الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 27 يوليه 2016 - 22 شوال 1437هـ

ما هي أسباب الوقاية مِن الفتور والكسل؟

السؤال:

حياكم الله شيخنا، معظم الشباب في بدايات طريق الالتزام تكون الإيمانيات عالية والقلب حيًّا، والهمة قوية في العبادة والعلم والدعوة، لكن بمرور الأيام وانشغالات الحياة اليومية يبهت الإيمان ويزداد القلب بُعدًا وغفلة، فهل بالإمكان العودة إلى سابق العهد أو أفضل مِن ذي قبْل؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟

الجواب: 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالمواظبة على الخير هي أساس النجاة مِن الفتور والكسل والعجز، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ) (رواه مسلم).  

فلا بد أن يضع كلُّ واحد منا لنفسه برنامجًا يسير عليه في الطاعات، وقد كان ذلك نهج الصحابة! فقد وضع عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- برنامجًا له في الطاعات، لكنه كان كثير التشديد على نفسه، فرده النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منهج الاعتدال في ذلك، فقال: اقرأ القرآن في شهر! فظل يستزيده حتى زاده لأسبوع، وقال: صم كل شهر ثلاثة أيام، فظل يستزيده حتى زاده لصيام نبي الله داوود، وكذلك في القيام، فعنه -رضي الله عنه- قال: كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: فَإِمَّا ذُكِرْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: (أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟) فَقُلْتُ: بَلَى، يَا نَبِيَّ اللهِ، وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: (فَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) قَالَ: (فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ) قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَالَ: (كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا) قَالَ: (وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ) قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ) قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ) قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: (فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ) (رواه مسلم)، فدلَّ ذلك على أنه لا بد مِن وضع برنامج للطاعات تسير عليه نفسك؛ حتى لا تفتر، ولا بد أن تكون قادرًا على الالتزام به.

ثم الارتباط بصحبة صالحة تعينك وتيسر لك أمور الخير مِن أعظم ما يعين على ذلك، فقد قال العالِم لقاتل المائة: (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ،) (رواه مسلم).

فارتباط الإنسان بصحبة تهتم بقضايا الإيمان بالله واليوم الآخر، وقضايا الأمة، ونصرة الدين، والعمل الصالح مِن أكثر ما يعين على استمراريته في عمل الخير، وبعده عن أرض السوء وصحبة السوء كذلك، فإذا كنت لا بد مخالطهم، فلا بد أن تكون متميزًا عنهم بسلوكك، وأن تكون آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر؛ لأن هذه الدعوة هي خط الدفاع الأول أمام فتورك وكسلك وعجزك.

نسأل الله أن يعافينا، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.