الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 10 سبتمبر 2009 - 20 رمضان 1430هـ

بين المهتدين والمرتدين

(تيري بروكس ومحمد رحومة نموذجًا)

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالإسلام ينتشر في كل بقاع الدنيا بسرعة مذهلة وأعداد الداخلين فيه تصيب سدنة الكفر، وجيوش التنصير بالرعب، لا نظن أن هذه الحقيقة في حاجة إلى الاستدلال عليها لا سيما بعد واقعة "دير أوجيستين" الشهيرة والتي ذكرتها صحيفة ''تايمز'' البريطانية في عدد 4 -11-2006 حيث قام القس "رولاند ويزلبرج" بسكب الوقود على نفسه وإضرام النار فيها تاركًا رسالة مبينـًا فيها أنه فعل ذلك لكي تتحرك أوروبا قبيل أن تتحول إلى الإسلام!

ومن عجائب التدبير أن تكون تلك الواقعة في الدير الذي قضى فيه "مارتن لوثر" ست سنوات راهبًا، و"مارتن لوثر" هو القس الذي أسس فرقة البروتستانت هاربًا من بعض خرافات الكاثوليك، ومنها: "الكهنوت"؛ بيد أنه لم يزل مقيمًا على الخرافة الكبرى "الإله المتجسد".

والأمر لا يقتصر على الأغلبية النصرانية الأوروبية والتي تتوقع أن تتحول إلى أقلية في غضون عقود قليلة، بل هذه أكبر أقلياتهم في بلاد المسلمين تخاف كما في ورد في تسجيل صوتي لأحد كبرائهم من أن تنقرض في غضون فترة أقل من ذلك.

وفي مقابل ذلك يحاول دعاة التنصير جاهدين أن يعوضوا الفاقد بالدعوة إلى دينهم فيما يعرف بجهود التنصير، وإذا كانت جهود التنصير أمرًا واقعًا فما هي أسلحتهم في هذا الباب؟!

ابتداءً يجب عليك أن تستبعد تمامًا جانب الإقناع العقلي من أسلحة القوم؛ لأن "كتابهم المقدس" جعل فهم ذلك الدين ميئوسًا منه، وجعل فهمه قاصرًا على المجانين أو الأطفال على أقصى تقدير؛ كما قال "بولس" في رسالته الأولى لأهل كورنثوس في الإصحاح الأول منها:

"17- فإن المسيح قد أرسلني لا لأعمد؛ بل لأبشر بالإنجيل، غير معتمد على حكمة الكلام؛ لئلا يصير صليب المسيح كأنه بلا نفع.

18- لأن البشارة بالصليب جهالة عند الهالكين، وأما عندنا نحن المخلصين؛ فهي قدرة الله.

19- فإنه قد كتب: سأبيد حكمة الحكماء وأزيل فهم الفهماء!(1).

20- إذن أين الحكيم؟ وأين الكاتب؟ وأين المجادل في هذا الزمان؟ ألم يقلب الله حكمة هذا العالم جهالة؟

21- فبما أن العالم في حكمة الله لم يعرف الله عن طريق الحكمة؛ فقد سر الله أن يخلص بجهالة البشارة الذين يؤمنون.

22- إذ إن اليهود يطلبون آيات، واليونانيين يبحثون عن الحكمة.

23- ولكننا نحن نبشر بالمسيح مصلوبًا، مما يشكل عائقـًا عند اليهود وجهالة عند الأمم.

24- وأما عند المدعوين، سواء من اليهود أو اليونانيين، فإن المسيح هو قدرة الله وحكمة الله.

25- ذلك لأن جهالة الله أحكم من البشر، وضعف الله أقوى من البشر(2)" اهـ.

كما لا يتصور أن يحمل المنصرون رسالة تشعر الإنسان بكرامته، وتحترم آدميته أكثر من الإسلام لكي يعولوا عليها، وكيف يكون ذلك وكل من المنصِّر والمنصَّر في نظر كتابهم المقدس "كِلابًا" طالما لم يكونوا يهودًا جنسًا، ولا يتم إيمان أحدهم إلا بذلك؟!

وليس هذا في العهد القديم فقط، بل وفي العهد الجديد أيضًا كما في قصة المرأة الكنعانية التي عنون لها كتاب الأناجيل بعنوان: "إيمان المرأة الكنعانية" كما في إنجيل متى الإصحاح 15:

21- ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ.

22- وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً: «ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا».

23- فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!»

24- فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ».

25- فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!»

26- فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب».

27- فَقَالَتْ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!».

28- حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ"

نعم قد يرتدي هؤلاء ثوب العقل، ولكن في إثارة الشبهات حول الإسلام مستغلين حالة الجهل بالإسلام لدى بعض أبنائه؛ فضلاً عن حالة الجهل المطبق بالنصرانية لدى عامة أبنائه، ويكفي أن تعلم أن ما من فرية يلصقها هؤلاء بالإسلام إلا وهي في دينهم أصلاً، بينما لا يظن وجودها في الإسلام إلا من جهل حكمة التشريع وأسراره؛ فمن ذلك مثلاً: تشغيبهم في قضية ظلم الإسلام للمرأة مع أن في "كتابهم المقدس" أن الأم تمكث نفساء من ولادة الذكر "أربعين يومًا"، ومن ولادة الأنثى "ثمانين يومًا" منها أربعة عشر يومًا نجسة كما في سفر اللاويين الإصحاح الثَّانِي عَشَرَ:

1- وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:

2- «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً.

3- وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ.

4- ثُمَّ تُقِيمُ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لاَ تَمَسَّ، وَإِلَى الْمَقْدِسِ لاَ تَجِئْ حَتَّى تَكْمُلَ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا.

5- وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا"!!

وتأمل في قول بولس كما في رسالته الأولى لأهل كورنثوس الإصحاح الحادي عشر:

3- "وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ".

ثم يجعل ذلك علة أمر المرأة بستر رأسها في الصلاة قائلاً:

7- "فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ".

وإذا وازنت بين هذا الحجاب المؤقت الذي أمر به بولس المرأة النصرانية في الصلاة؛ لأنها بحضرة أسيادها: الرجل، وسيده المسيح، وسيد الجميع الله، وبين الحجاب الإسلامي الذي فرضه رب المرأة المسلمة عليها: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب:59)، علم من الأولى بتهمة ازدراء المرأة، والأمثلة على ذلك كثيرة.

ولأن من يتعرض من أبناء المسلمين لمحاولة تنصير من هذا الباب يبحث عن إجابة عن هذه الشبهات فيجدها -بفضل الله-، فلا نكاد نعلم من ارتد لهذه الشبهات مجردة، بل لابد معها من أبواب أخرى من الشهوات، وفي كثير من الأحيان لا يكون إلا الشهوات!

ومِنْ ثَمَّ ينتشر المنصرون في البلاد الفقيرة والمنكوبة؛ يدًا تمد الرغيفَ والدواءَ، وبالأخرى الصليبَ، كما يبحثون في بلاد المسلمين الأخرى عن أي مريضٍ نَفْسِيًّا أو مُهَمَّشٍ اجتماعيًّا أو صاحبِ عاهة فكرية؛ ليجعلوا منه رمزًا للمتحولين من الإسلام إلى النصرانية.

ومن هؤلاء الذين أثاروا لغطـًا في الآونة الأخيرة المدعو: "محمد رحومة"، والذي فرح المنصرون به كثيرًا؛ لأنه يمثل من وجهة نظرهم شخصية لها بريق اجتماعي بخلاف الحالات السابقة، والتي يبدو أنهم حصلوا عليهم من مستشفى الأمراض العقلية والنفسية، ولكن سرعان ما كشفت جريدة المصريون الإلكترونية حقيقته في عدد 26-8-2009، وما تلاه من أعداد حيث بيَّنتْ أن الدكتور قد أقام حفلاً غنائيًا لصالح مرضى السرطان تبرع المغنون فيه بأجورهم؛ فما كان منه إلا أنه أخذ هذه الأموال لنفسه مزورًا إيصالات بأنه دفع لهم أجورهم، ولا ندري أي انحطاط فوق أن يرق قلب المغنين المنغمسين في الشهوات فيتبرعوا بأجورهم لأطفال السرطان ثم يأكل هذه الأموال -"وغني عن الذكر عدم جواز الغناء والموسيقى ولو للأغراض الخيرية، ذلك وإنما المقصود بيان موقع "الدكتور" في سلم الأخلاق الاجتماعي"(3)-!!

ثم لما حُكم عليه بالمؤبد فر من السجن إلى النصرانية حيث أواه أقباط المهجر فرحين، وكأن العودة الثانية المزعومة للمسيح قد جاءت بعد أن تأخرت أكثر من ألف عام، أو كأنهم قد ثأروا من اليهود الذين أهانوا ربهم في زعمهم -تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا-!

ولأننا نحب الهداية لكل الناس ومنهم المنصرين والمتنصرين فكنا نتمنى أن ينتقل الدكتور من متعهد حفلات مختلس إلى دكتور يحترم وضعه الاجتماعي، ولكنه للأسف اختار الانزلاق في الغواية أكثر فأكثر؛ لينتقل من مسلم عاص إلى كافر مرتد -والعياذ بالله-!

ولكن هل ما زال مصرًا على أنه اهتدى بعقله بعد أن تبين أنه هرب بجيبه، ثم كيف يزعم أنه اهتدى بعقله إلى أمر زعم واضعوه أنه لا يمكن أن يهتدي إليه إلا الحمقى والبلهاء أو الأطفال على أحسن حال؟!

وهل ما زال يردد شعار: "يسوع حررني" الذي سمى به جمعيته التي يزمع تكوينها للمحافظة على حقوق المتنصرين بعد أن عرف أن الإنجيل لا يراه مؤمنـًا إلا إذا أقر أن اليهود أبناء الله؟! وأما هو وأمثاله فحسبه أن يكون من "...".

ولا شك أن يسوع الحقيقي قد حرر أتباعه من كل عبودية إلا لله، وهو ما يزال في إنجيلهم بقية منه كما في إنجيل متى الإصحاح 22:

35- "وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَامُوسِيٌّ، لِيُجَرِّبَهُ قِائِلاً:

36- يَا مُعَلِّمُ، أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟.

37- فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ.

38- هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى.

39- وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.

40- بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ".

وأما بولس فجعل المسيح عبدًا لله، والرجل عبدًا للمسيح، والمرأة عبدة للرجل كما في النقل السابق عنه، وإن كان في مواطن أخرى جعل المسيح ابن الله -تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا-!

فليس في هذا الدين إلا العبودية للعبيد الذين ليس آخرهم المسيح، بل قائمة طويلة من الأحبار والرهبان سوف يفرضون على الدكتور أن يتعرى أمامهم ليعمد بماء مخلوط بأشياء عجيبة يرونها سرًا من أسرارهم ليس له أن يعرفه أو يسأل عنه، رغم أن أناجيلهم تقول إن المسيح -عليه السلام- تعمد في نهر الأردن بالماء الذي خلقه الله طهورًا.

ثم بعد تغطيسه في ماء المعمودية سوف يدهنون جميع جسمه بزيت الميرون المكون من عشرات الزيوت السرية هي الأخرى ثم يقرأون عليه ترانيم بلغة غير لغته، وغير لغة المسيح، بل لغة الكنيسة، والتي تختلف باختلاف الكنيسة الماثل أمامها عاريًا، ورغم أن كتاب القوم خاضع عندهم للترجمة بكل لغات الدنيا مع بقائه في زعمهم -"كلمة الرب"-؛ إلا أبناء كل كنيسة ملزمين بالصلاة باللغة التي تختارها لها الكنيسة وإن كانت لغة ميتة!

ولا أدري هل يدري الدكتور أن هذا الشعار عند القوم يعني أن يسوع حرره من سجن إبليس الذي كان فيه هو والبشرية جمعاء حتى يؤمنوا بمسيح الضلالة المفترى وليس بالمسيح الحقيقي؟!

غالب الظن أن شعار: "يسوع حررني" قد راق للرجل لتوافقه مع مزاج مجرم مختلس هارب من العقاب؛ لا سيما وكتاب القوم المقدس ينسب إلى عيسى -عليه السلام- أنه أدنى منه العشارين الذين كانوا يجمعون الضرائب الباهظة من قومهم اليهود ويدفعونها إلى الرومان المحتلين، وأن من هؤلاء "متـَّى العشار" الذي يعلي القوم شأنه جدًا! فما المانع من إعلاء شأن "رحومة المحتال"؟! فالرجلين في أكل أموال الناس بالباطل سواء!

كما أن كِتاب القوم يزعم أن المسيح -عليه السلام- جاء ليعطل العقوبات، حتى تلك التي وجدها مكتوبة قبل مجيئه في التوراة، وهم ينسبون إليه أنه وقف مدافعًا عن الزانية، مانعًا القوم من إقامة الحد عليها قائلاً: "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر"، فانصرف عنها الجميع إلا عيسى -عليه السلام- الذي أمرها بالهرب مسرعة -وفق زعمهم-!

والعجيب أن كتـُّاب الأناجيل ما فتأوا يعرضون صور عناد اليهود لعيسى -عليه السلام- حتى أشجارهم، فالتينة أبت أن تثمر له تين في غير أوانه فلعنها، ولكن في هذا الموقف قدم كتاب الأناجيل اليهود في هذه الصورة من الاستجابة الفورية؛ ليحرر إنجيلهم المزعوم المجرمين من العقوبة حتى دون أن يحررهم من الذنب.

فليفرح "رحومة " ومن على شاكلته لا سيما وأن هذا الموقف لو اتخذ مثله في شأن الكسب غير المشروع بين أقباط المهجر لانصرف القوم جميعًا تاركين إياه بلا عقاب!

فليفرح "رحومة" بدينه المبدل المحرف حيث لا عقوبة ولا أحجار، وإنما كرسي اعتراف ومغفرة فورية للخطايا، وبقرار من رجل مثله، ولتبق الملايين المكنوزة في حساباتها السرية، بل ولتتضخم من حيث يدري ومن حيث لا يدري، على الرغم أن كتابه المقدس يزعم أنه لن يدخل غني في ملكوت الرب ولو كان ماله من حلال إلا إذا خرج من جميع ماله كما ينسبون أن عيسى -عليه السلام- قال ذلك للشاب الغني الذي أراد اتباعه!

فلنترك "رحومة" بخطيئته وسط الخاطئين، وبأمواله وسط الخارجين عن ملكوت الرب، ولنعرض لصورة مقابلة فبضدها تتميز الأشياء.

نريد أن نختار مثالاً من هؤلاء الذي دخلوا في الإسلام عن قناعة وبينة؛ لا سيما هؤلاء الذين حصَلوا من الدنيا حال كفرهم على كل ما يريدون: "مال، وجاه، ووجاهة دينية واجتماعية".

الأمر محير حقـًا؛ لكثرتهم... فهل نذكر الدكتور "موريس بوكاى" صاحب كتاب "التوراة والإنجيل والقرآن في ضوء العلم الحديث"، والذي لم يسلم إلا بعد تأليفه لما رأى من موافقة القران للعلم ومخالفة التوراة والإنجيل له؟!

أم نذكر القس السابق "مجدي مرجان" والذي أصبح "محمد مجدي مرجان" صاحب الكتابات العظيمة التي منها: "الله واحد أم ثالوث"؟!

أم نذكر القس السابق "وديع فتحي" صاحب كتاب "البشارات بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في الكتب السابقة"؟!

أم نذكر "وفاء قسطنطين " التي هزت الكنيسة بثباتها؟!

ولكن القـَدَر اختار لنا رجلاً آخر برز اسمه في نفس الآونة التي برز فيها اسم "رحومة"؛ إنه الأخ الأمريكي "محمد عبد الله" -"تيرى هولد بروكس سابقـًا"-!

والذي كان حارسًا في سجن "جوانتناموا"، وما أدراك ما جوانتناموا؟! سجناء ومسجونون، ولكن عدد غير قليل من المسجونين وجدوا في صدورهم من سعة الرحمة للخلق والحرص على هدايتهم أن كانوا يدعون جلاديهم إلى الإسلام منهم سجينـًا يسمى "أحمد الرشيدي" من المغرب صاحب الزنزانة "رقم 590"، والتي يصر على الاحتفاظ برقمها كمعرف له حتى الآن ليعري الحضارة الغربية الزائفة حيث يجبر الإنسان هناك السجين إلى مجرد رقم زنزانة ليس إلا، ومع ذلك كان أحمد الرشيدي سببًا في إسلام ساجنه فما زال به يحدثه عن التوحيد في الإسلام في مواجهة عقائد الخطيئة الأولى والصلب والفداء والتثليث في الإسلام حتى أسلم رغم كل المخاطر التي كانت تنتظر كل من الداعي والمدعو في جوانتناموا، وبالفعل فقد المهتدي الجديد وظيفته المرموقة بينما عانى الداعية من مزيد من التشديد والنكاية.

ثم خرج السجين ليقود حملة لفضح جوانتناموا وما زال إلى يومنا هذا يكتب بياناته ويوقعها بتوقيع: "السجين 590".

كما نشط الحارس السابق في جوانتاناموا في فضح ذلك السجن، والتقطت قصته منظمة إنجليزية تسمى "سجناء القفص"، وهي التي قدمته للعالم كما دعته لزيارة مقرها في بريطانيا؛ ليتحدث عن فظائع ذلك السجن، ولكن سلطات مطار "هيثرو" البريطاني منعته من الدخول كما نشرت ذلك جريدة "الجارديان" البريطانية يوم الأحد 30-8-2009، ونقلت ذلك عنها موقع إسلام "أون لاين" في مقال بعنوان: "منع حارس في جوانتانامو أسلم من دخول لندن"!!

سبحان الله!! كما يحاول "رحومة" أن يأتي إلينا ليؤسس منظمة ترعى حقوق المتنصرين -"وأول هذه الحقوق طبعًا سيكون إسقاط الأحكام القضائية ضدهم لا سيما في القضايا المخلة بالشرف"-، سافر هذا الرجل من بلده؛ لينصر إخوانه ولو بكلمة وشتان بين الرجلين!! وصدق الله إذ يقول: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (الليل:4).

ومن هاتين الصورتين المتقابلتين يمكننك أن تعرف الفرق النوعي بين الداخلين في الإسلام والخارجين منه، وأما الفرق الكمي فيحدثك عنه "دير أوجيستين" الألماني!

وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإشارة إلى ما نسبه إنجيل متى إلى عيسى -عليه السلام- أنه قال: "أحمدك أيها الأب، رب السماء والأرض؛ لأنك حجبت هذه الأمور عن الحكماء والفهماء، وكشفتها للأطفال" متى:12.

والخلاف بين عبارة متى وبولس ليس لفظيًّا فقط، بل معنويًّا أيضًا؛ فالعبارة المنسوبة لعيسى -عليه السلام- في إنجيل متى تترك أملاً للفهم بشرط ترك العقل الناضج إلى عقول الأطفال، وأما عبارة بولس فلا تترك أي أمل في الفهم، وكلاهما أظلم من الأخرى، وعيسى -عليه السلام- بريء من كل منهما.

وهذا يدل على أن بولس لم يكن يحفظ إنجيل متى جيدًا، كما يبطل دعوى النصارى أن كتبهم كتبت بإلهام من الروح القدس -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا-!

(2) ومما تجدر الإشارة إليه أن كلمة "جهالة" التي تكررت في هذه الفقرة كما وردت في النسخة العربية من كتابهم المقدس هي ترجمة غير دقيقة للكلمة الإنجليزية "foolishness" الواردة في النسخة الإنجليزية منه، وترجمتها الدقيقة "حماقة"، وعلى ذلك تكون الترجمة الدقيقة للجملة الأخيرة في النص السابق: "لأن حماقة الله أحكم من البشر، وضعف الله أقوى من البشر" -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا-!

(3) ادعى الدكتور "رحومة" في تسجيل صوتي أنه مستعد لكل ما سيحدث له من أجل المسيح -عليه السلام- متناسيًا أن شجاعته قد خانته، وتخلى عنه إيمانه ما يزيد على ثمان سنوات من تاريخ تنصره حتى الآن وإنما كان في الشجاعة، وكذلك "الإيمان المزعوم" تبعًا لامرأة تدعى: "نجلاء الإمام" كما صرح هو في ذلك التسجيل الصوتي.

و"نجلاء الإمام" هذه محامية ترأس جمعية لمناهضة التمييز ضد المرأة، تبنت منذ فترة آراء مثيرة للجدل منها: ادعاء وجود الفواحش بنسبة لا نظن أنها توجد في باريس ذاتها، حيث زعمت في حوار تليفزيوني أن نسبة السحاق بين طالبات المرحلة الثانوية تتعدى 85% بالمائة، وأن الحالات معظمها لطالبات يلبسن الفستان الأزرق الطويل -"حجاب يعني على حد وصفها"-، كما بالغت أيضًا في معدل زنى المحارم في المجتمع المصري، كما احترفت الظهور في الفضائيات قبل إعلان تنصرها مصرة على ترديد عبارة: "أنا مسلمة ومن حقي أفهم"؛ بينما هي تناظر خصومها بكلام "زكريا بطرس" وأمثاله من الطعن الصريح في القرآن، والإسلام وتشريعاته؛ متسلحة بطريقة استفزازية في الكلام والتطاول على المناظر حتى تخرجه عن شعوره فتدعي النصر عليه.

وقد ناظرت مرة شيخًا أزهريًا فاحتجت بالآية الخامسة من سورة التوبة وكان معها المصحف فهمت بقراءتها، ولكنها تراجعت مكتفية بذكرها برقمها فتحداها أنها إن قرأتها قراءة صحيحة فسوف يعطيها جائزة وإلا فسوف ينسحب من المناظرة، فامتنعت من القراءة وانسحب الشيخ، واعتبر المنصرين ذلك نصرًا لهم!

ويبدو أن "القوم" قد أجادوا قراءة شخصيتها، وأحسنوا قراءتها بعد الحادثة التي عرفت بها "نجلاء الإمام" طعم الشهرة، فقد كان أول ظهور لها على الساحة الإعلامية بفضيحة من كبرى فضائح المحاماة حينما قفزت عبر جمعيتها؛ لتنضم لهيئة الدفاع عن فتاة صاحبة أول قضية "تحرش جنسي" -وهي بالمناسبة "مخرجة أفلام تسجيلية"-، ثم لما انتهت القضية بالحكم على الجاني ووجهت صاحبة القضية الشكر للأستاذ "فلان المحامي" دون الإشارة إلى "نجلاء"؛ انقلبت عليها "نجلاء" كعادتها وكالت لها تهمًا وأفردت لها وصلات من "......" النسائي من عينة: يا يهودية.. يا محترفة تبالي على الرجال أنهم يتحرشون بك... يا من سجنت الرجل ظلمًا... يا من لم ترضى أي منظمة نسائية أن تدافع عنك إلا منظمتي.

وعبثـًا حاول مقدمو البرامج التلفزيونية أن يحصلوا منها على تبرير لتغير موقفها طالما أن كل هذه "البلاوي" كانت معلومة لها أثناء تداول القضية، وعبثـًا حاول محاوروها أن يحصلوا منها على دليل واحد عن كل التهم التي كالتها فجأة لموكلتها، وعبثـًا حاول محاوروها أن يثنوها عن الكلام عن جهودها في القضية، وتهميش دور الأستاذ فلان طالما أنها تنادي بعدم عدالة القضية أصلاً، وتحويل القضية إلى أن "يهودية سجنت مصريًا ظلمًا"، ولكنها كانت تواجه كل هذه الأسئلة المنطقية بأسلحتها التقليدية في استفزاز الطرف الآخر بطريقة لا توجد ألفاظ مهذبة تصلح للتعبير عنها، وتسجيلات هذه اللقاءات متاحة متداولة، ثم أعقبت ذلك بتصريحات أشد غرابة عندما صرحت بأن اليهودية التي يتحرش بها في البلاد العربية لا يحق لها الاعتراض؛ لأن اليهود يغتصبون الأرض، وأقل رد أن نغتصب عرضهم -"بالمناسبة موكلتها السابقة قدمت ما يفيد أنها فلسطينية وليست يهودية"-، ولكن حتى ولو كان... هل يمكن أن تصدر مثل هذه الدعوة من امرأة شريفة عاقلة إلا إذا كانت قد اقتبست دور "البغاء المقدس" من الحروب الصليبية لتقلبه إلى "التحرش المقدس" وهي مع ذلك كله من مناهضي "التمييز"؟!

وبين ذاك الظهور الأول وهذا المشهد الأخير -"مشهد التنصر"- كانت دائمًا هي تلعب دور المسلمة التي تريد أن تفهم بينما هي تطعن، ولا تترك لمحدثها أي فرصة ليفهمها أو يفهم غيرها؛ فهي تتكلم بسرعة الصاروخ، وتقاطع محدثها فلا يكاد يتم جملة واحدة بلا اعتراض منها بلهجتها "البالغة التهذيب"!!

ومع محاولة ارتدائها ثوب الشجاعة في إعلان تنصرها إلا أنها ترددت فأعلنت، ثم نفت، ثم أكدت لتستقر في الهاوية التي اختارتها لنفسها، والأعجب أنها لما كانت تدعي الإسلام قدمت مشروع قانون يمنع تحويل ديانة الابن النصراني إذا أسلم أبوه حتى يتم الواحد وعشرين عامًا ثم يُخير، ولكنها لما تنصرت نصرت ولديها "رغم أن أبوهما مسلم" بدعوى أنهما مقتنعين وإنها تدرس معهما القضية منذ ثلاث سنوات "حيث كان عمرهما أربع وخمس سنوات" عمرهما الحالي "سبع وثمانية سنوات".

وطبعًا لو كان عند القوم حجة لاستوى في بيانها الرجال والنساء، ويكفي لقضية ما عارًا أن يقال أن رجالها وأساطينها ينسحبون من المناظرات، وأنها لا يمكن المناظرة عنها إلا بأسلوب "نجلاء الإمام".

وهو أسلوب أول من قدمه في البرامج الحوارية فئة من النسوة يعملن في مهنة لو كان عند الجمعيات النسائية قليل من الحرص على كرامة المرأة لطالبوا بإلغائها، ومع ذلك أثبتن بطرقهن الخاصة في الحوار لكل من حوارهن أنهن "أشرف من الشرف".

وعلى كلٍ فالذي نريد أن ننوه عليه هنا أن الدكتور "رحومة" حتى في هذه الشجاعة المصطنعة كان سائرًا خلف "نجلاء"، وإذا كان هو قد نصب على مغني؛ فإنها هي قد افترت على مخرجة، وكلاهما في درجة واحدة من درجات "السلم الأخلاقي"!!