الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 22 أغسطس 2020 - 3 محرم 1442هـ

مظاهر القسوة في مجتمعاتنا (40) آيات من القرآن في ذم القسوة (18)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فقال الله -تعالى-: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:22-23).

فوائد في الآيات العظيمة:

تضمن القرآن كثيرًا بيان أحوال القلوب على اختلافها وتفاوتها بين الانشراح والضيق، والنور والظلمة، والحب والبغض والهدى والضلال، والذكر والغفلة، واللين والقسوة، واليقين والحيرة، والطمأنينة والاضطراب، والأمن والإيمان، والقلق والكفر، والعلم والجهل، وخشية الله والأمن مِن مكره، ورجاء رحمة الله واليأس والقنوط، والرضا والسخط، وإرادة القرب من الله وحبه وإرادة الحياة الدنيا وزينتها، والتوكل على الله والركون إلى الأسباب، والشكر والكفر، والقرآن مليء بذلك.

وبيان الفروق ومفتاح الخير في ذلك: الإيمان، ومغلاقه: الكفر، وأصل ذلك: تحقيق العبودية التي أصلها التصديق بالتوحيد ورسالة الرسل، ووجود أعمال القلوب وأحوالها في القلب، ثم يتحول ذلك إلى نطق اللسان بالشهادة والتزام الذل والعبودية لله بالجوارح واللسان؛ ولذا فالإيمان يتضمن ذلك كله فرضه ونفله، والناس يتفاوتون فيه، ويتفاضلون على حسب ذلك، وإن كان تفاضلهم بأعمال القلوب ودرجة يقينها أعظم بكثيرٍ مِن تفاوتهم بالأعمال الظاهرة.

وإن كانت هذه الأعمال الظاهرة هي أوعية الأحوال الباطنة، فلن يأخذ الهبة والعطاء مَن لم يملك هذا الوعاء، فقراءة القرآن مفتاح التفكر، ومعرفة معانيه وتفسيرها مفتاح التدبر، وتعلم السُّنة مفتاح العلم الظاهر والباطن، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ . وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ . ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر:29-32).

وقال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص:29)، وقال -تعالى-: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ . وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ . وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ . وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ . إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ . إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر:19-24).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) (رواه مسلم).

وقد تضمنت هاتان الآيتان مقارنة بين أحوال قلب المؤمن وبين قلب الكافر، فأول ما ذكر الله مِن صفات قلب المؤمن: أن الله شرح صدره للإسلام؛ فهو -سبحانه- الذي شرح صدور المؤمنين لهذا الدِّين؛ فانشرحت واتسعت، وكبرت ونمت، وخرجت من ظلمات الجهل والظلم إلى نور العلم والعدل؛ ولذا سأل الأنبياء -عليهم السلام- شرح الصدر وتيسير الأمر، قال -تعالى- عن موسى -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (طه:25-26)، وقال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ . وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ . الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ . وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (الشرح:1-4)، وبهذا الانشراح وهذه السعة وهذا النمو يتحمل المؤمن أعباء البلاغ عن الله -تعالى-.

فأتباع الأنبياء -عليهم السلام- لهم نصيب مِن هذا الشرح، والقيام بأعباء الدعوة إلى الله بقدر اتباعهم للأنبياء -صلوات الله عليهم-، وكذا يتحمل الأنبياء وأتباعهم أذى الناس، ويذهب عنهم الضيق الذي يكون بحكم الطبيعة البشرية، ويزول الحزن الذي يكاد يقتل؛ فانظر إلى ما ذكر الله مِن حال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف:6)، ثم لما شرح  الله صدره صار أقر الخلق عينًا بالله، قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ) (رواه أحمد النسائي، وصححه الألباني)، وصار أعظم الناس فرحًا بالله: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58)، وامتثل أمرَ اللهِ ونهيَّه في قوله -تعالى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ . وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ . وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ . إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:125-128)، فاتسع قلبه لحال: "اذْهَبُوا فَأنْتُمُ الطلَقَاء" (السيرة النبوية لابن هشام)، واتسع قلبه لحال: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف:92) لما جاءه أبو سفيان المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب وهو الذي هجاه نحو عشرين سنة، وهو ابن عمه مباشرة، وهجاؤه أخطر إعلاميًّا مِن هجاء غيره.

واتسع قلبه لإيمان عبد الله بن أبي أمية الذي قال له مع غيره ما ذكر الله -عز وجل-: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا . أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا . أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا . وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا . قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا) (الإسراء:90-95).

وقال له -أي: عبد الله بن أبي أمية-: "يَا مُحَمَّدُ، عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا لِيَعْرِفُوا بِهَا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ، فَلَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تُعَجِّلَ لَهُمْ مَا تُخَوِّفُهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَوَاللَّهِ لَا أُؤْمِنُ بِكَ أَبَدًا حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا، ثُمَّ تَرْقَى فِيهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا، وَتَأْتِيَ مَعَكَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ، مَعَكَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَشْهَدُونَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ. وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَظَنَنْتُ أَنِّي لَا أُصَدِّقُكَ!" (تفسير ابن كثير)، فلما آمن بعد ذلك؛ قَبِل منه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

واتسع قلبه -صلى الله عليه وسلم- لمشهد العفو وعدم الثأر والانتقام مِن وحشي قاتل حمزة -رضي الله عنه-.

فيا أخوة الإسلام...

- خذوا بأسباب شرح الصدر (بالقرآن والصلاة والسجود لله)، ولا تحزنوا على ما أصابكم مِن ظلم الناس، وأذاهم ونقضهم للعهود، وكذبهم وعدم صدقهم؛ فلن يكونوا أشد مِن أصحاب الأخدود، ولم تكونوا مثل هؤلاء الشهداء في تحملهم الإلقاء في النار.

ولن يكونوا كآل فرعون في وعدهم لموسى -عليه السلام- بالإيمان وإرسال بني إسرائيل حتى دعا ربه لرفع الرجز عنهم، وكل مرة ينقضون العهد ويعودون لتكذيبه والأذى!

- وأفسحوا صدوركم بالعفو بدل الانتقام: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل:126)، ولن تنالوا ذلك إلا بالله وإعانته.

- واجتهدوا أن تتسع صدوركم لمشهد الشكوى إلى الله دون الناس الذي قام به يعقوب -عليه السلام-: (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ . قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (يوسف:85-86).  

فإن عبادة الشكوى إلى الله عبادة عظيمة تجلب للقلب أنواعًا مِن الطمأنينة، والراحة والسكون، والسعادة ما لا يمكن أن يوجد في عبادة غيرها؛ إنها عبادة أدَّاها نوح -عليه السلام- حين شكا إلى الله فقال: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا . وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) (نوح:5-7).

وأدَّاها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي أَوْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلا أُبَالِي، وَلَكِنْ عَافِيَتُكَ لِي أَوْسَعُ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ أَنْ تُنْزِلَ بِي سَخَطَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلِيَّ غَضَبُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِكَ) (رواه الطبراني وضعفه الألباني، وإن كانت شهرته تغني عن إسناده، وقد قال ابن القيم -رحمه الله-: "عليه نور النبوة").

- ومشهد صبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وحلمه الذي دلَّ عليه حديث ذهابه -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ: (لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) (متفق عليه).

فصبرًا عباد الله، فإن موعدكم الجنة؛ إن استعنتم بالله، وصبرتم واتقيتم.