كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
(أ) التمدد الشيعي في موريتانيا:
تقع موريتانيا في شمال غرب إفريقيا، وهي إحدى دول المغرب العربي، واللغة العربية هي لغتها الرسمية، ويُقدَّر عدد سكانها بنحو أربعة ونصف مليون نسمة طبقًا لإحصائية عام 2019.
تحدُّ موريتانيا من الشمال الغربي الصحراءُ الغربية التي تخلت عنها إسبانيا، وتُعد الآن تحت سيطرة المغرب بحكم الأمر الواقع، ولا تزال المنطقة محلَّ نزاع. ويحدُّ موريتانيا من الجنوب السنغال، ومن الشرق والجنوب مالي، ومن الشمال الشرقي الجزائر. وتتجاوز مساحة موريتانيا المليون كيلومتر مربع، حيث تُعتبر خامس أكبر دولة عربية. وعاصمة موريتانيا (نواكشوط) وهي أكبر مدنها. ويعتنق شعب موريتانيا كله الإسلام، منهم 98% على المذهب السنِّي المالكي.
قد شهدت فترة الثمانينيات من القرن العشرين قطيعةً بين إيران وموريتانيا بسبب تضامن موريتانيا مع العراق خلال الحرب الإيرانية العراقية، وازداد هذا التوتر في العلاقات بعد وصول العقيد (معاوية ولد سيدي أحمد الطايع) إلى الحكم من خلال انقلاب عسكري قام به في نهاية 1984.
وقد استمرَّ معاوية في حكم موريتانيا حتى عام 2005، حيث قاد العقيد (علي ولد محمد) انقلابًا عسكريًّا في شهر أغسطس 2005 أطاح به.
وبعد لقاءٍ بين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والرئيس الموريتاني الجديد (علي ولد محمد) على هامش قمة المؤتمر الإسلامي بمكة المكرمة نهاية عام 2005، تمَّت إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران وموريتانيا، وفتح سفارة لكلٍّ منهما في البلد الآخر. وقد نشطت الزيارات بين البلدين على أعلى مستوى. ويرى البعض أن هذا التقارب جاء كرد فعل للعزلة التي شعرت بها قيادة الانقلاب الجديد في موريتانيا، والتي قامت في وقت لاحق بإجراء انتخابات رئاسية فاز بها قائد الانقلاب.
ومع سعي موريتانيا إلى زيادة الدور الخارجي وتحسين أوضاعها الاقتصادية المتأزِّمة، كان التلاقي مع إيران التي تبحث أيضًا عن متنفَّس سياسي لها في المغرب العربي، وقد وافق ذلك ضعف التواجد العربي في موريتانيا؛ ولهذا أعلنت موريتانيا في مارس 2010 عن مساندتها للبرنامج النووي الإيراني، ونسَّقت في تلك الفترة مواقفها الدولية مع إيران، كما منحت إيران موريتانيا عبر المصرف للتنمية والتصدير سلسلةَ قروضٍ لإنشاء مشروعات تنموية.
وكانت موريتانيا قد اعترفت في أكتوبر عام 1999 بإسرائيل كدولة، فكانت ثالث دولة في الجامعة العربية تعترف بإسرائيل بعد مصر والأردن. وتلا ذلك إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين، ثم في شهر فبراير 2009 استدعت موريتانيا سفيرها لدى إسرائيل، وفي شهر مارس 2009 قامت موريتانيا بطرد موظفي السفارة الإسرائيلية من نواكشوط، وإغلاق السفارة الإسرائيلية رسميًّا، لتنتهي كافة العلاقات الرسمية بين البلدين اعتبارًا من 21 مارس 2010.
ومع عودة الحضور العربي والخليجي إلى موريتانيا بكثافة خلال الولاية الثانية من حكم الرئيس الموريتاني (محمد ولد عبد العزيز)، زاد توجه السياسة الموريتانية صوب الخليج العربي، خاصة السعودية التي عززت من دعمها لموريتانيا، وشهد ذلك تنسيقًا سياسيًّا وأمنيًّا بين موريتانيا والسعودية، ساهم في إضعاف التغلغل الإيراني في موريتانيا؛ وعليه شاركت موريتانيا في تحالف (عاصفة الحزم) الذي تقوده السعودية لدعم الحكومة الشرعية في اليمن، وإن اكتفت بالدعم الدبلوماسي مع الامتناع عن إرسال أي جنود إلى اليمن.
كذلك شاركت موريتانيا في التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، الذي تتزعمه أيضًا السعودية. صاحب ذلك تزايدٌ في التعاون الثنائي بين البلدين، وتدفُّق الاستثمارات السعودية في مختلف مجالات الاستثمار، وهو ما فسره مراقبون بكونه رغبةً من السعودية في مواجهة التواجد الإيراني في موريتانيا.
وتحرص إيران على علاقتها مع موريتانيا للحفاظ على علاقةٍ متوازنة تجاه القضايا الإقليمية التي تهمُّ إيران، وإيجاد درجة من الحياد والتوازن السياسي حال حدوث تباين في الرؤى.
التواجد الشيعي في موريتانيا:
على الرغم من أن موريتانيا دولةٌ ينتمي 98% من سكانها إلى المذهب السنِّي المالكي؛ إلا أنه توجد أقلية من السكان على المذهب الشيعي، أغلبهم يقطن في جنوب موريتانيا.
المساعدات الاقتصادية الإيرانية لموريتانيا:
تُعدُّ موريتانيا أفقر دول المغرب العربي، وقد استغلَّت إيران تقديم المساعدات الاقتصادية لها كأداةٍ للتغلغل في موريتانيا، فضلًا عن تقديم المساعدات الفنية في الكشف عن البترول، وإعداد البنية التحتية، خصوصًا بعد قطع موريتانيا لعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل؛ حيث أقام نظام الرئيس (معاوية ولد سيدي أحمد الطايع) علاقةً دبلوماسية مع إسرائيل، وهو ما قابله استياءٌ شعبيٌّ في موريتانيا. ثم في عام 2009 أعلن الرئيس الموريتاني (محمد ولد عبد العزيز) قطع العلاقة مع إسرائيل، وهو ما سعت إيران للاستفادة منه، في مقابل حالة الصمت العربي وقتها تجاه التحرك الإيراني لملء هذا الفراغ، والقيام بدور البديل الداعم للنظام الموريتاني.
دور السفارة الإيرانية في نشر التشيع:
للسفارة الإيرانية دورٌ كبير في تنفيذ المخطط الإيراني بالتغلغل في المجتمع الموريتاني، حيث تواصل السفارة الإيرانية، من خلال التعاون مع (جمعية البصائر الإيرانية)، تمويلَ النشاط الإعلامي الشيعي في موريتانيا، كما تتواصل هذه الجمعية مع عدة جمعيات ذات طابع ثقافي لتوزيع كتب فكرية وفقهية لنشر المذهب الجعفري بموريتانيا.
وقد أعلنت السفارة الإيرانية عن توفير خمس منحٍ سنويًّا للطلاب الموريتانيين، وتعمل السفارة الإيرانية من خلال الإغراء بالمال على نشر التشيع في المناطق الفقيرة في موريتانيا، حيث توفِّر آلاف المنشورات الشيعية من كتب ومجلات تروِّج للتشيع؛ منها: مؤلفاتٌ لبعض كبار علماء وكتّاب الشيعة؛ مثل: محمد باقر الصدر، ومحمد علي شريعتي، ومحمد حسين فضل الله، وغيرهم.
وقد نجحت تلك الجهود والأنشطة بالفعل في إقناع بعض رموز السياسة والثقافة والشباب في موريتانيا بالتشيع.
التواصل الشيعي مع الجالية الموريتانية في غرب إفريقيا:
ركَّزت إيران خلال فترة القطيعة مع موريتانيا في الثمانينات وحتى نهاية عام 2005، على اختراق الجالية الموريتانية في دول غرب إفريقيا، خاصة في السنغال، حيث إن للشيعة انتشارًا في السنغال منذ نهاية الستينيات عقب زيارة ناجحة للمنطقة قام بها المرجع الشيعي (موسى الصدر)، والتي تلاها إقامةُ عالمِ الشيعة اللبناني (عبد المنعم الزين) في السنغال وغرب إفريقيا.
ومن خلال العلاقات التجارية مع اللبنانيين والسوريين العاملين في التجارة في السنغال (التجار الشوام)، ومع احتكاك الشيعة اللبنانيين والسنغاليين بالتجار الموريتانيين في السنغال وغرب إفريقيا، وعبر غزوٍ فكريٍّ وعقائديٍّ منظَّم، تمكَّن الإيرانيون من استقطاب بعضهم وإقناعهم بالمذهب الشيعي، وإن كانوا قلة. لهذا، فيُعدُّ الوجود الإيراني في السنغال مدخلًا من مداخل التمدد الشيعي في موريتانيا، ومحطةً للتواجد الشيعي في غرب إفريقيا.
التمدد الشيعي في موريتانيا:
شهدت موريتانيا العديد من الأنشطة الشيعية العلنية والرسمية من شخصيات بارزة هناك، ومن ذلك:
إعلان (بكار بن بكار) اعتناقه للمذهب الشيعي الاثني عشري في عام 2006، حيث سافر إلى مدينة قم الإيرانية والتقى هناك بالمرجعيات الشيعية، واتخذ من المرجع الشيعي السيستاني مرجعًا فقهيًّا له. وبعد عودته لموريتانيا، نصَّب بكار نفسه زعيمًا للشيعة في موريتانيا، وقام بتنظيم أنشطة شيعية في العاصمة نواكشوط، مثل الاحتفال بيوم عاشوراء وبيوم الغدير، وطالب بإنشاء مراكز دينية وعلمية خاصة للشيعة تمهيدًا لإنشاء حوزة علمية لهم. وقد أسس بكار جمعيةً باسم (بكار للثقافة والعلوم) لإقامة أنشطة ثقافية وشيعية.
ومن الشخصيات الموريتانية التي تشيعت علنًا أيضًا (محمد شريف حيدرة)، وهو مستشارٌ سابق في رئاسة الجمهورية، وقد موَّل له الشيعة في موريتانيا إنشاء معهدٍ باسم (معهد الإمام علي).
إعلان (أحمد يحيى بن بلا) من مقاطعة (الركيز) عن تشيعه، وهو مثقفٌ ثقافةً شرعية ولغوية لا بأس بها، وقد زار قم برفقة بعض أقاربه، وزار منطقة البقاع اللبنانية، وهو مشهور بكتابة القصائد في مدح الشيعة.
الزيارة العلنية التي قام بها الشيعي اللبناني (محمد قانصو) لموريتانيا عام 2016، وهو نائب رئيس مؤسسة (عبد المنعم الزين) الاجتماعية في السنغال، وهي مؤسسةٌ لها نشاطٌ شيعيٌّ منذ عقود في السنغال، ولها جهودٌ تُبذَل في نشر التشيع في موريتانيا. وقد تضمنت زيارته لقاءاتٍ مع مسؤولين من بعض الأحزاب السياسية الصغيرة الموريتانية التي لها علاقة بالنظام السوري. وقد قام (قانصو) أثناء زيارته بتدشين مدرسةٍ قرآنية صغيرة باسم الزعيم الروحي لشيعة غرب إفريقيا عبد المنعم زين، مما أثار الغضب لدى الأوساط الدينية الموريتانية. (راجع في ذلك: "التغلغل الإيراني في دول المغرب العربي"، حمدي بشير - ط. مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية - الرياض - ط. 1439هـ، 171-173، 176-177).
الموقف الرسمي من التمدد الشيعي في موريتانيا:
تحرص الحكومة في موريتانيا على استمرار وتقوية العلاقات مع إيران، لموقف إيران الداعم لموريتانيا وقت أن عانت من عزلةٍ دولية في أعقاب الانقلاب العسكري فيها، ومساندتها لها في ظروفها الاقتصادية الصعبة؛ لذا تغاضت الحكومة هناك عن كثيرٍ من محاولات التغلغل الشيعي الإيراني في موريتانيا، رغم كل المخاوف والتحذيرات التي أبداها البعض من خطورة هذا الأمر، خاصة بعد الكشف عن دراسةٍ ذكرتها مؤسسة ثقافية إيرانية تؤكد أن مستقبل العمل الشيعي في موريتانيا مُبشِّر، وأنه بالإمكان أن تتحول موريتانيا إلى بلدٍ شيعي، وأنه يمكن أيضًا التوسع الشيعي في بلاد المغرب العربي في المستقبل، لوجود البيئة الخصبة التي يمكن لمن يتعهدها أن تسمح بالانتشار الشيعي كمًّا ونوعًا.
وقد سمحت الحكومة في موريتانيا لبعض رموز الشيعة بالجهر بمعتقداتهم، وإقامة مؤسساتٍ خاصة، وإجراء شعائرهم علنًا.
وقد تجاهلت الحكومة الموريتانية التحذيرات المتكررة التي تلقتها من العديد من الأحزاب السياسية في موريتانيا من خطورة التغلغل الإيراني، ومنها: حزب (الصواب والكرامة والأمل)، وحزب (الحضارة والتنمية)، وحزب (الإصلاح)، وغيرها. وقد تجاهلت الحكومة أيضًا الدعوات التي أطلقها مفتي موريتانيا (بداه ولد البصير) التي دعا فيها للتصدي لمحاولات نشر المذهب الشيعي في موريتانيا، وكذلك دعوة إمام الجامع الأكبر الشيخ (أحمد ولد حبيب الرحمن) بقطع العلاقات مع إيران، ووضع حدٍّ لظاهرة التشيع في البلاد، واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة التغلغل الشيعي داخل المجتمع الموريتاني.
الموقف الشعبي من التمدد الشيعي:
في مواجهة استهانة فريقٍ من الموريتانيين بالأنشطة الشيعية وتمددها في موريتانيا، فهناك فريقٌ أخذ خطورة الوضع مأخذ الجد، يضم هذا الفريق نخبةً من العلماء والمثقفين الذين حذَّروا من خلال الندوات والمحاضرات من خطورة التمدد الشيعي الإيراني على المجتمع الموريتاني ووحدته.
(ب) التمدد الشيعي في ليبيا:
اعترت العلاقات الإيرانية الليبية في أعقاب الثورة الخمينية في إيران نوعٌ من المجافاة والضبابية بسبب قضية اختفاء رجل الدين الشيعي (موسى الصدر) في ليبيا خلال زيارة له في أغسطس 1978 بدعوة من الحكومة الليبية، وهي القضية التي مثَّلت لفترةٍ عائقًا للتقارب بين البلدين، رغم التأييد الليبي لقيام الثورة الإيرانية ضد شاه إيران وإسقاط نظام حكمه، لكن العداء المشترك للبلدين لأمريكا دفع البلدين للتقارب، وزاد من هذا التقارب ما أقدمت عليه ليبيا خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من قطع علاقاتها مع العراق، ودعمها ومساندتها لإيران في الحرب. وقد تطورت العلاقات بين البلدين من خلال تبادل الزيارات بين المسؤولين في البلدين. وفي يونيو 1985 وقَّعت ليبيا معاهدة تحالف إستراتيجية مع إيران. وإدراكًا من الحكومة الليبية أن استمرار الحرب بين العراق وإيران سيؤدي إلى كوارث على الشعبين العراقي والإيراني، قدَّمت ليبيا مقترحاتٍ لوقف الحرب، لكن رفضتها إيران.
ونظرًا للاختلافات في الرؤى بين ليبيا وإيران حول قضايا متعددة منها القومية والدينية، وعلاقة الدين بالسياسة وبالدولة، وكذلك دعوة الخميني إلى تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول العربية والإسلامية، في مقابل مشروع العقيد القذافي المتعلق بالنظرية الثالثة والكتاب الأخضر، وبعد قيام إيران بقصف المدن العراقية في عمق العراق بالصواريخ ودعوة الحكومة الليبية إلى وقف العمليات العسكرية وإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية شاملة، هاجم بعدها القذافي إيران لرفضها قرارات وقف إطلاق النار في ديسمبر 1986.
بدأ القذافي في التنسيق مع بغداد مراعاةً لتوجهه القومي العربي، مع قصر الدعم لإيران على مواقفها تجاه أمريكا، كما تبلورت بالتدريج سياسة ليبيا الخارجية تجاه الاهتمام بالشؤون الإفريقية والتشديد على الهوية الإفريقية لليبيا.
ومع تدهور العلاقات بين السعودية وليبيا، ومقاطعة ليبيا للقمة العربية التي عُقدت في الرياض، واصلت ليبيا الاحتفاظ بعلاقاتها الودية مع إيران. وفي 2006 وقَّعت ليبيا وإيران مذكرة تفاهم للتعاون الاقتصادي في مجالات عديدة تجارية واقتصادية وصناعية وفي السياحة، مع التعاون المشترك في مجالات الثقافة والإعلام والأمن.
وإجمالًا، كانت العلاقات بين إيران وليبيا وطيدة خلال حكم العقيد القذافي، وقد شهدت هذه العلاقة تغيرًا في أعقاب الثورة الشعبية في ليبيا عام 2011، والتي أسقطت نظام حكم القذافي.
التواجد الشيعي في ليبيا:
تُعدُّ أعداد الشيعة في ليبيا قليلةً، لا تتعدى بضع مئات، ينتشر أغلبهم في العاصمة طرابلس وفي بنغازي، ومعظمهم من الجالية اللبنانية التي حصلت على الجنسية الليبية. ومع قيام الثورة الشعبية بدأ هؤلاء الشيعة في ممارسة وإظهار شعائرهم الشيعية، لاسيما الاحتفال بيوم عاشوراء.
العلاقة مع الإسلام السياسي في ليبيا:
حاولت إيران الاستفادة من الثورة الشعبية في ليبيا من خلال تواجد عملاء لها داخل ليبيا، فشهدت الساحة الليبية نشاطًا استخباريًّا وسياسيًّا كبيرًا عقب الثورة، تضمَّن إرسال عناصر من الحرس الثوري لمساندة حلفاء إيران الإسلاميين في ليبيا، مثل تنظيم (أنصار الشريعة) وتنظيم (الجماعة الليبية المقاتلة). وقد أشارت التحقيقات الأمريكية إلى تورط جماعة أنصار الشريعة، وهي من أهم الجماعات المرتبطة بإيران، في أحداث تفجير السفارة الأمريكية في ليبيا وقتل السفير الأمريكي. (راجع: "التغلغل الإيراني في دول المغرب العربي" ، حمدي بشير - مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية - الرياض - ط. 1439هـ، 202 - 203).
التمدد الشيعي في ليبيا:
تزايد النشاط الشيعي في ليبيا في أعقاب الثورة الشعبية، مستفيدًا من حالة الاضطراب وعدم الاستقرار التي سادت البلاد بعد سقوط القذافي. لذا، تحوَّل مئاتٌ من المواطنين الليبيين من المذهب السنِّي إلى المذهب الشيعي في ظاهرة غريبة لم تحدث من قبل، ومنهم شبابٌ ليبي سافر إلى إيران لتعلُّم المذهب الشيعي هناك.
وقد صرَّح رئيس لجنة الأوقاف الليبي للإعلام في نهاية 2012 أن بعض الدعاة الشيعة يشترون أراضي في ليبيا باسم الحوزة الشيعية لتأسيس مؤسسات ومراكز شيعية في ليبيا. ويدخل في أهداف الشيعة لتحقيق مخططهم اختراقُ الأقلية الأمازيغية في ليبيا، والتي تتبنى مذهب الإباضية، وفيهم شيعة، من باب التقرب إلى الأقليات وإثارتها وتمويلها وتسليحها، خاصة مع شعور الأمازيغ باختلافهم عن الأغلبية في الثقافة واللغة والهوية والانتماء المذهبي.
التواجد العسكري الإيراني في ليبيا:
صرَّح قائد قوات الحرس الوطني الإيراني أن أحد مكاسب التطورات الإقليمية خلال الربيع العربي هو تجنيد ما يزيد عن 200 ألف مقاتل في ميليشيات شعبية في العراق وسوريا وليبيا. كما أشار إلى استيلاء إيران على كميات من الأسلحة المتطورة في ليبيا من قبل وحدات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، التي سافرت إلى ليبيا من قاعدتها في السودان. ومن هذه الأسلحة صواريخ روسية متطورة بيعت إلى ليبيا عام 2004. ويعتقد الخبراء أنه قد تم تهريب هذه الصواريخ وغيرها من الأسلحة الحديثة المستولى عليها عبر الحدود الليبية خلال فترة التقارب بين إيران والسودان، حيث نُقلت إلى منشأة للتخزين السري للحرس الثوري، ساعد على ذلك التسهيلات التي قُدمت لإيران في السودان خلال فترة التقارب بين إيران والسودان، في إطار اتفاق التعاون العسكري بين البلدين وقتها، والتي وظَّفت فيها إيران وجودها في السودان للتأثير على الساحة الليبية، قبل أن تتنبه الحكومة السودانية إلى خطورة التحركات الإيرانية على الساحة السودانية، كرد فعل على الهجوم على البعثة السعودية في إيران في عام 2016، وهو ما غيَّر دفة السياسة السودانية وقتها نحو مزيد من التقارب والتنسيق مع السعودية ودول الخليج على حساب علاقتها مع إيران.
وقد أثار استيلاء الحرس الثوري الإيراني على تلك الأسلحة الليبية مخاوف الغرب من وصول هذه الأسلحة إلى جماعة الحوثيين في اليمن أو حزب الله في لبنان عبر السودان، أو أن تقع في أيدي تنظيم القاعدة أو غيرها من الجماعات المتطرفة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل عبر تشاد. (راجع المصدر السابق: 206 - 209).
الموقف الليبي الرسمي من التمدد الشيعي:
رغم حالة عدم الاستقرار السياسي في ليبيا منذ الثورة الشعبية في 2011 وتعاقب الحكومات على السلطة، فإن الموقف الرسمي يكشف عن الرفض للسياسة الإيرانية في ليبيا؛ لذا طلبت حكومة (عبد الرحيم الكيب) في فبراير 2012 من السفير الإيراني مغادرة طرابلس بسبب تحركاته المشبوهة واجتماعاته بقيادات ليبية وشيوخ قبائل.
وقد صرَّح رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح بأن هناك محاولات إيرانية لنشر التشيع في ليبيا، وهو ما أكدته هيئة علماء ليبيا في بيان لها، أن إيران تقوم بنشر التشيع بين الشباب الليبي، وطالبت الحكومة باتخاذ إجراءات لمكافحة هذه الظاهرة.
وقد حذَّر أيضًا مفتي البلاد من انتشار التشيع في المجتمع الليبي، خاصة بين الشباب؛ كما طالب في يونيو 2012 خطباء المساجد بتحذير الليبيين من خطورة التدخل الإيراني في الشأن الليبي الداخلي، ومحاولة نشر الفتنة بين أبنائه. وقد أصدرت دار الإفتاء الليبية في سبتمبر 2015 فتوى بشأن التحوُّط من زواج الليبيين والليبيات من الشيعة، وقد ذكرت السلطات الليبية أنها صادرت آلاف الكتب التي تروِّج للمذهب الشيعي.
وقد أبدى بعض رجال السياسة الليبيين قلقهم البالغ، ووجَّهوا اتهامات إلى إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية في ليبيا، وبتقديم دعم مالي واضح لجماعات غير عربية، خاصة من الأمازيغ غرب ليبيا، لأهداف انفصالية. (راجع في ذلك المصدر السابق، ص 210-212).
وقد تم بعد الثورة الشعبية في ليبيا إعادة العلاقات الدبلوماسية بين ليبيا والسعودية، والتي شهدت العلاقات تطورًا إيجابيًّا.
الموقف الشعبي من التمدد الشيعي:
حاول متظاهرون ليبيون في فبراير 2012 اقتحام السفارة الإيرانية، وطالبوا بإغلاقها بسبب موقف إيران الداعم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وقد انتقد نشطاء ليبيون ضعف الحكومة الليبية في مواجهة محاولات التشيع في ليبيا، وأدانوا تشجيع الشبان الليبيين في بعض المناطق الشرقية والجنوبية من ليبيا على زيارة المدن الإيرانية، منها طهران وقم ومشهد، لدراسة المذهب الشيعي هناك مجانًا.