الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 14 سبتمبر 2021 - 7 صفر 1443هـ

سنن وآداب الدعاء (3)

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد صَحَّ عن رسول -صلى الله عليه وسلم- أنه: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَجِلَ هَذَا) ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

بيَّن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: أن الدعاء له آداب وسنن ينبغي التعرُّف عليها وتعلمها، والدعاء بمقتضاها حتى يقع الدعاء مقبولًا، ونستعرض في هذا المقال -بفضل الله- ما تيسر لنا منها.

وهذه الآداب هي:

الأدب الأول: أن يختار الداعي لدعائه أفضل الأوقات، وأشرف الأحوال، وأبرك الأماكن، فالأوقات الفاضلة من الأيام يوم عرفة؛ هذا اليوم الذي يباهي الله -عز وجل- بعباده ملائكته، فعن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) (رواه مسلم).

ومِن الأيام أيضًا يوم الجمعة: خير يوم طلعت عليه الشمس، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ) (رواه مسلم)، وينبغي للمسلم أن يكثر من الدعاء في سائر هذا اليوم المبارك؛ لأن فيه ساعة يستجاب فيها الدعاء، كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ) (متفق عليه).

ومن الليالي "ليلة القدر": هذه الليلة المباركة التي هي خير من ألف شهر بنص القرآن، ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في طلبها في العشر الأواخر من رمضان، فيكثر من الدعاء والاستغفار، والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وكان يأمر أصحابه بتحريها والاجتهاد فيها بالقيام والدعاء والاستغفار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: (قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

ومِن الشهور: "شهر رمضان": الذي تغلق فيه أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتُصفَّد فيه الشياطين، وينادي فيه مَلَك: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

ومن الأوقات الفاضلة: وقت السحر: وقت صفاء القلب وفراغه من الشواغل، ولقد مدح الله -عز وجل- القائمين الذاكرين المستغفرين الله في هذا الوقت، فقال -سبحانه-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات:15-18).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) (متفق عليه).

وأيضًا: وقت ما بين الأذان والإقامة، ودبر الصلوات المكتوبات، وعند زحف الصفوف في سبيل الله، وعند نزول المطر، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ، أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

قوله في الحديث: (حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) أي: تَشتَبِك صُفوفُ المسلمين بصفوفِ العَدُوِّ وتَبْدأ المعركةُ.

وفي روايةٍ أُخرَى زِيادة: (وتَحْتَ المَطَرِ)، أي: وكذلك وقتُ نُزولِ المطرِ مِن الأوقاتِ الَّتِي يكونُ فيها الدُّعاءُ مُستَجابًا.

ومِن الأحوال الشريفة: حال المسلم في السجود، وحال الصائم حين يفطر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) (رواه مسلم). 

ومِن الدعوات التي يستجيب الله لها: دعوة المظلوم، ودعوة والمسافر، ودعوة الوالد لولده، ودعوة الإمام العادل، ودعوة المضطر.  

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ-: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال الله -تعالى-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل:62).

أما الأماكن المباركة التي يُرجَى فيها إجابة الدعاء:

1- عند رمي الجمرة الصغرى والوسطى أيام التشريق: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات، يكبِّر كلما رمى بحصاة، ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة رافعًا يديه يدعو، وكان يطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فيقف مستقبل القبلة رافعًا يديه يدعو، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة، ثم ينصرف ولا يقف عندها.

2- الدعاء داخل الكعبة أو داخل الحجر: عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ، دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا" (رواه مسلم).

3- الدعاء على الصفا والمروة للمعتمر والحاج: ثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما دنا من الصفا قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (البقرة:158)، "أبدأ بما بدأ الله به" فبدأ بالصفا، فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحَّد الله وكبره، وقال: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) (رواه مسلم).

4- دعاء الحاج في عرفة يوم عرفة: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)؛ هذا بالإضافة إلى أنه كلما كانت الأوقات والأماكن والأحوال مباركة ومقدسة فإن الدعاء فيها مبارك، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة الإخلاص في الدعاء، واليقين على الله بالإجابة، وانتباه الذهن ويقظة القلب حال الدعاء، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.