الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (138) بشرى الملائكة لإبراهيم بإسحاق -صلى الله عليهما وسلم- وبهلاك قوم لوط وجداله فيه (5)
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود: 69-76).
الفائدة الخامسة:
قوله -تعالى-: (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً): دليل على جواز وقوع الخوف الفطري الطبيعي من الأنبياء، وبالأولى الصالحين، لكنه لا يستقر في القلوب، ولا يترتب عليه ترك واجب ولا فعل محرم، ويندفع بالتوكل، وباستحضار الخوف من الله وحده، وفي الحديث الصحيح عن أبي موسى -رضي الله عنه-: أَنَّ -النَّبِيَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا، قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
فاللهم إنا نعيذ بك أهل غزة وأهل فلسطين من شرور اليهود المجرمين، ومَن والاهم، ونجعلك في نحورهم.
الفائدة السادسة:
في قوله -تعالى- عن الملائكة: (قَالُوا لَا تَخَفْ) فيه المبادرة إلى طمأنة المسلم وإزالة روعته، وإذا كان لا يجوز أخذ متاعه ولو لاعبًا، ولا أن يشير إليه بسلاح ولو مازحًا من أجل روعة المسلم، فكذلك لا بد من سرعة إزالة الخوف والروع وبث الطمأنينة في نفوس المسلمين، عكس ما يفعله المنافقون الذين قالوا: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ) (الأنفال: 49)، وقالوا: يوشك هؤلاء أن يُقرَنوا بالحِبَال! وكذا يَفْعَل إخوانهم من المنافقين في كل زمان ممَّن ينشر شائعات الفزع والرعب بين المسلمين، من امتلاك الأعداء للقوى الخارقة التي لا تُقهر؛ مما يحبط الناس، ويثير الهلع عندهم. فاللهم ثبِّت قلوب المسلمين في فلسطين وغزة وفي كل مكان، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم وانصرهم على عدوك وعدوهم.
الفائدة السابعة:
في قوله -تعالى- عن الملائكة: (إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ): البشارة بهلاك القوم المجرمين قوم لوط الذين أتوا بالفاحشة التي لم يسبقهم بها أحدٌ من العالمين، ولا شك أن هذا مما يسعد المؤمنين ويفرحهم؛ ولذلك فرحت سارة -رضي الله عنها- بذلك، فضحكت، كما ضحكت سرورًا بأمن زوجها -عليه الصلاة والسلام- بعد خوفه.
ولا شك أن المؤمن يفرح بهلاك الظالمين الذين لم تظهر بوادر توبتهم، وازدادوا عتوًّا وعلوًّا في الأرض وإفسادًا فيها، فالغرب المفسد في قضية اللواط والسحاق زاد على قوم لوط؛ فقد كان قوم لوط يأتون الفاحشة وهم يبصرون.
وأما هؤلاء: فإنهم يأتون الفاحشة والعَالَم يبصر، وقوم لوط إنما كانوا يريدون أن يفعلوا الفاحشة في بلادهم، فزاد هؤلاء المجرمون بالرغبة في نشر الفاحشة في العالم كلِّه، وتقنينها بما يسمونه: زواج المثليين! وإرغام الدول على قبول فكرهم الخبيث بالسياسة والاقتصاد، والترغيب والترهيب؛ فقد قَرُب -بإذن الله- هلاكهم وتدميرهم؛ لإفسادهم في الأرض بهذا، وما هو أعظم منه مِن الكفر والإلحاد، ومحاربة الإسلام وأهله، والرضا بإبادة المسلمين؛ رغم طنطنتهم على حقوق الإنسان، التي نسوها تمامًا أيامنا هذه، وليس لنا إلا الله ناصرًا ومعينًا، وكفى بالله وليًّا، وكفى بالله نصيرًا، ولتعلمن نبأه بعد حين.