الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 28 فبراير 2019 - 23 جمادى الثانية 1440هـ

هل أنصف الغرب المرأة؟!

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد وضعت "الأمم المتحدة" خطة التنمية المستدامة حتى 2030م، وحددت 17 هدفًا للوصول إليها في جميع دول العالم، وكان مِن بينها: التمكين للمرأة، والتمكين للشباب، والنوع المجتمعي.

وهذه الأهداف الثلاثة حددها المكتب الفني للاتحاد الأوربي أهدافًا لتحقيقها في دول الشرق الأوسط، وبعض الدول الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة، مِن خلال منظمات المجتمع المدني التي تعمل في قاع المجتمعات، وليس في قمتها؛ لنشر القيم المجتمعية الخاصة بالتصور الغربي لهذه القضايا، ولا يعني ذلك إهمال العمل على قمة المجتمعات والدول ممثلة في القيادة السياسية لكل هذه الدول، والنخبة الثقافية المسيطرة على وسائل الإعلام، ومنابر الفكر ووزارات الثقافة في هذه الدول، بل ومناهج التعليم، بل والهيئات الدينية الرسمية وأحيانًا غير الرسمية التي  تصدر الفتاوى المتوافقة مع المفهوم الغربي.

مما يتضمن بلا شك هَزًّا -بل زلزلةً- لثوابت مجمع عليها عبْر الزمان، مثل: نصوص القرآن المتعلقة بالقوامة، قال -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء:34)، والولاية في الزواج وغيره، قال -تعالى-: (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (البقرة:221)؛ وهو ليس خطابًا للنساء، بل للأولياء، وهو متضمن حرمة نكاح المسلمة مِن الكافر وهو بالإجماع، بل معلوم مِن الدين بالضرورة في أكثر البلاد الإسلامية دون تخصيص، كالذي خصص نساء أهل الكتاب "اليهود والنصارى" العفيفات مِن حرمة زواج الرجل المسلم بالكافرات؛ قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (المائدة:5).

ومِن هذه الثوابت التي تتعرض لمحاولة الزلزلة أو الاهتزاز: قضية الميراث بزعم وجوب المساواة المطلَقة بين الذكر والأنثى؛ مصادمة للنص القطعي الثبوت والدلالة مِن القرآن: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء:11)، وقوله: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء:176)، والذي بدأ الدخول في حيز التشريع في تونس رغم الرفض الشرعي والشعبي مِن كل أهل العلم مِن جميع الاتجاهات؛ ولكنها الخطة الموضوعة.

وكذا قضية الحرية الجنسية المزعومة التي صارتْ موضع اختبار للقيادات السياسية لبعض الجماعات الإسلامية مع إشهار سيف الاتهام والتصنيف، والإدراج ضمن الجماعات الإرهابية! كما في مناقشة مجلس العموم البريطاني -في إحدى لجانه- لإبراهيم منير نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وضرورة إباحة الممارسة الجنسية خارج إطار الزواج، وكذلك التأكيد على ما يسمونه: "حقوق المثليين" -أي الشذوذ الجنسي بين الرجال والرجال، وبين النساء والنساء-، وضرورة سَنِّ التشريعات التي تكفل هذه الحقوق وتقننها، كما هو الحال في تركيا المعاصِرة، واعتراف رئيس الدولة للشواذ بحقهم المزعوم فيما يفعلونه، وضرورة تقنين ذلك وإفشائه علانية بلا حياء؛ رغم ما يصفه به الأتباع في دُوَلنا العربية والإسلامية مِن أنه سلطان المسلمين، وخاقان البر والبحر، بل وخليفة المسلمين عند البعض -أعني: رجب طيب أوردغان-!

ومِن هذه القضايا الموضوعة في هذا الإطار: قضية ختان الإناث، ووضع التشريعات الحادة العنيفة في التجريم المطلق لهذه الشعيرة المجمع على مشروعيتها بالطريقة التي لا تضر، مع الرفض التام للأبحاث الطبية العلمية في بيان أنواعه، وأن النوع المشروع منها لا يحقق أي ضرر بالمرأة؛ لا في الصغر ولا في الكبر، وأن النوع الذي يتكلمون عن إقراره: كالختان الإفريقي، والسوداني، والفرعوني هو جناية على الأنثى تستوجب لها الدية كاملة كأنها قُتلتْ، ومع أنها أبحاث علمية طبية متزنة صحيحة بكل المقاييس؛ إلا أن القرار كان هو فرض تجريم الختان -وقد كان!-.

ومِن هذه القضايا أيضًا: قضية المشاركة السياسية للمرأة عن طريق الإلزام بنسبةٍ معينةٍ للنساء في المجالس المنتخَبة، مع أن دولًا كثيرة ليس فيها انتخابات للرجال أصلًا، بل الأمر بالتعيين، بل وفي بعضها يتم تعيين المشاركين في الانتخابات ممَن لهم حق التصويت ابتداءً، والتصويت لا يشمل جميع المواطنين، ورغم هزلية الصورة؛ إلا أن الغرب يغمض عينية تمامًا عن ثوابت الديموقراطية مِن الانتخابات الحرة النزيهة، والحريات الحقيقية للشعوب، وليست الحرية للشهوات والشبهات والإلحاد.

مِن هذا ومِن غيره؛ كان رفضنا لوضع ما يسمَّى: بـ"كوتة المرأة" في التعديلات الدستورية المقترَحة، وأن لا يُكتفى في الكوتة بالقانون، وعلى صفة الاستثناء كما هو في الدستور الحالي، بل على الدوام المستمر إلى أجيالٍ عديدةٍ قادمةٍ، لا ندري: كيف سيكون شكل الحياة على أيامهم؟!

وأما إباحة التعري وكشف السوءات ولبس الملابس الفاتنة -أو خلعها بدلًا مِن لبسها-، وإلغاء أي قيود على الفن والأدب، والأفعال الفاضحة العلنية في الطرقات، وإلغاء تجريم الزنا بالكلية -رغم أنه تجريم أعرج في معظم الدول التي تجرمه إلا مَن رحم الله-؛ فحدث ولا حرج.

هذا غير استخدام الإعلام بحملاتٍ إعلامية، وبأدوات الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، والروايات والأدبيات والمقالات في مهاجمة القِيَم الشرعية الإسلامية المستنبطة مِن الكتاب والسُّنة؛ لتحل محلها القِيَم المجتمعية الغربية التي عند أدنى تأمل لم تنصِف المرأة نهائيًّا، وإنما دمَّرَتها وجعلتها سلعة تُباع وتُشترى بالمال أو بالشهرة، أو بالأدوار الفنية في الأفلام والتحويل للنجومية!

فضلًا عن البيع لها في إعلانات البيبسي والشيبسي، والسيارات، والمساكن والفنادق، والشواطئ والملاهي، وإعلانات الأفلام! فضلًا عن البيع القذر لها في الأفلام والمواقع الإباحية المبذولة مجانًا لمئات الملايين مِن الشباب حول العالم؛ لتدميرهم وتنكيس فطرتهم، وخلخلة النظام الخُلُقي للمجتمعات.

وقد استوقفني مرة عنوان في ملخصات الأخبار على منصة "جوجل" هو: "أنا أريد الموت لهذا السبب!"؛ فطالعتُ الخبر فإذا هو عن ممثلة أفلام إباحية شهيرة عندهم تذكر كيف أجبروها في يومٍ واحدٍ على ممارسة الجنس مع 16 رجلًا حتى كرهت نفسها وكرهت الحياة، وأدمنت المخدرات لتغيب عن الوعي لتنسى ما حدث لها، مع أن صورها الضاحكة تملأ مواقعهم، وأنها صارت تنفق كل ما تكسبه في شراء المخدرات؛ ولهذا صارتْ تتمنى الموت، وما القصص البالِغة الكثرة حول الاعتداءات الجنسية في هوليود، والاغتصاب، والمساومة على النجومية، بل وفي مباريات الرياضة بأنواعها، بِخَافٍ على أحدٍ يطالِع حقائق ما يجري في هذه المجتمعات.

إن الإعلام الغربي -وتبعًا له الإعلام العربي ووسائل التواصل- يركِّز تركيزًا هائلًا على حالاتٍ فرديةٍ لِبَناتٍ عربيات هرَبن مِن جحيم الأسر -بزعمهم- وتهديد المجتمع؛ لتشويه صورة المجتمعات المسلِمة المحافِظة، وادعاء وجود رغبة كامنة لدى أكثر الفتيات في كسر قيود الشرع والقِيَم الإسلامية، مع أن الأكثرية والأغلبية -بحمد الله- في عامة مجتمعاتنا حريصات على العفة والطهارة، واحترام الوالدين، والحفاظ على كيان الأسرة، وإقامة الرابطة الزوجية المبنية على السكينة والمودة والرحمة كما وصفها الله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم:21).

في حين أن المجتمعات الغربية تعاني مِن تدمير كيان الأسرة بالكامل، ونشأة الأجيال القادمة في ظل التفكك الأسري الناشئ عن إباحة إقامة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج -أي بالزنا-؛ مما يؤدِّي إلى الأمراض النفسية والعصبية غير المبررة، والعنف في العلاقات الجنسية، وغيرها، وملايين المقاطع -بل مئات الملايين ومليارات المشاهدات- تؤكِّد مدى التدمير في الشعوب الغربية؛ بسبب بُعدهم عن الفطرة وكل شرائع الأنبياء!

وحسب الإحصائيات التي نشرتها إذاعة "البي بي سي": فإن حوالي 84% مِن المواليد لأبوين مِن أصول أوروبية في إنجلترا -ونحوها في فرنسا- قد وُلِدوا لأبوين لا تربطهم رابطة الزواج، وإن أكثر ما يتخوفون منه هو المستقبل المظلم لهذه المجتمعات بسبب هذه الأجيال المدمَّرة.

فهل بعد كل هذا -وهو غيض مِن فيض- يظن البعضُ أن الغربَ أنصفَ المرأة وأن الإسلام ظلمها؟!

لا والله؛ بل الإسلام جعلها جوهرة مكنونة، وملكة غير مُتَوَّجَة في بيت أبيها وأسرتها وزوجها، وكَفَل لها كل الحقوق التي تحفظ الحياة الكريمة لها؛ فيا لَيت قومي يعلمون.