كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
المقدمة:
- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة التي ضمن الله لمن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).
- التشبه بالكفار من الكبائر العظام، والمنكرات الجسام، وقد جاء فيه الوعيد الشديد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، قال الطيبي -رحمه الله-: "هذا عام في الخَلق والخُلُق والشعار" (مرقاة المفاتيح)(1).
- المقصود بالتشبه: قال المناوي والعلقمي: "أَيْ: تَزَيَّى فِي ظَاهِره بِزِيِّهِمْ، وَسَارَ بِسِيرَتِهِمْ وَهَدْيهمْ فِي مَلْبَسهمْ وَبَعْض أَفْعَالهمْ".
- والتشبه بالكفار على قسمين:
- القسم الأول: التشبه المحرَّم: وهو فعل ما هو من خصائص دين الكفار مع علمه بذلك، ولم يرد في شرعنا.. فهذا محرّم، وقد يكون من الكبائر، بل إن بعضه يصير كفرًا بحسب الأدلة؛ سواء فعله الشخص موافقة للكفار، أو لشهوة، أو شبهة تخيل إليه أن فعله نافع في الدنيا والآخرة.
- القسم الثاني: التشبه الجائز: وهو فعل عمل ليس مأخوذًا عن الكفار في الأصل، لكن الكفار يفعلونه أيضًا؛ فهذا ليس فيه محذور المشابهة، لكن قد تفوت فيه منفعة المخالفة.
- وَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ سَيَتَشَبَّهُ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْأَعَاجِمِ، وَيَحْذُونَ حَذْوَهُمْ: قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ)، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ: (فَمَنْ؟) (متفق عليه)(2).
(1) وجوه النهي عن التشبه بالكفار:
أولًا: لأن التشبه بغير المسلمين قد يفضي إلى مصيرهم في الدنيا والآخرة: قال الله -تعالى-: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) (هود: 113)، وفي حديث أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- قال: إنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لمَّا خرَجَ إلى حنين، مَرَّ بشجرةٍ للمشركينَ يُقالُ لها: ذاتُ أَنْواطٍ، يُعلِّقونَ عليها أسلحتَهم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، اجعَلْ لنا ذاتَ أَنْواطٍ كما لهم ذاتُ أَنْواطٍ، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (سُبحانَ اللهِ! هذا كما قال قَومُ موسى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) (الأعراف: 138)، والذي نَفْسي بيدِه، لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَن كان قَبلَكم) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
ثانيًا: التشبه بهم ترك لآثار المهتدين "الأنبياء": قال -تعالى-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: 90).
ثالثًا: التشبه الظاهري قد يفضي إلى التوافق الباطني "القلبي": قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ -أي: إخوانهم-".
وقديمًا قيل:
عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فـَـكُـلُّ قـَرِيـنٍ بِـالـمُـقَـارِنِ يَـقـْـتَـدِي
رابعًا: المحافظة على الهوية الإسلامية والشخصية المتميزة: قال العلماء: ولو اتبع كل جيش من الصحابة -رضي الله عنهم- عادات أهل البلاد التي فتحوها وأزياءهم لذابت الشخصية المسلمة، لكن كان المسلمون على قلتهم يجذبون الأمم إلى اتباعهم حتى انتشر الإسلام ولغته سريعًا.
(2) المقصود بالهوية الإسلامية:
- الهوية الإسلامية هي: كل ما يميز المسلمين عن غيرهم من الأمم الأخرى، وقوام هويتهم هو (الإسلام وعقيدته وشريعته، وآدابه ولغته، وتاريخه وحضارته).
- لقد جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإسلام دينًا كاملًا: قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3).
- وأمر الله أهل الإسلام ألا يحيدوا عن طريقته، وأن يسألوا لزوم طريقته، وإلا ضلوا: قال -تعالى-: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (الفاتحة: 6، 7).
- وأمرهم أن يتميزوا عن الأمم الأخرى بمنهجهم وهويتهم الوسطية: قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143).
(3) محافظة النبي -صلى الله عليه وسلم- على الهوية الإسلامية:
- رفضه العروض القرشية لجعل قضية الدين خليط بين الإسلام والوثنية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (سورة الكافرون).
- رفضه -صلى الله عليه وسلم- فصل الدين عن الحياة: (العروض القرشية بأن يتعبد ويصوم في بيته، ولا يتعرض لحياتهم بتعاليم الإسلام).
- هجرته -صلى الله عليه وسلم- لإقامة المجتمع والشخصية ذات الهوية المتميزة: قال الله -تعالى-: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (العنكبوت: 56).
- بناؤه -صلى الله عليه وسلم- الشخصية المسلمة المتبرئة من الشرك وأهله وأحوالهم، والتحذير من مشابهتهم: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
- إمعانه -صلى الله عليه وسلم- في مخالفة الكفار والمشركين: فقد خالفهم -صلى الله عليه وسلم- في كل شيء يفضي إلى مشابهتهم حتى قالوا: "ما يُرِيدُ هذا الرَّجُلُ أنْ يَدَعَ مِن أمْرِنَا شيئًا إلَّا خَالَفَنَا فِيهِ" (رواه مسلم).
(4) صور من إمعانه في مخالفة الكفار:
- في العبادات: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَشَارَ النَّاسَ لِمَا يُهِمُّهُمْ إِلَى الصَّلَاةِ، فَذَكَرُوا الْبُوقَ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ، ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى، فَأُرِيَ النِّدَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَطَرَقَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِلَالًا بِهِ، فَأَذَّنَ" (رواه ابن ماجه، وقال الألباني: "ضعيف وبعضه صحيح")، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
- في السلوك والمظاهر الاجتماعية: عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ وَلا بِالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ اليَهُودِ الإِشَارَةُ بِالأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الإِشَارَةُ بِالأَكُفِّ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وكان -صلى الله عليه وسلم- يؤاكل ويشارب ويباشر زوجته وهى حائض، خلافًا لليهود.
- في الهيئة والصورة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (غَيِّروا الشَّيبَ ولا تَشبَّهوا باليَهودِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال: (خَالِفُوا المُشْرِكِينَ؛ وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ) (متفق عليه)، وقال: (البَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
(5) محافظة السلف على الهوية الإسلامية والبراءة من مظاهر التشبه بغير المسلمين:
- في الزي واللباس: عن أبي عثمان قال: "كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ: يَا عُتْبَةُ بْنَ فَرْقَدٍ... َأَشْبِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي رِحَالِهِمْ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ" (رواه مسلم).
- في قص شعورهم: دخل ناس على أنس بن مالك ومعهم غلام له قرنان أو قصتان، فمسح برأسه وبرَّك عليه، وقال: "احْلِقُوا هَذَيْنِ أَوْ قُصُّوهُمَا، فَإِنَّ هَذَا زِيُّ الْيَهُودِ" (رواه أبو داود، وضعفه الألباني).
- في المشاركة في حفلاتهم وأعيادهم: قال عمر -رضي الله عنه-: "لا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ" (رواه البيهقي بإسنادٍ صحيحٍ).
- في لغتهم وكلامهم، والمحافظة على لغة القرآن: قال عمر -رضي الله عنه-: "لا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الأَعَاجِمِ" (رواه البيهقي بإسناد صحيح)(3).
خاتمة:
- يا أبناء الإسلام.. مَن أراد التشبه فدونه نماذج مشرقةً من أهل الإسلام في كلِّ المجالات، ومن أراد الاقتداء؛ فلديه تاريخ مليء بالقدوات، وشرع اللّه خير من تتبُّع الموضات، والتشعب في اختيار القدوات، وإرضاء اللّه أولى من إرضاء النّفس والخلق: قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3)، وقال -سبحانه-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21).
- كيف يليق بالمؤمنين الذين أعزَّهم الله بهذا الإسلام، ورفعهم به فوق الأنام، أن يقلدوا الكفار ويتشبهوا بهم؟ كيف يتشبَّه العالي بالسافل؟! كيف يتشبه الصاعد بالنازل؟!: قال -تعالى-: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) (هود: 113)، وقال -تعالى-: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر: 19)، وقال -تعالى-: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طـه: 131).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذ أعداءك أعداء الدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصراط المستقيم: "وقد احتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث، وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، كما في قوله: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (المائدة: 51)، وهو نظير قول عبد اللّه بن عمرو أنه قال: من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبَّه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة، فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي يشابههم فيه، فإن كان كفرًا أو معصية أو شعارًا لها كان حكمه كذلك" (انتهى).
(2) الإشارة إلى بطلان تلك الدعوات التي يتبناها العالمانيون وأضرابهم ممن يتسمون بأسماء المسلمين، بأن التقدم والتطور لن يكون إلا بأخذ كل ما عليه غير المسلمين، في الدين والسلوك، والتاريخ والأدب، وغيره. وهناك بعض الصور التي يكثر التشبه بهم فيها في أوساط المسلمين:
منها: التشبه بهم في أعيادهم ومناسباتهم الدينية والدنيوية، وهي ممّا تساهل فيها كثير من أبناء الإسلام، فترى كثيرًا منهم يسارعون في الاحتفال معهم، وتهنئتهم، وحضور محافلهم، بل انتقلت هذه المناسبات والأعياد الوطنية والقومية إلى بلدان المسلمين، وأصبحت تضاهي الأعياد الشرعية وتفوقها فرحًا وإعدادًا.
ومنها: التشبه بهم في المظهر والزينة، وهذا ما عمَّت بلواه حتى فاحت منه رائحة أزكمت أنوف الغيورين على دينهم وأمتهم، فوصل نتنها إلى بيوت المسلمين، واستهدف به شباب وشابات الإسلام، وإذا أردت معرفة هذه البلوى فانظر في أسواقنا ومجتمعاتنا؛ سترى شبابًا عليهم ملابس ضيقة، أو شفَّافة، وأخرى مشقَّقة، ثم ارجع البصر كرتين في ملامحهم فسترى أصابع تختَّمت بالذهب، وأعناقًا تزيَّنت بالسلاسل والقلائد، ومعاصم أحاطت بها أساور متنوعة، ولحًى أصبحت خطوطًا وطرائق قددًا، ورؤوسًا تعلوها قصّات شعر غريبة، وتسريحات عجيبة.
ثم أكمل طريق نظرك فستلاقي آخرين امتلأت بهم الطّرقات؛ أصواتهم صاخبة، وأيديهم فيها سلاسل مربوطة بأعناق كلاب قد اصطحبوها، تنام معهم حيث ينامون، وتأكل معهم مما يأكلون! ثم التفت في زاوية أخرى فسترى رجالًا نافسوا النّساء، فلم تعد تجد فوارق بينهم؛ تشابهت سماتهم، وتقاربت ملامحهم، وامتزجت ملابسهم، وهذا أمر تجده في أغلب مجتمعاتنا العربية المسلمة!
ومن صور التشبه: ما ابتليت به كثيرات من بنات الإسلام من التشبه بالكافرات، فيضاهين ملابسهن وزيهن، حيث لبسن إلى نصف الساق، وظهرت منهن أذرع ونحور، وبانت وجوه وصدور. وإذا لبسن فملابس ضيقة، للجسم واصفة، وأخرى شفافة، للمفاتن كاشفة. يمشين في الأسواق برؤوس كأسنمة البخت، وعيون كسهام صيد، وروائح تملأ أرجاء الطريق، ومشية متكسرة تكاد تخطف الأبصار. كلُّ هذه الأمور وأشد منها إنما وصلتنا بتقليدنا للكافرين، واقتفاء خطاهم حذو القذّة بالقذّة، فرموا إلينا مخلّفات حضارتهم فتشربناها، وتركنا الاستفادة من العلم والتكنولوجيا التي سبقونا بها ويا للأسف!
(3) المقصود بذلك اعتياد الخطاب بغير العربية حتى يصير ذلك عادة للبلد وأهله.