كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيقلب الله -تعالى- الليل والنهار، والشمس تجري بقدر، ويقلب الله فصول الزمان، وللمؤمن في كل الأحوال طاعات وعبادات، ولله على عباده منن لا تحصى، فإذا دخل الشتاء زادت حاجة الناس إلى التستر والدفء ودفع البرد.
والمسلم في الشتاء له شأن مع نفسه ومع غيره، فإذا نزل المطر كان الدعاء: "اللهم صَيِّبًا نافعًا"، وإذا هبت الرياح سأل الله من خيرها واستعاذ بالله من شرها.
ويأتي الصيام؛ فالصوم في الشتاء الغنيمة الباردة، فيا غنيمة الصائمين القائمين، إن الشتاء ربيع المؤمن، طال ليله فقام وقصُر نهاره فصام.
فيا أيها الصائم شَمِّر، ويا أيها القائم قم وتفكر، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "رَكْعَتَانِ مُقْتَصِدَتَانِ فِي تَفَكُّرٍ، خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ".
للأسف سيطر عليه الكسل وبال الشيطان في أذنه، وكثيرٌ ما هم، فمع برد الشتاء تضيع صلاة الفجر وتتأخر الصلوات بحجة برودة الماء (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء:103).
نعم الدفء ينجي من البرد، ولكن كما أن الدفء ينجي الرجل من برد الشتاء، فكذلك العمل الصالح ينجي العبد يوم القيامة من الهلاك فلا يرى شمسًا محرقة ولا بردًا مهلكًا (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) (الإنسان:13)، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا وَقَالَتْ: أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْنِ، نَفَسًا فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسًا فِي الصَّيْفِ، فَأَمَّا نَفَسُهَا فِي الشِّتَاءِ فَزَمْهَرِيرٌ، وَأَمَّا نَفَسُهَا فِي الصَّيْفِ فَسَمُومٌ) (متفق عليه).
فأشد ما نجد من البرد هو مجرد نفس من زمهرير جهنم، اللهم نجنا من حر وبرد جهنم.
ومع إقبال الشتاء يستعد الناس لدفع البرد بجمع الدثار والثياب والأغطية وكأنهم مهاجرين، نعم، إذا أقبل برد الشتاء فهناك إنسان يتأثر بالبرد ويحتاج إلى الثوب والغطاء، ولا يجد منها شيئًا، فيا مَن تكاثرت وتزاحمت لديه الملابس والأغطية: هل تذكر من يحتاج إلى الدفء؟ إلى الثوب والغطاء؟!
قف أمام ملابسك الشتوية وتدبر كم هي كثيرة؟! كم هي متكررة ومتنوعة؟! وغيرك و ربما أقرب إخوانك إليك لا يجد شيئًا.
ألا ترى أن مَن شكر نعمة الله عليك أن تتصدق ببعض ما منّ الله به عليك؟!
أخي الحبيب: ما رأيك في مشروع (كِسوة بكسوة)؟
قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ) (رواه مسلم)، فلا تبخل أخي الحبيب على إخوانك وأصدقائك وجيرانك، فالكاسي لي ولك هو الله.
فماذا لو وقف كل واحدٍ منّا أمام مخزن ملابسه واستبقى عنده ما يكفيه ثم أخرج الباقي لأصدقائه وإخوانه على صورة هدية مغلفة معطرة!
ماذا لو اشترى الوالد لولده القميص الشتوي أو (السويتر الجلد) بدل القطعة قطعتين: واحدة لولده، وواحدة لصديق ولده الذي يراه محتاجًا وكأنها هدية؟!
إن أموالنا وملابسنا الغالية ليست باقية، فإن أي قطعة قماش نمسح بها الأرض أو نزيل بها الأتربة والقاذورات أو ندوسها بأقدامنا كانت في يومٍ ما ثوبًا جديدًا قيمًا.
قال عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: "مَرَّ رجل براهب عند مقبرة ومزبلة فناداه: يا راهب إن عندك كنزين من كنوز الدنيا لك فيهما مُعتبَر، كنزُ الرجالِ، وكنزُ الأموال!".
وصدق الرجل، فإن كل الناس إلى القبور (كنز الرجال)، وكل الأموال إلى المزبلة، ثوبك الجديد اليوم محله غدًا في المزبلة، فاحفظه عند ربك فلعلك تنال الأجر، ما دام ثوبك على جسد صاحبك.
فبادر أخي وانصح غيرك أن يصنع مثلك.
قم واجمع لآخرتك من ثوبك ومالك قبل أن يبلى، وحافظ على الصلاة والصيام والقيام وإسباغ الوضوء على المكاره، ففي الربيع تتغير الأرض، والشتاء ربيع المؤمن فلتكن بداية التغيير مع الرياح الباردة.