كتبه/ زين العابدين كامل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد سبق أن ذكرنا في مقالات سابقة: أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما هو الأموي الذي نال الحظ الأوفر من السبِّ والطعن، والتشويه والافتراء والظلم، وأن الذي ساعد على ذلك: انتشار كثيرٍ مِن المرويات التاريخية الضعيفة أو المكذوبة عليه، وسلطنا الضوءَ على الجهود والإنجازات التي حققها معاوية رضي الله عنه في حياته خدمة للأمة المسلمة؛ سواء ما كان في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، أو خلال مدة خلافته رضي الله عنه.
وفي هذا المقال نلقي الضوء على فضائل معاوية، وثناء الصحابة والعلماء عليه.
معاوية بن أبي سفيان هو خال المؤمنين:
أطلق بعض أهل العلم لقب: "خال المؤمنين" على معاوية؛ باعتبار أن أخته هي أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد سُئِل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن إطلاق هذا اللقب على معاوية وابن عمر رضي الله عنهم، فأجاب: "نعم، معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وعن هارون بن عبد الله أنه قال لأبي عبد الله -أحمد بن حنبل-: جاءني كتاب من "الرَّقَّةِ" أن قومًا قالوا: لا نقول معاوية خال المؤمنين، فغضب، وقال: ما اعتراضهم في هذا الموضع؟ يُجْفَوْن حتى يتوبوا" (السُّنَّة للخلال).
ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على معاوية رضي الله عنه ودعاؤه له:
جاء في فضائل معاوية رضي الله عنه أنه لما تولَّى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه؛ فقالوا: كيف يتولى معاوية وفي الناس مَن هو خير منه، مثل: الحسن والحسين؟! فقال عبد الرحمن بن أبي عُميرة: لا تذكروه إلا بخير، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اجعله هاديًا مهديًا وَاهْدِ به" (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، أي: هَادِيًا لِلنَّاسِ أَوْ دَالًّا عَلَى الْخَيْرِ، ومَهْدِيًّا أَيْ: مُهْتَدِيًا فِي نَفْسِهِ. وثَبَتَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دعا لمعاوية فقال: "اللهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ، وقِهِ الْعَذَابَ" (رواه الطبراني، وصححه الألباني بشواهده).
وقد كان لمعاوية رضي الله عنه، شرف قيادة أول حملة بحرية، وهي التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم بالملوك على الأَسِرَّة؛ فقد روى البخاري في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حَرَامٍ بنْت مِلْحَانَ قالت: "نام النبي صلى الله عليه وسلم يومًا قريبًا مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحكك؟ قال: أناس مِن أمتي عُرِضوا عليَّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأَسِرَّة، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من الأولين، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية رضي الله عنه، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام، فَقُرِّبَت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت".
قال ابن حجر معلِّقًا على رؤيا رسول الله صلى الله عليه سلم: "قوله: (ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة ... ) يشعر بأن ضحكه كان إعجابًا بهم، فرحًا لما رأى لهم مِن المنزلة الرفيعة".
وأخرج البخاري أيضًا من طريق أم حَرَامٍ بنْت مِلْحَانَ رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنتِ فيهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر -أي: القسطنطينية- مغفور لهم، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا". ومعنى أوجبوا: أي: فعلوا فعلًا وجبت لهم به الجنة.
قال ابن حجر في الفتح: "ومِن المتفق عليه بين المؤرخين: أن غزو البحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة 27 هـ في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه".
وللحديث بقية إن شاء الله.