كتبه/ أحمد شهاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمع العمل بالشرع، ومع الأخذ بأسباب التمكين والنصر، علينا -أيضًا- أن نستحضر: أن كلَّ ما أصاب المؤمنين من ابتلاءات ومحن فبإذن اللَّهِ الكوني القدري، قال الله -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 166). وقال -تعالى-: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ . سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ . وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) (محمد: 4-6).
وإن مما يثبِّت المؤمنين في لحظات الشدائد: استحضار اطلاع الله عليهم وعلمه بحالهم، ففي قصة أصحاب الأخدود تجد الطغاة يحرقون المؤمنين، فلما كانوا (عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) قال الله: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (البروج: 7-9)؛ فتأمل أثر استحضار اسم الله الشهيد في مثل هذه المواقف الصعبة!
فيطمئن المؤمن بأن: (سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) (النجم: 40-41)، ويثق بوعد الله: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).
فالمؤمنون (لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة: 120-121).
فلا بد أن تتعلق القلوب بالله وحده؛ فمَن الذي سمع كلمات يونس في بطن الحوت؟
ومَن كان مع إبراهيم في النار؟
ومَن كان مع ابنه الرضيع إسماعيل وأمه في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء؟
ومن كان مع يوسف وقت أن كان في البئر ثم في قصر امرأة العزيز وهي تراوده عن نفسه؟
ثم من كان معه وهو في السجن؟
من كان مع أصحاب الكهف في كهفهم لما أووا إلى ربهم؟
من كان مع الرضيع موسى في اليم؟
ومن سمعه وقت فراره من فرعون وحزبه داعيًا: (عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) (القصص: 22)، ثم لما قال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص: 24)؟
ومن كان معه وهو بين فرعون والبحر؟
من كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طفلًا يتيمًا ثم رسولًا مهاجرًا إذ أخرجه قومه؟
ثم من كان معه في الغار؟
من الذي كَفَّ أيدي الكفار والمؤمنين في الحديبية؟
إنه الشهيد الحفيظ الرقيب الخبير العليم؛ معنا يسمع ويرى، وهو أعلم بنا من أنفسنا؛ لذا يَصدُق توكُلهم على ربهم كما قالوا: (وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا) (الأعراف: 89)، فتأمل ذلك الربط بين التوكل وسعة علم الله -سبحانه وتعالى-، فعِلْم الله طمأنةٌ للطائع والعابد والمجاهد أن الله يراه ويسمعه، وسيجزيه الجزاء الأوفى، وسيكفيه أعداءه: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا) (النساء: 45)، فمَن (كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (العنكبوت: 5).
وتحذيرٌ للمنافق والمجرم والكافر والفاجر: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (العلق: 14)، (هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (الأحقاف:8)، (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد: 42)؛ ولذلك لا تستعجل: (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا) (الكهف: 58)، فالله ذو العرش المجيد فعَّال لما يريد، وهو من وراء الكفار والمجرمين محيط، (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ . مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) (إبراهيم: 42-43).
فاللهم انصر إخواننا المستضعفين في كلِّ مكان، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبِّت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.