كتبه/ زين العابدين كامل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلا شك أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، هو الأموي الذي ناله الحظ الأوفر من السبِّ والطعن والتشويه، والافتراء والظلم، وقد ساعد على ذلك انتشار كثيرٍ من المرويات التاريخية الضعيفة أو المكذوبة على معاوية بن أبي سفيان، وقد غفل كثير من الناس عن الجهود والإنجازات التي حققها معاوية في حياته خدمة للأمة المسلمة؛ ولذا كان من الأهمية بمكان أن نسلِّط الضوء على بعض ما حققه الصحابي الجليل معاوية من الإنجازات.
ما أكثر الفتوحات والإنجازات التي تمت في عهد عثمان بن عفان على يد معاوية رضي الله عنهما، ثم ما أكثر الفتوحات التي كانت في خلافته!
إن استئناف حركة الجهاد في عهد معاوية رضى الله عنه لم تكن وليدة لحظة، بل بدأها في زمن ولايته على بلاد الشام، وهي جبهة واسعة من جبهات الجهاد، ومعاوية مجاهد موفَّق في البرِّ والبحر منذ عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وكان له فتوحاته الكبرى في الساحل الشمالي للشام، وكان له الفضل كذلك في تأسيس البحرية الإسلامية، وهزيمة الروم في البحر، وانتزاع السيادة منهم لأول مرة في تاريخ المسلمين.
وكان معاوية رضي الله عنه يرى أن الخطر الأكبر من وجهة نظره الدولة البيزنطية، وأنها وإن كانت قد خسرت أهم أقاليمها في الشام ومصر؛ إلا أن عاصمتها القسطنطينية لا زالت باقية، وممتلكاتها في آسيا الصغرى وأوروبا وشمال إفريقيا لا زالت شاسعة؛ فبعد أن استقر الأمر لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41 هـ خليفة للمسلمين باشر في تطوير الأسطول البحري ليكون قادرًا على دك معاقل القسطنطينية عاصمة الروم ومبعث العدوان والخطر الدائم ضد المسلمين.
وبدأ الخليفة نشاطه البحري بإرسال حملات بحرية استطلاعية منها حملة فضالة بن عبيد الأنصاري، للوقوف على تحركات الروم، وكان يرسل الحملات في الشتاء والصيف، وكان يضغط على الدولة البيزنطية من خلال الضغط على عاصمتها القسطنطينية.
وعمل معاوية على تقوية الثغور البحرية في مصر والشام؛ فقد آثر أن يحصِّن المدن الساحلية ويزودها بالقوات المجاهدة بما يجعلها قواعد تنقل منها الجنود بحرًا إلى أي مكان يشاء.
ووضع لهذه المدن نظامًا عُرِف بالرباط، وهو ما يقصد به الأماكن التي تتجمع بها الجند والركبان استعدادًا للقيام بحملة على أرض العدو، واعتنى بهذا النظام حتى أصبح جزءًا مرتبطًا أشد الارتباط بالجهاد، وبسط معاوية رضي الله عنه اهتمامه إلى سائر المدن الساحلية، وقد بدأ ذلك بالسيطرة على جزيرة قبرص ثم رودس، وغيرهما من الجزر الساحلية.
وقد بعث معاوية رضي الله عنه سنتي: 47 و 48 هـ سرايا من قواته؛ لتغير على الأراضي البيزنطية لتمهد الطريق في سبيل الوصول إلى القسطنطينية، ولقد شهدت سنة 49 هـ أول حصار إسلامي لمدينة القسطنطينية، واستطاع معاوية رضي الله عنه أن يضيق الخناق على الدولة البيزنطية بالحملات المستمرة والاستيلاء على جزر رودس وأرواد، وقد كان لجزيرة أرواد والتي تسميها المصادر الأوروبية: "كزيكوس" أهمية خاصة؛ لقربها من القسطنطينية، حيث اتخذ منها الأسطول الإسلامي في حصاره الثاني للمدينة أو حرب السنين السبع من عام 54ه وحتى عام 60 هـ، قاعدة لعملياته الحربية، وذلك أن معاوية أعدَّ أسطولًا ضخمًا، وأرسله ثانية لحصار القسطنطينية، وظل مرابطًا أمام أسوارها من سنة 54 هـ إلى سنة 60 هـ.
وللحديث بقية إن شاء الله.