الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 30 نوفمبر 2022 - 6 جمادى الأولى 1444هـ

الوصايا النبوية (12) اجتنبوا السبع الموبقات (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الإشارة إلى فضل الوصايا النبوية (مقدمة الخطبة الأولى).

- وصية اليوم: عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ)، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: (الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ) (متفق عليه).

- الإشارة إلى سبب تسميتها موبقات: قال المهلب: "سُميت بذلك؛ لأنها سبب لإهلاك مرتكبها"، قال الحافظ: "الموبقة هي الكبيرة" (فتح الباري).

أول وأعظم المهلكات: الشرك بالله:

- الشرك بالله تبديل للفطرة وجحود لنعم الله؛ ولذا فهو أكبر الكبائر: ففي الحديث في قصة يحيى بن زكريا -عليهما السلام- أنه قال لبني اسرائيل: (وإنَّ مَثلَ مَن أشرَك باللهِ كمثَلِ رجلٍ اشترى عبدًا مِن خالصِ مالِه بذهَبٍ أو ورِقٍ، فقال: هذه داري وهذا عمَلي، فاعمَلْ وأدِّ إليَّ، فكان يعمَلُ ويُؤدِّي إلى غيرِ سيِّدِه؛ فأيُّكم يَرْضَى أن يكونَ عَبْدُه كَذَلِك؟!) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- والشرك بالله عاقبته الخلود في النار: قال -تعالى-: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) (المائدة: 72).

- من مظاهر الشرك في حياة المسلمين:

1- اعتقاد أن غير الله من الأولياء والصالحين والأنبياء والملائكة يدبرون الأمر! (الشيعة مع أئمتهم - الصوفية مع الأولياء).

2- اعتقاد البعض الحرية في قبول الشرع أو رفضه! (العلمانيون - الليبراليون - ... ).

3- دعاء غير الله من الأموات وأصحاب الأضرحة، وسؤالهم الحاجات وتفريج الكربات!

4- الذبح والنذر لغير الله!

5- إتيان الكهان والعرافين وتصديقهم!

6- تعليق التمائم على البيوت والسيارات ونحوها، اعتقادًا لجلبها النفع أو دفعها الضر!

المهلكة الثانية: السحر(1):

- السحر كفر بالله -عز وجل-؛ لأن الساحر يوهم الناس أنه قادر على النفع والضر بما يتسبب فيه بسحره: قال -تعالى-: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة:102).

- السحرة لا يتوصلون إلى سحرهم إلا بالكفر والأقوال والأفعال الشنيعة: قال ابن تيمية -رحمه الله-: "يكتبون كلام الله بالنجاسة(2)، وقد يقلبون حروف كلام الله -عز وجل-، إما حروف الفاتحة، وإما حروف (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الصمد:1)، وإما غيرهما، ويذكر أنهم قد يكتبون كلام الله بالدم أو بغيره من النجاسات، وقد يكتبون غير ذلك مما يرضاه الشيطان، أو يتكلمون بذلك" (مجموع الفتاوى).

- ولذا كان إتيان السحرة خطر شديد على عقيدة المسلم وإيمانه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً) (رواه مسلم).

المهلكة الثالثة: قتل النفس التي حَرَّم الله:

- قتل النفس يضيق على العبد أمره في الدنيا والآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) (رواه البخاري)، وعَنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ قالَ: "إنَّ مِن ورَطَاتِ الأُمُورِ الَّتي لا مَخْرَجَ لِمَن أوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بغيرِ حِلِّهِ"(رواه البخاري).

- لقد تبرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ممَّن يقتل المسلمين: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن حَمَلَ عليْنا السِّلاحَ فليسَ مِنَّا) (متفق عليه).

- دماء المسلمين أشرف الدماء، ولو استهان بها الفجار: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لو أنَّ أَهلَ السَّماءِ وأَهلَ الأرضِ اشترَكوا في دمِ مؤمنٍ لأَكبَّهمُ اللَّهُ في النَّارِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وعن نافع قال: "نظرَ ابنُ عُمرَ يومًا إلى الكعبةِ فقال: ما أعظَمَكِ! وما أعظَمَ حُرْمَتَك! والمؤمِنُ أعظمُ حُرْمةً عند اللهِ مِنْكِ" (رواه الترمذي وابن حبان، وقال الألباني: "حسن صحيح").

المهلكة الرابعة: أكل الربا:

- جريمة الربا حرب مباشرة مع الله ورسوله، نتيجتها محسومة خاسرة: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) (البقرة: 278-279).

- المتعامل بالربا متوعد بالوعيد الشديد في الدنيا والآخرة: عن جابر -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: لعنَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آكلَ الرِّبا وموكلَهُ وشاهديْهِ وَكاتبَه، وقال: (هُمْ سَوَاءٌ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الربا ثلاثةٌ وسبعونَ بابًا، وأيسرُها مثلُ أنْ ينكِحَ الرجلُ أمَّهُ، و إِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عرضُ الرَّجُلِ المُسْلِمِ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وفي حديث الاسراء الطويل: (وأَمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيْتَ عليه يَسْبَحُ في النَّهَرِ ويُلْقَمُ الحَجَرَ، فإنَّه آكِلُ الرِّبَا) (متفق عليه).

- المتعامل بالربا متوعد بذهاب بركة المال، وحلول الخراب والوبال(3): قال -تعالى-: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا) (البقرة: 276).

المهلكة الخامسة: أكل مال اليتيم:

- فقد الأب في الصغر يكسر قلب الصغير، ويضعفه بين الناس؛ ولذا جاء التحذير من إيذائه: قال -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) (الضحى: 9)، وقال: (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (الفجر: 17)، وقال عن الكافر: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (الماعون: 2).

- وأوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- باليتيم والإحسان إليه: قال -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهمَّ إنِّي أحرِّجُ حقَّ الضَّعيفينِ: اليتيمِ، والمرأَةِ) (رواه ابن ماجه، والنسائي في السنن الكبرى، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا) (متفق عليه).

- فكيف بمَن يأخذ ماله أو يتلفه (كحال بعض الورثة - أو بعض الأولياء - أو غيرهم)؟! قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (النساء: 10)، وقال: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) (الإسراء: 34).

المهلكة السادسة: التولي يوم الزحف(4):

- الفرار من ميدان الجهاد من الكبائر العظام؛ لما له من أثر سيئ على الصف المسلم: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ . وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ) (الأنفال: 15-16)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال: 45).

- فلا يجوز الانسحاب إلا لمصلحة شرعية بأمر أمير الجيش: قال -تعالى-: (إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلى فِئَةٍ) (الأنفال: 16)، ومن ذلك فعل خالد بن الوليد -رضي الله عنه- يوم مؤتة؛ لما رأى من خطر البقاء على المسلمين، وقد أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على فعله فقال: (حتَّى أخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ، حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليهم) (رواه البخاري).

المهلكة السابعة: قذف المحصنات الغافلات(5):

- قذف الأعراض بغير بينة من الكبائر العظام لما له من أثر سيئ في إفساد المجتمع المسلم؛ ولذلك شرع حد القذف: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ? وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 4)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور: 23).

- الحذر الحذر مما شاع بين كثيرٍ من الجهلة وأصحاب الألسنة البذيئة من سب وقذف الناس: قال -تعالى-: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور: 15).

خاتمة:

- تذكير بالوصية بالإشارة إلى خطر الوقوع في ذلك بإجمال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال ابن قدامة -رحمه الله- في الكافي: "السحر عزائم ورقى وعُقَد تؤثِّر في الأبدان والقلوب، فيمرض ويقتل، ويفرِّق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه، قال الله -تعالى-: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) (البقرة: 102)" (نقلًا عن فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، باب ما جاء في السحر).

(2) كدم الحيض أو المني، أو غيرهما.

(3) اسألوا عنابر السجون الممتلئة بمَن عجزوا عن سداد الديون الربوية.

(4) التولي يوم الزحف: الانسحاب أثناء المعركة دون سبب مشروع، وهو يتضمن مفسدتين: الأولى: كسر قلوب المسلمين. والثانية: تقوية الكفار على المسلمين.

(5) بأن يقول: هي زانية، وما أشبه ذلك. ومثله أن يقول عن رجل عفيف: هو زان، أو نحو ذلك.