الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 19 أكتوبر 2010 - 11 ذو القعدة 1431هـ

وأقبلت أيام الحج (خطبة مقترحة)

وقفات وذكريات مع الرحلة إلى الله -تعالى- (1)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة وتمهيد:

- النداء الحبيب إلى قلوب المؤمنين يتردد هذه الأيام: "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك..".

- الآيات المذكرة بأعظم رحلة: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:96-97).

- شهور وأيام الحج قد بدأت: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة:197).

- المشمرون للرحلة الكبرى يتأهبون: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27).

- مواسم الخير تتوالى على الأمة: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

- الأفئدة تهفو في هذه الأيام إلى البيت والقبلة: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة:144).

- الكل يرجو يوم المغفرة الأعظم في الدنيا: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا) (رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وصححه الألباني).

1- إثارة الشوق إلى الحج والعمرة(1):

- كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- إثارة شوق أصحابه إلى أعمال الخير، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ) قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (هُمْ الَّذِينَ لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فَقَامَ عُكَّاشَةُ: فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: (أَنْتَ مِنْهُمْ) قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: (سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ) (رواه مسلم).

- ولما كان يوم تجهيز جيش العسرة، قال: (مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ) (رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، ووصله النسائي وغيره بسند صحيح).

- وجعل -صلى الله عليه وسلم- يرغب أصحابه يوم أحد: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ). قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: (نَعَمْ). قَالَ: بَخٍ بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟). قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: (فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا). فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ. قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ (رواه مسلم).

2- من فضائل الحج والعمرة:

- الحج من أفضل الأعمال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (حَجٌّ مَبْرُورٌ) (متفق عليه)، والمبرور: هو الذي لا يخالطه إثم.

قال الحسن: الحج المبرور هو: أن يرجع منه زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة.

- الحج جهاد العاجز : (جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

- الحج يمحق الذنوب: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) (متفق عليه)، وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني).

- الحج المبرور ثوابه الجنة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول -صلى الله عليه وسلم-: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) (متفق عليه).

3- وقفات وعظات:

الوقفة الأولى: شد الرحال وهجر الأهل والمال:

- أحوال الناس مختلفة في الارتحال متفقة في السعي والشوق: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27).

- ذكر أحوال بعض فقراء المسلمين، وعظيم سعيهم لبيت الله، مع إمساك بعض الأغنياء وامتناعهم.

الوقفة الثانية: الميقات وترك المحظورات والمباحات:

التجرد من مظاهر الترفه: "الثياب- العطور- النساء- الصيد- حلق الشعر"، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلا الْعِمَامَةَ وَلا الْبُرْنُسَ وَلا السَّرَاوِيلَ وَلا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلا زَعْفَرَانٌ وَلا الْخُفَّيْنِ) (رواه البخاري ومسلم).

- التحلي بأحسن الأخلاق: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة:197).

الوقفة الثالثة: ملابس الإحرام درس في الاستعداد للآخرة:

- ثياب تشبه ثياب الموتى: قال -صلى الله عليه وسلم-: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) (متفق عليه).

- عدم التفاضل: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13)، وقال -تعالى-: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى) (سبأ:37).

الوقفة الرابعة: التلبية توحيد وعبودية:

- قال جابر: "فَأَهَلَّ -صلى الله عليه وسلم- بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ.." (رواه مسلم).

- عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الْعَجُّ وَالثَّجُّ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- مقتضى التلبية إعلان التوحيد وترك الشرك: "الذبح - النذر - الحلف - التحكيم - موالاة المشركين.. ".

الوقفة الخامسة: دخول أم القرى:

- (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) (إبراهيم:35).

- البقعة الوحيدة التي يجب السعي إليها: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) (آل عمران:97).

- الصلاة في مسجدها بمائة ألف صلاة.

- هي أحب البلاد إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلاَ أَنّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحْلِلْ لِي قَطُّ إِلا سَاعَةً مِنْ الدَّهْرِ لا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلا يُخْتَلَى خَلاهَا وَلا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ) (رواه البخاري).

- هي أم البلاد: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) (الشورى:7).

فاللهم ارزقنا حجة وعمرة إلى بيتك المحرم.

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال بعض السلف: اعلم أن أول الحج فهم موقعه من الدين، ثم الشوق إليه، ثم العزم عليه، ثم قطع العلائق المانعة منه.