الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالقتل بدون حق جريمة شنعاء؛ ولذلك قال الله -تعالى-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: 32).
ومع هذا فاليهود ليسوا فقط يتساهلون بقتل النفس التي حَرَّم الله قتلها، ولكنهم يقتلون نفوسًا لها حرمة خاصة، فعُرِفوا عبر تاريخهم بأنهم قتلة الأنبياء، وكان من آخر هذا تحريضهم الرومان على قتل عيسى -عليه السلام-؛ إلا أن الله أنجاه من أيديهم ورفعه إليه.
وفي العصر الحديث تكوَّن كيانهم الغاصب عبر جرائم قتل العزل وقصف مدارس الأطفال وتدمير المستشفيات؛ فجريمة مدرسة "بحر البقر" ومخيمات "صابرا وشاتيلا"، ثم كانت جريمة يوم السابع عشر من أكتوبر الجاري بقصف "المستشفى المعمداني" في جنوب غزة.
ومع ذلك فالعالَم الذي يعتبر نفسه "عالَمًا إنسانيًّا"، بل يدَّعي لنفسه السبق في الدفاع عن حقوق الإنسان، يؤيد ذلك الكيان الصهيوني حتى في هذه الجريمة الشنعاء! وقد يبدو هذا غريبًا ومحيِّرًا لأي متأمل، ولكننا لم نفاجأ بكراهيتهم جميعا لنا؛ فقد قال الله -تعالى-: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (البقرة: 120)، وقال: (قدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ? قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ? إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران: 118).
فقط نحن ظننا أن بعضهم لديه شيء من حمرة الخجل؛ فإذا رفع شعارًا سيخجل أن يخالفه جهارًا نهارًا! ظننا أن بعضهم لديه شيء من العقل؛ يعلم أن أمة الاثنين مليار مسلم لا يمكن أن يُستهَان بها مهما بدا أنهم من الضعف بمكان.
ونحن لم نفاجأ باتحادهم علينا رغم تسفيه كل طرف لعقيدة الآخر: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة: 113)، لكنهم يتداعون علينا تداعي الأكلة إلى قصعتها، كما قال النبي -صلى الله عليه و سلم-، ولكننا في الوقت ذاته نعلم أيضًا أنهم كما وصفهم الله -تعالى-: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (الحشر: 14).
فها هي إسرائيل أقدمت على ضرب المستشفى المعمداني، وهو مملوك للكنيسة الإنجيلية في القدس، وأحفاد قادة الحروب الصليبية غضوا الطرف عن مستشفى كنيستهم، وما زالوا يناصرونهم إمعانًا في العداء لأمة الإسلام، ورغبة في أن يستمر هذا الكيان نائبًا عنهم في حرب أمة الإسلام.
فلتعربد إسرائيل وليمدها الغرب، فنحن نقول لكلِّ هؤلاء: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ . إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ . وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ . ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ . فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ . هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ . فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ . بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ . وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ . بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) (البروج: 12-22).
وإلى قادة العالم الإسلامي... لا تثقوا في مواثيق دولية، ولا في عهود، ولا في معسول كلام؛ هذا العَالَم لا يعترف إلا بالقوة، والعالم الإسلامي يمتلك أسبابًا كثيرة للقوة وبعضها في أيدي الشعوب، ومعظمها لا يمكن توظيفه إلا من خلال الحكومات.
فيا قادة العالم الإسلامي... أين توظيف قوتكم الاقتصادية؛ سواء الثروات التي تملكونها أو أسواقكم التي تملكون توجيهها أمام مَن تُفتح وأمام مَن تُغلق؟!
أين التحرك الدولي مع القلة المتعاطفة معنا مِن دول أو أفراد في الدول المتواطئة مع الكيان الصهيوني الغاصب؟!
أين الإعلام؟!
هل يتصور أن الإعلام الصهيوني الذي أقام احتفالات في الساعات الأولى لقصف المستشفى قد عاد ليقول: إن صاروخًا فلسطينيًّا ضَلَّ مساره فأصابها؟!
نحن في جعبتنا الكثير؛ سواء الدول التي ترتبط بمعاهدات سلام مع هذا الكيان الغاصب، ومن باب أولى الدول التي لم ترتبط بعد بأية اتفاقية، ونظن أنه قد آن الأوان لتشطب كلمة "اتفاقيات السلام" من قاموس العرب في تعاملهم مع الكيان الصهيوني؛ لأن هذا الكيان يريد أن يطرد العرب من ديارهم دارًا دارًا، حتى تقام دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، آخذة معها مكة والمدينة، ومَن يدري لو تم له هذا ما الذي يمنعه من أن يأكل كل بلاد المسلمين حرفيًّا، وبإذن الله لن يتم ذلك ما بقي في الأمة تلك النماذج البطولية التي يقدِّمها أهل فلسطين كل يوم.
إن أهل غزة الآن وهم يرفضون ترك ديارهم يحمون كل بلاد المسلمين؛ فلا يجوز قط أن يُترَكوا وحدهم.
أخي المسلم في كل مكان... أخوك الفلسطيني قد حَمَل سلاحه وخاض المعركة، وأنت أرسلت له المساعدات فأوقفتها العصابات الصهيونية بكلِّ صَلَف ووقاحة على أبواب المعبر، فاحمل سلاحك -نعني به سلاح الدعاء- وقم ووجِّه سهام الدعاء عليهم.
"اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس".
"اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم".
الدعوة السلفية بمصر
الأربعاء 3 ربيع الآخر 1445هـ
18 أكتوبر 2023م