الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 23 مايو 2024 - 15 ذو القعدة 1445هـ

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (164) دعوة غيَّرت وجه الأرض (11)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ . رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ . رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ . الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ . رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (إبراهيم: 35-41).

الفائدة الثالثة عشرة:

من أدلة خلق الله لأفعال العباد التي دَلَّ عليه قوله -تعالى- في هذه الآيات: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)، قوله -تعالى- عن إسحاق ويعقوب -عليهما الصلاة والسلام-: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ‌يَهْدُونَ ‌بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 73)، فالله الذي وفَّقهم للعلم والعمل والدعوة، فجعلهم أئمة في هداية الناس، وهم في أنفسهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، عابدين لله -سبحانه-، فهم يعبدون الله ويهدون بأمره الشرعي، ويعلمون الناس ما يلزمهم، ولا يكون العبد إمام هدى إلا بأن يعلم الحق ثم يعمل به ثم يدعو الناس إليه ويصبر على ذلك، وكل ذلك بجعل الله له حتى يوفقه فيفعل ذلك.

وقال -تعالى-: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ‌نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ) (الأنبياء: 72) -ونافلة أي: ابن الابن-، فالصلاح فعل العبد والله -عز وجل- جعله صالحًا.

وقال -تعالى-: (‌وَجَعَلْنَا ‌بَعْضَكُمْ ‌لِبَعْضٍ ‌فِتْنَةً ‌أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) (الفرقان: 20)؛ فالذي قدَّر وجود الفتنة والامتحان، وجعل للرسل وأتباعهم المؤمنين أعداءً لهم يتسلطون على أذيتهم، ويحاولون صرفهم عن دينهم وفتنتهم، وجعل لأهل السنة أعداء من أهل البدع والضلال والزندقة؛ يمكرون بالليل والنهار لصرف الناس إلى باطلهم، ويحاولون نشر بدعهم وزندقتهم، وينفقون الأموال ليصدوا عن سبيل الله، ويضلوا الناس، وربما جعل لهم قوةً في الدنيا وسلطانًا على الناس؛ يمتحن بذلك عباده المؤمنين في الصبر والثبات على الحق ليضاعف لهم الأجر والثواب: (إِنَّمَا ‌يُوَفَّى ‌الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر: 10)، فما جعل الله فترة الإحراق إلا ليضاعف للصابرين فيها أضعاف أضعاف الأجر في فترة الإشراق.

وقال -سبحانه وتعالى- عن موسى -عليه السلام-: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا ‌اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) (يونس: 88).

فلا تبتئسوا أيها المؤمنون بما يفعله أعداء الدين من غطرسة وطغيان، وسفك للدماء وانتهاك للحرمات، ونشر للضلالات، ومنها ما يسمونه: "الدين الإبراهيمي الجديد"، والذي ما أنزل الله به من سلطان.

ومن ذلك: القول بمساواة الأديان.

ومن ذلك: الطعن في الكتاب؛ بادِّعاء أنه حمَّال أوجه فلا يصح أن يُحتج به؛ لأنه يفهم على أمزجتهم!

ولا السنة؛ لأنها عندهم أخبار آحاد فلا تقوم بها حجة!

ولا الإجماع؛ لأنه عندهم آراء رجال كانوا قد عاشوا في وقت يختلف عن زماننا، أو بالطعن فيهم كما طعنوا في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ كل ذلك لهدم الدين!

فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي قدَّر ذلك، هو العزيز العليم؛ قدَّر ذلك لينظر: كيف نصبر، كيف نقاوم، كيف ننصر دينه بالحجة والبيان، والقوة والسنان حتى يأتي أمر الله، وهو -سبحانه- ناصر دينه، وجاعل أنصاره فوق الذين كفروا يوم القيامة.

وقال تعالى عن فرعون وملئه: (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ ‌مِنَ ‌الْمَقْبُوحِينَ) (القصص: 42)، فهو -سبحانه- كما جعل الأنبياء والمؤمنين أئمة يهدون بأمره، فهو كذلك جعل فرعون وملئه أئمة ضلال يدعون إلى النار بطريقتهم وسلوكهم، كما أضلوا في الدنيا مَن كتب الله عليهم الضلالة من أقوامهم حتى أغرقهم الله وراءهم في اليم، فهم من بعد موتهم أيضًا يدعون إلى النار؛ بدعوتهم بسلوكهم وعملهم إلى الكفر، فقد جعلهم الله أسوة لأهل الطغيان والجبروت، يفعلون ما فعلوا، ويظلمون كما ظلموا، وأتبعهم -عز وجل- في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة هم من المقبوحين.

وليس كما يقول الزنادقة الكفار: إن فرعون مات طاهرًا مطهَّرًا! كما لم يستحي ابن عربي أن يكتبه في فصوصه، ويوافقه زنادقة زماننا، فيقولون: إن هذا رأي لبعض العلماء! وما هو إلا بقول الزنادقة؛ يزعمون أن فرعون قد تاب قبل موته وقبل الغرغرة، ومن أين لهم ذلك؟ وقد قال -عز وجل- في ردِّ ما يزعم من إيمانه: (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ ‌لَمَّا ‌رَأَوْا ‌بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) (غافر: 85)، وقال -سبحانه وتعالى-: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ‌وَكُنْتَ ‌مِنَ ‌الْمُفْسِدِينَ) (يونس: 91)، ففرعون إمام يدعو إلى الضلالة؛ فكيف يكون طاهرًا مطهَّرًا؟!

وقال -سبحانه وتعالى-: (يَقْدُمُ ‌قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ . وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (هود: 98، 99)، وقال -تعالى-: (‌وَحَاقَ ‌بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ . النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر: 45، 46)؛ فكيف يكون مات طاهرًا مطهرًا؟! اللهم إنا نبرأ إليك من الكفر والضلال.

وكل ذلك بحكمة الله -عز وجل- وتقديره؛ ينظر كيف يقاوم أهلُ الحق أهلَ الزندقة والبدع والضلال، أهل النفاق والكفر، نعوذ بالله من شرِّهم.