهما يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

- ويُلاحَظ على هذا النقل أن النووي قد جزم بالحرمة، واستثنى ما يعد مرضًا أو مخالفًا للخلقة الطبيعية للنساء، مثل: إذا نبتت للمرأة لحية، ولم يشر إلى الخلاف إلا خلاف الطبري رحمه الله، والذي بالغ؛ فمنع المرأة التي لها لحية من إزالتها، وهو القول الذي نصره أهل الظاهر فيما بعد، والحق مع النووي، ويشهد له أثر ابن عباس رضي الله عنهما.

- وتأمل قول النووي: "فَيُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة أو غيرهما يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا"، وقد أخذ هذا الجزء الموقوف مِن حديث ابن مسعود رضي الله عنه مِن الحوار الذي دار بينه وبين المرأة، وهذا الجزء يغلق أبواب كل الاحتمالات التي ذهب إليها بعض العلماء كما سنبين إن شاء الله.

قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح:

"التنمص -بمثناة فوق، ثم نون، وصاد مهملة-: إزالة الشعر مِن الوجه، مأخوذ مِن المنماص بكسر الميم الأولى وهو المنقاش، والمتنمِّصة: طالبة ذلك، والنامصة: المزيلة له.

وبعضهم يقول: المنتمصة بتقديم النون، حكاه ابن الجوزي، قال: والذي ضبطناه عن أشياخنا في كتاب أبي عبيد المتنمِّصَة بتقديم التاء مع التشديد

وهو حرام؛ إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا يحرم، بل يستحب عندنا، والنهي إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه. وانفرد ابن جرير فقال: لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها، ولا تغيير شيء مِن خلقها بزيادة ولا نقص".

وكلام ابن الملقن موافق لكلام النوى رحمه الله في الجملة.

قال في عون المعبود: "قَالَ فِي النِّهَايَةِ: النَّامِصَةُ الَّتِي تَنْتِفُ الشَّعْرَ مِنْ وَجْهِهَا وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي تَأْمُرُ مَنْ يَفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمِنْقَاشِ مِنْمَاصٌ. انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ حَرَامٌ إِلَّا إِذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ أَوْ شَوَارِبُ".

وقال المباركفورى في "تحفة الأحوذي": "وَالْمُتَنَمِّصَاتِ: جَمْعُ مُتَنَمِّصَةٍ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي تَطْلُبُ النِّمَاصَ، وَالنَّامِصَةُ الَّتِي تَفْعَلُهُ، وَالنِّمَاصُ إِزَالَةُ شَعْرِ الْوَجْهِ بِالْمِنْقَاشِ وَيُسَمَّى الْمِنْقَاشُ مِنْمَاصًا لِذَلِكَ، وَيُقَالُ: إِنَّ النِّمَاصَ يَخْتَصُّ بِإِزَالَةِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ لِتَرْقِيقِهِمَا أَوْ تَسْوِيَتِهِمَا.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ: النَّامِصَةُ الَّتِي تَنْقُشُ الْحَاجِبَ حَتَّى تُرِقَّهُ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ خِلْقَتِهَا الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ الْتِمَاسَ الْحُسْنِ لَا لِلزَّوْجِ وَلَا لِغَيْرِهِ كَمَنْ تَكُونُ مَقْرُونَةَ الْحَاجِبَيْنِ فَتُزِيلُ مَا بَيْنَهُمَا تُوهِمُ الْبُلْجَ وَعَكْسُهُ، وَمَنْ تَكُونُ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ فَتَقْلَعُهَا أَوْ طَوِيلَةٌ فَتَقْطَعُ مِنْهَا أَوْ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ فَتُزِيلُهَا بِالنَّتْفِ، وَمَنْ يَكُونُ شَعْرُهَا قَصِيرًا أَوْ حَقِيرًا فَتُطَوِّلُهُ أَوْ تُغْزِرُهُ بِشَعْرِ غَيْرِهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ وَهُوَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّرَرُ وَالْأَذِيَّةُ كَمَنْ يَكُونُ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ أَوْ طَوِيلَةٌ تُعِيقُهَا فِي الْأَكْلِ أَوْ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ تُؤْذِيهَا أَوْ تُؤْلِمُهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَالرَّجُلُ فِي هَذَا الأخير كالمرأة.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَثْنَى مِنَ النِّمَاصِ مَا إِذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا إِزَالَتُهَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ (مُبْتَغِيَاتٌ لِلْحُسْنِ) أَيْ طَالِبَاتٌ لَهُ حَالٌ عَنِ الْمَذْكُورَاتِ (مُغَيِّرَاتٌ خَلْقَ اللَّهِ) هِيَ أَيْضًا حَالٌ وَهِيَ كَالتَّعْلِيلِ لِوُجُوبِ اللَّعْنِ).

وأنت ترى أنه اقتصر على كلام الطبري والنووي.

قال ابن الجوزي في كشف المشكل مِن حديث الصحيحين:

"وَظَاهر هَذَا الحَدِيث أَن الْكَلَام مُطلق فِي حق كل من فعل هَذَا. وَقَول ابْن مَسْعُود يدل على ذَلِك، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ المتصنعات من النِّسَاء للفجور، لِأَن مثل هَذَا التحسن دأبهن، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهن المموهات على الرِّجَال بِمثل هَذِه الْأَفْعَال لتغر المتزوج".

وأنت ترى أن ابن الجوزي يقر بأن ظاهر حديث ابن مسعود أن الكلام مطلق في حق كل مَن فعل هذا.

وهذا يعني أنه لا يمكنه أن يصرفه عن ظاهره إلا لدليل وأن يسلم هذا الدليل مِن معارض، وأن يكون للمعنى الذي سيصرف إليه وجه، وسترى أن هذا كله لا يتوافر هنا بفضل الله تعالى.

قال ابن حجر في فتح الباري بعد ما ساق كلام ابن جرير:

"وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَثْنَى مِنَ النِّمَاصِ مَا إِذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا إِزَالَتُهَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ. قُلْتُ: وَإِطْلَاقُهُ مُقَيَّدٌ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَعِلْمِهِ؛ وَإِلَّا فَمَتَى خَلَا عَنْ ذَلِكَ مُنِعَ لِلتَّدْلِيسِ، وَقَالَ بعض الْحَنَابِلَة: إن كَانَ النمص أشهر شِعَارًا لِلْفَوَاجِرِ امْتَنَعَ، وَإِلَّا فَيَكُونُ تَنْزِيهًا. وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ إِلَّا إِنْ وَقَعَ بِهِ تَدْلِيسٌ فَيَحْرُمُ. قَالُوا وَيَجُوزُ الْحَفُّ وَالتَّحْمِيرُ وَالنَّقْشُ وَالتَّطْرِيفُ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَكَانَتْ شَابَّةً يُعْجِبُهَا الْجَمَالَ، فَقَالَتِ: الْمَرْأَةُ تَحُفُّ جَبِينَهَا لِزَوْجِهَا. فَقَالَتْ: أَمِيطِي عَنْكِ الْأَذَى مَا اسْتَطَعْتِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَجُوزُ التَّزَيُّنُ بِمَا ذُكِرَ إِلَّا الْحَفَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النِّمَاصِ".

ويلاحظ أن أثر امرأة أبي إسحاق عن عائشة رضي الله عنها ضعيف، وعلى فرض صحته؛ فهو غير صريح، ولو صح لوجب تأويله هو ليوافق المرفوع والموقوف عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، وأقصى ما فيه حال صحته أن يقال: إن عائشة رضي الله عنها رأت أن النمص في الحاجب فقط، وإن كان حتى هذا التأويل سوف يصطدم بالرواية الأخرى عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولكن حينها كان يمكن أن نقول: إن ثمة خلاف بين ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهما، ولكن مع عدم صحة أثر عائشة بقي الحديث المرفوع المعضد بآثار عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما بلا منازع.

3- أثر ابن عباس: "لُعِنَتِ الْوَاصِلَةُ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ، وَالنَّامِصَةُ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ، وَالْوَاشِمَةُ، وَالْمُسْتَوْشِمَةُ، مِنْ غَيْرِ دَاءٍ" له حكم الرفع؛ لأن قول الصحابي "لعنت" له حكم الرفع.

وفي قوله: "مِنْ غَيْرِ دَاءٍ" الضابط الرئيسي بيْن ما يجوز وما لا يجوز في هذا الباب، وعليه بنى المعاصرون كلامهم في عمليات التجميل، وسيأتي قرار مجمع الفقه الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي).

4- في الباب آثار جيدة عن جمع مِن التابعين: ذكرها ابن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى -فيما يحكيه عن إبليس-: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) عن جمع مِن التابعين أنهم حملوا على ذلك الآية، ورووا في تفسيرها حديث ابن مسعود، وحتى لو فسرنا الآية بأن التغيير المقصود هنا هو تغيير الدين؛ فإن هذه النقول كافية في إثبات مذهب هؤلاء في حرمة الوشم والنمص، وغيره مما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

الاستشكالات التي أوردها بعض العلماء على حديث ابن مسعود رضي الله عنه:

- تقدم قول ابن الجوزي: "وَظَاهر هَذَا الحَدِيث أَن الْكَلَام مُطلق فِي حق كل مَن فعل هَذَا"؛ إلا أنه ذكر احتمالات أخرى، وبطبيعة الحال فإنه لم يذكر احتمالات غير الظاهر إلا لاستشكال عنده أو عند غيره على الظاهر، وهذا الذي جعل بعض العلماء يعللوا الامر بالتدليس أو أنه بدون إذن الزوج، وهي تفسيرات لا تحل الإشكال؛ لكونها تبقى مخالفة لظاهر الحديث مِن جهة، وفيها مِن الإشكالات ما هو أكثر مما فروا منه مِن جهة أخرى.

وهذا ما عبَّر عنه الإمام القرافي رحمه الله في كتاب الذخيرة حيث قال:

"(النَّوْع الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ مَا يَجْرِي مِنَ الْغُرُورِ وَالتَّدْلِيسِ): وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ وَصْلُ شَعْرِهَا وَلَا وَشْمُ وَجْهِهَا وَلَا يَدَيْهَا، وَلَا وَشْرُ أسنانها لقَوْله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فِي الصَّحِيحِ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خلق الله). فالوشم التغزير بِالْإِبْرَةِ ثُمَّ يُحْشَى مَوْضِعُهُ بِالْكُحْلِ فَيَخْضَرُّ. وَالْوَشْرُ نحت الْأَسْنَان حَتَّى تتفلج وتحدد أَطْرَافُهَا. وَالْمُتَنَمِّصَاتُ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ: النَّامِصَةُ الَّتِي تَنْتِفُ الشَّعْرَ مِنَ الْوَجْهِ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَيَجُوزُ لَهَا خَضْبُ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا بِالْحِنَّاءِ، وَأَجَازَ مَالِكٌ تَطْرِيفَ أَصَابِعِهَا وَنَهَى عَنْهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ وَهُوَ يَخْطُبُ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ اخْتَضِبْنَ وَإِيَّاكُنَّ وَالنَّقْشَ وَالتَّطْرِيفَ وَلْتَخْضِبْ إِحْدَاكُنَّ يَدَيْهَا إِلَى هَذَا وَأَشَارَ إِلَى مَوْضِعِ السِّوَارِ، وَسَبَبُ الْمَنْعِ فِي وَصْلِ الشَّعْرِ وَمَا مَعَهُ التَّدْلِيسُ وَالْغُرُورُ، قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ: تَنْبِيهٌ لَمْ أَرَ لِلْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّهُ تَدْلِيسٌ عَلَى الْأَزْوَاجِ لِيَكْثُرَ الصَّدَاقُ، وَيُشْكِلُ ذَلِكَ إِذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِهِ وَبِالْوَشْمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَدْلِيسٌ، وَمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ لَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ التَّغْيِيرَ لِلْجَمَالِ غَيْرُ مُنْكَرٍ فِي الشَّرْعِ: كَالْخِتَانِ وَقَصِّ الظُّفْرِ وَالشَّعْرِـ وَصَبْغِ الْحِنَّاءِ وَصَبْغِ الشَّعْرِ، وَغير ذَلِك".

وقد استشكل الإمام القرافي تعليل الفقهاء بغير العلل التي في الحديث، ولكنه في المقابل استشكل أن ينهى الشرع عن هذا ويبالغ فيه مع إباحته مع هو مِن جنسه!

ومثل هذا الاستشكال لا يجب أن يتوقف الأمر عليه، بل نقول: سمعنا وأطعنا، ونبحث عن تعليل طالما صحت الأدلة بهذا وبذاك، ولعلنا نجده في أثر أو في نظر أو في تطور علم.

وقد استشكل ذات الاستشكال الطاهر ابن عاشور في التفسير، وفي كتابه "مقاصد الشريعة"، وحمل الأمر على أنه له علاقة بعرف العرب في شأن النمص، وهو مِن أخطر الدعوات التي لو طُردت مِن غير دليل؛ لكان خطرًا عظيمًا.

وما استشكله هؤلاء العلماء وأعلنوا عن حيرتهم كالقرافي أو أزالوها بتأويل النص تأويل يأباه لفظ الحديث وتعليله، وفهم وتطبيق مَن رووه مِن الصحابة - قد يعرف شيء مِن حكمته إذا علمنا الضرر الطبي للعبث بمنطقة الوجه عمومًا "وبالحاجبين خصوصًا" كما نقله "عادل مبارك المطيرات" في البحث المشار إليه آنفًا عن الدكتور "وهبة أحمد حسن" مِن كلية الطب في جامعة الإسكندرية، في  ذكر الأضرار الطبية للنمص؛ لا سيما إذا استعمل مكان الجزء المزال أقلام الحواجب ونحوها.

فقال: "إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها مِن ماكياجات الجلد لها تأثيرها الضار، فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة، مثل: الرصاص والزئبق، تذاب في مركبات دهنية مثل زيت الكاكاو، كما أن كل المواد الملونة تدخل فيها بعض المشتقات البترولية، وكلها أكسيدات مختلفة تضر بالجلد، وأن امتصاص المسام الجلدية لهذه المواد يحدث التهابات وحساسية، أما لو استمر استخدام هذه الماكياجات فإن له تأثيرًا ضارًا على الأنسجة المكونة للكبد والدم والكلى، فهذه المواد الداخلة في تركيب الماكياجات لها خاصية الترسب المتكامل، فلا يتخلص منها الجسم بسرعة، وإن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشط الحلمات الجلدية فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة، وإن كنا نلاحظ أن الحواجب الطبيعية تلاءم الشعر والجبهة واستدارة الوجه".

وبالتالي فخلاصة القول في قضية تغيير خلق الله وهي الأعم مِن قضية النمص:

أ‌- أن أصل المنع مِن تغيير خلق الله ثابت بقوله تعالى -فيما يحكيه عن إبليس-: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) على تفسير جمع مِن السلف.

ب‌- كما أنه ثابت بحديث ابن مسعود وأثر ابن عباس رضي الله عنهما.

ت‌- أن أثر ابن عباس فيه الإشارة إلى الضابط الرئيسي فيما يجوز وما لا يجوز في هذا الباب، وهو قوله: "مِن غير داءٍ".

وعليه فخلاصة القول في قضية تغيير وإزالة الشعر:

أن إزالة الشعر ليس كله داخلاً تحت قاعدة واحدة، وإنما هو ثلاثة أقسام:

1- قسم داخل تحت هذه القاعدة بالدليل، مثل: الحاجب واللحية، ولو تأملت أنهما مِن كمال الخلقة ومِن أصلهما وأنهما في الأصل لا ينموان نموًّا يضر بصاحبها، وان هناك مدخلاً للاجتهاد فيما يفحش من اللحية أو الحاجب، بل في اللحية الأثر المعروف عن ابن عمر والذي أُخذ منه الحد بيْن ما يجب ويشرع تركه، وما يجوز أخذه.

2- قسم أمر الشرع بإزالته وهو وإن كان شعرًا إلا أن أماكنه مختلفة، ومعدل نموه مختلف وكلام أهل الطب موافق للشرع هنا في فوائد إزالته كما كان موافقًا للشرع للأول.

3- قسم سكت عنه الشرع، ولكون الشعر ليست فيه قاعدة مضطردة لوجود القسمين الأوليين ناسب هنا أن يقول إن هذا مِن المباح مع أن بعض أهل العلم قد يمنع مِن بعض صوره أو كلها للرجل من باب آخر، وهو التشبه بالنساء، وأما النساء فلا وجه لمنعهن من إزالة شعر باقي البدن غير ما ثبت النهي عنه.

بيان الخلل في بعض ما حملوا الحديث عليه:

1- الخلل الأول والكبير: هو صرف الحديث عن ظاهره بغير موجب، ثم بعده أنواع مِن الخلل فيما حملوا الحديث عليه تأتي في النقاط الآتية:

2- ذهب البعض إلى أن عبارة: "المغيرات لخلق الله" موقوفة على ابن مسعود رضي الله عنه، وهو أمر تأباه نسبة ابن مسعود هذا الكلام إلى النبي صلى الله عليه و سلم، بل إلى القرآن مِن جهة أنه داخل في قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).

3- الحوار الذي دار بين ابن مسعود رضي الله عنه وبين المرأة يقطع الباب على كل صور التأويل التي أوَّلها بعض العلماء الذين استشكلوا ظاهر الحديث (وهو غير مشكل بإذن الله كما سنبين)، وعامة ما عللوا به تعليق الأمر على الغش أو عدم إذن الزوج أو التبرج، وكل هذا منتفٍ في زوجة ابن مسعود رضي الله عنه؛ فتعين أنه محرم لذاته في علة لا تنفك عنه، وهي تغيير خلق الله.

4- ويؤخذ على تعليلاتهم أنهم أسقطوا العلة المنصوص عليها، وعدلوا إلى غيرها!

وقد أجيب عنهم بأنه لم يسقطوا العلة وإنما اعتبروها علة ناقصة وضموا إليها غيرها؛ فصارت العلة هي "التغيير غشًّا"، وهذا يؤدي إلى إهدار العلة الشرعية تمامًا؛ لأن الغش علة تامة بدلالة نصوص أخرى فمتى ضممتها إلى التغيير، واعتبرت المجموع هو العلة الكاملة فسيكون الواقع أنك اعتبرت الغش، وأهدرت التغيير!

وإيضاح ذلك:

أنهم يمنعون مِن الأمور التي فيها غش بلا تغيير، والأمور التي فيها غش مع تغيير (كلاهما فيه غش)، ولا يمنعون مما فيه تغيير بدون غش، وهذا يساوي منطقيًّا أن العلة التي يدور معها التحريم وجودًا وعدمًا -في زعمهم- هي الغش! (وهذا يقال في كل العلل التي عللوا بها).

مسألة: هل القائلون بعلل أخرى غير التغيير هم الجمهور؟

لا نريد أن نخوض معركة بلا جدوى حول مَن الأكثر عددًا، ويكفي ما قدَّمنا لك مِن قول شراح الحديث، وكلهم مِن المنتمين للمذاهب التي يزعم المتأخرون فيها أن المعتمد عندهم هو الإباحة أو الكراهة.

ونظرة أي باحث للجمهور تحتاج إلى أن يَعرف:

- مذهب جمهور الصحابة أو مَن علمنا لهم قولاً في المسألة.

- مذهب جمهور التابعين أو من علمنا لهم قولاً في المسألة.

- مذاهب الأئمة أنفسهم في المسألة.

- مذاهب المتقدمين والمحققين؛ لا سيما المنصفين الذين عُرف عنهم مخالفة مذاهبهم إذا خالفت ما أداه إليه نظرهم في المسألة.

- مذاهب علماء المذاهب بعد القرن العاشر.

- مذاهب المحققين من المعاصرين كابن باز وابن عثيمين والألباني، وكلهم على المنع لعلة التغيير.

- مذاهب جيل الباحثين المعاصرين، وكثير منهم على المنع؛ ولولا خشية الإطالة لسردت عددًا مِن الأبحاث المعاصرة سواء في النمص خصوصًا أو في عمليات التجميل عمومًا.

- قرارات المجامع الفقهية المعاصرة، ومنها القرار الذي نختم به المقالة، على أننا مع كل هؤلاء نسترشد بأبحاثهم، ونحترم إنتاجهم، ونستضيء بجهدهم ثم الأصل الأصيل والركن الركين للمنهج السلفي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الحجرات:1).

وهذا نص القرار:

(نص قرار المجمع الفقهي: مجمع الفقه الإسلامي، منظمة المؤتمر الإسلامي).

قرار رقم 173(11/18) بشأن الجراحة التجميلية وأحكامها:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقد في دورته الثامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24إلى29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9-14تموز (يوليو) 2007م.

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: الجراحة التجميلية وأحكامها، وبعد استماعه إلى المناقشات المستفيضة التي دارت حوله.

قرر ما يلي:

أولاً: تعريف جراحة التجميل:

جراحة التجميل هي تلك الجراحة التي تعنى بتحسين (وتعديل) (شكل) جزء أو أجزاء من الجسم البشري الظاهرة، أو إعادة وظيفة إذا طرأ عليه خلل مؤثر.

ثانيًا: الضوابط والشروط العامة لإجراء عمليات جراحة التجميل:

1- أن تحقق الجراحة مصلحة معتبرة شرعًا، كإعادة الوظيفة، وإصلاح العيب، وإعادة الخلقة إلى أصلها.

2- أن لا يترتب على الجراحة ضرر يربو على المصلحة المرتجاة من الجراحة، ويقرر هذا الأمر أهل الاختصاص الثقات.

3- أن يقوم طبيب (طبيبة) مختص مؤهل؛ وإلا ترتبت مسؤوليته (حسب قرار المجمع 142(8-15).

4- أن يكون العمل الجراحي بإذن المريض (طالب الجراحة).

5- أن يلتزم الطبيب (المختص) بالتبصير الواعي (لمن سيجري العملية) بالأخطار والمضاعفات المتوقعة والمحتملة من جراء تلك العملية.

6- أن لا يكون هناك طريق آخر للعلاج أقل تأثيرًا ومساساً بالجسم من الجراحة.

7- أن لا يترتب عليها مخالفة للنصوص الشرعية، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود: "لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" رواه البخاري، وحديث ابن عباس: "لعنت الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة من غير داء" رواه أبو داود. ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن تشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء. وكذلك نصوص النهي عن التشبه بالأقوام الأخرى، أو أهل الفجور والمعاصي.

8- أن تراعى فيها قواعد التداوي من حيث الالتزام بعدم الخلوة، وأحكام كشف العورات وغيرها، إلا لضرورة أو حاجة داعية.

ثالثاً: الأحكام الشرعية:

1- يجوز شرعاً إجراء الجراحة التجميلية الضرورية والحاجية التي يقصد منها:

أ- إعادة شكل أعضاء الجسم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها، لقوله سبحانه: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم". العلق:4.

ب- إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم.

ج- إصلاح العيوب الخلقية مثل: الشفة المشقوقة (الأرنبية)، واعوجاج الأنف الشديد والوحمات، والزائد من الأصابع والأسنان، والتصاق الأصابع إذا أدى وجودها إلى أذى مادي أو معنوي مؤثر.

د- إصلاح العيوب الطارئة (المكتسبة) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كلياً حالة استئصاله، أو جزئياً إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضية، وزراعة الشعر في حالة سقوطه خاصة للمرأة.

هـ- إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً (قرار المجمع) 26(1/4).

2- لا يجوز إجراء جراحة التجميل التحسينية التي لا تدخل في العلاج الطبي، ويقصد منها تغيير خلقة الإنسان السوية تبعاً للهوى والرغبات بالتقليد للآخرين، مثل عمليات تغيير شكل الوجه للظهور بمظهر معين، أو بقصد التدليس وتضليل العدالة، وتغيير شكل الأنف، وتكبير أو تصغير الشفاه، وتغيير شكل العينين، وتكبير الوجنات.

3- يجوز تقليل الوزن (التخفيف) بالوسائل العلمية المعتمدة، ومنها الجراحة (شفط الدهون) إذا كان الوزن يشكل حالة مرضية، ولم تكن هناك وسيلة غير الجراحة بشرط أمن الضرر.

4- لا يجوز إزالة التجاعيد بالجراحة أو الحقن ما لم تكن حالة مرضية، شريطة أمن الضرر.

5- يجوز رتق غشاء البكارة الذي تمزق بسبب حادث أو اغتصاب أو إكراه، ولا يجوز شرعاً رتق الغشاء المتمزق بسبب الفاحشة، سداً لذريعة الفساد والتدليس. والأولى أن يتولى ذلك الطبيبات.

6- على الطبيب المختص أن يلتزم بالقواعد الشرعية في أعماله الطبية، وأن ينصح لطالبي جراحة التجميل (فالدين النصيحة).

ويوصي بما يأتي:

1- على المستشفيات والعيادات الخاصة والأطباء الالتزام بتقوى الله تعالى، وعدم إجراء ما يحرم من هذه الجراحات.

2- على الأطباء والجراحين التفقه في أحكام الممارسة الطبية، خاصة ما يتعلق بجراحة التجميل، وألا ينساقوا لإجرائها لمجرد الكسب المادي، دون التحقق من حكمها الشرعي، وأن لا يلجؤوا إلى شيء من الدعايات التسويقية المخالفة للحقائق. والله أعلم). انتهى.

انتهى القرار.

وانتهت المقالة التي أرجو أن أكون قد وضحت بها ما يزيل اللبس لدى إخواني الكرام في هذه المسألة.

والله أسأل أن يهدينا جميعًا إلى سواء السبيل، وأن يهدينا إلى ما اختلف فيه مِن الحق بإذنه.