الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 25 يوليه 2013 - 17 رمضان 1434هـ

قبل دخول العشر (خطبة مقترحة)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

التحذير فيها من الفتور والتكاسل قبل دخول العشر الأواخر من رمضان.

ومن صور ذلك:

1- الانقطاع عن العبادة: "ترك صلاة المغرب في المسجد - ترك صلاة الفجر - ترك بعض الأيام من صلاة التراويح".

2- الضعف: "ضعف مقدار القراءة اليومية - التأخر في الحضور وتفويت تكبيرة الإحرام".

3- العبادة تصبح عادة: "استثقال صلاة التراويح - ضعف التأمين وخطأ كثير في الدعاء - عدم تدبر القراءة".

- هل طال علينا زمان رمضان فقست قلوبنا؟ (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ . اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الحديد:16-17).

- إن العهد علينا بالعبادة العمر كله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162).

كيف نعيد الحيوية والنشاط واللذة للعبادات؟

1- تذكر فضل الصيام والصائمين فيما بقي من أيام الصيام:

- فيه نجاة من النار، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) (متفق عليه).

- أحسن خاتمة مع أحسن جائزة: (مَنْ خُتِمَ لَهُ بِصِيَامِ يَوْمٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه البزار، وصححه الألباني).

- شفيعك يوم القيامة عند المحنة: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَىْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِى فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) (رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني).

- تذكر باب الريان والدخول منه: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) (متفق عليه).

- تذكر فرحة العيد، وفرحة الأجر يوم القيامة: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ) (متفق عليه).

2- تذكر فضل شهر رمضان، وهل حصَّلت الفضائل فارتحت وكسلت؟

- هل ضمنت فتح أبواب الجنة لك، وغلق أبواب النيران عنك؟! (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) (رواه مسلم).

- هل قمت الشهر كله؟ فتذكر فضل التراويح والقيام: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

- تذكر كونه شهر تكفير الذنوب: (وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فهل ضمنت مغفرة ذنوبك؟!

- تذكر كونه شهر العتق من النيران: (إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني)، فهل ضمنت العتق؟! فلعلك من العتقاء في الليالي القادمة؟

- تذكر كونه شهر ليلة القدر: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، فهل ضمنت خيرها وقمتها؟

3- تذكر نعمة إدراك شهر رمضان:

- غيرك مات ولم يدرك الشهر، أو مات ولم يكمل الشهر؛ فهذه فرصتك فاغتنمها.

- حديث طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِىٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ إِسْلاَمُهُمَا جَمِيعًا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الآخَرِ فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّىَ. قَالَ طَلْحَةُ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّىَ الآخِرَ مِنْهُمَا ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَىَّ فَقَالَ ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ. فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.

وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: (مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

4- تذكر فضل هذه الأيام والليالي المتبقية:

- فيها ليلة القدر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مَنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلا كل محروم) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

- ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته: قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر).

ـ نزلت فيها كتب سماوية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الإِنْجِيلُ لِثَلاثَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَانَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لأَرْبَعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ) (رواه أحمد والطبراني، وحسنه الألباني).

5- ليلة الهدايا والعطايا من الكريم الجواد:

ـ من قامها مؤمنًا محتسبًا نال المغفرة لما سلف: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

ـ كثرة الملائكة التي تنزل إلى الأرض فيها: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ المَلاَئِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الحَصَى) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

ـ أنها سلام حتى مطلع الفجر لأهل الدنيا من المؤمنين: قال مجاهد -رحمه الله-: (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ): سلام أن يحدث فيها داء أو يستطيع شيطان أن يعمل فيها سوء. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: في تلك الليلة تصفد مردة الجن، وتغل عفاريت الجن، وتفتح فيها أبواب السماء كلها، ويقبل الله فيها التوبة لكل تائب.

- من عظيم فضل الله أنه لم يحدد لنا ليلة معينة في العشر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَأُنْسِيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ) (متفق عليه).

6ـ هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلت العشر الأواخر:

ـ يشتد فيها بالعبادة عن غيرها: قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" (متفق عليه).

- يكثر فيها من طلب العفو: قالت عائشة -رضي الله عنها-: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: (قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعَفُ عَنِّي) (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

- ينقطع للعبادة فيها: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ" (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

7- وفي ذلك فليتنافس المتنافسون:

ـ هي أيام وليالي الخير العظمى... فاستبقوا الخيرات: قال -تعالى-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ) (الحديد:21).

- ما أحوجنا إلى المسارعة بالأعمال الصالحة في أيام الفتن الدائرة هذه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بَادرُوا بِالأَعْمَالِ فِتنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ... ) (رواه مسلم). قال الحسن -رحمه الله-: "مَن نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره".

ـ لابد من وقفة محاسبة ومعاتبة... فماذا قدمتَ؟ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر:18). "والمحاسبة أن ينظر المسلم في فرائضه الواجبة عليه كنظر التاجر إلى رأس ماله، وينظر إلى النوافل نظر التاجر إلى الأرباح الزائدة على رأس المال، وينظر إلى المعاصي والذنوب كالخسارة في التجارة".

- تذكر حالك قبل رمضان، فتشكر بالعمل: (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) (النساء:94).

- تذكر كم سيكون انتظارك لأيام أنت الآن فيها: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة:185).

- محاسبة لما قدمت وما ستقدم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر:18).

- أحسن فيما بقي... يغفر لك ما سبق.

فاللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.