الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 25 فبراير 2020 - 1 رجب 1441هـ

نيل الأماني في ظلال السبع المثاني (7)

كتبه/ وليد شكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ):

لا تصلح القلوب ولا تستقيم الجوارح بشيء مثل معرفة الله بأسمائه وصفاته.

 ترى ماذا أثمرت تلك المعرفة في قلب العبد بعد ما قرأ ما سبق من آيات الوصف والثناء على الله؟!

لقد أثمرت حبًّا لله؛ إذ هو رب العالمين، ورجاءً في رحمته؛ إذ هو رحمن رحيم، وخوفًا منه وافتقارًا إليه؛ إذ هو مالك يوم الدين. فلما أثمرت الآيات هذه المعاني في قلب العبد فكأنه اقترب من ربه وشعر بحضوره بين يديه فتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب (إِيَّاكَ)، وفي هذا القرب وتلك المعرفة أصبح العبد خاضعًا لربه محبًّا لمولاه، راجيًا لرضاه يبحث عما يترضى به ربه، فلم يجد إلا ما خلقه ربه من أجله فيلهج قلبه وينطق لسانه بقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)؛ لأن الله خلقه من أجل ذلك، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56).

وإذا علمت ذلك فاعلم أن في الآية من محاسن البيان وحسن الصياغة الشيء الكثير، ومن ذلك:

أولًا: تقديم المعمول: (إِيَّاكَ) على فعله: (نَعْبُدُ)، و(نَسْتَعِينُ)، وفائدة هذا التقديم الحصر؛ فلو كان سياق الآية نعبدك ونستعينك، لم يمنع ذلك أن يعبد مع الله غيره، وأن يستعين معه بسواه، ولكنه لما قدم المعمول أفاد الحصر في ذلك، ومعناه: إذًا لا نعبد إلا أنت، ولا نستعين إلا بك.

ثانيًا: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لتحريك الذهن وإثارة الانتباه، وهذا الالتفات من الغيبية إلى المواجهة يشير إلى قرب العبد من ربه، وحضوره بين يديه.

ثالثًا: الجمع في قوله: (نَعْبُدُ)، و(نَسْتَعِينُ)، والمتكلم واحد: يقول الشيخ محمد الصابوني: "وردت صيغة نعبد ونستعين بلفظ الجمع، وكأن العبد يعترف بقصوره أن يقف في باب ربه بمفرده، وكأنه يقول: أنا يا رب العبد الحقير لا يليق بي أن أقف ببابك وحدي، بل أنتظم في سلك المؤمنين ليقبلني الله في جملتهم".

وقدَّم -سبحانه- العبادة على الاستعانة؛ لأن العبادة غاية والاستعانة وسيلة، فقدم الغاية على الوسيلة، كما أن الاستعانة تكون من المخلص وغيره، والعبادة لا تكون إلا من المخلص، كما أن الاستعانة نوع من العبادة فذكر العبادة مجملة أولًا، ثم ذكر ما هو من تفاصيلها، فهو من ذكر الخاص بعد العام؛ لشرف هذا الخاص.

- وكررت: (إِيَّاكَ) مرة بعد أخرى، وكان يصح الاكتفاء بواحدة لفائدة ذكرها ابن القيم -رحمه الله- فقال: "وإعادة (إِيَّاكَ) مرة بعد أخرى دلالة على تعليق هذه الأمور بكل واحد من الفعلين، ففي إعادة الضمير من قوة الاقتضاء لذلك ما ليس في حذفه. فإذا قلتَ لملك مثلًا: إياك أحب، وإياك أخاف، كان في قولك هذا من اختصاص الحب والخوف بذاته والاهتمام بذكره ما ليس في قولك: إياك أحب وأخاف" (انتهى).