الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 28 يونيو 2007 - 13 جمادى الثانية 1428هـ

الحكمة الغائبة عن بيان الحكايمة

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

عندما تتبادل "فتح" و"حماس" الاتهامات بشأن المسؤولية عن انفجار الأوضاع في غزة، وإراقة الدم الفلسطيني؛ فإن الإسلاميين على اختلاف أطيافهم سوف ينحازون إلى وجهة نظر "حماس". ليس لمجرد القدر المنهجي المشترك؛ بل لأن التاريخ والواقع يشهدان على "فتح"، أو على الأقل على فصيل كبير منها بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية خارج حدود فلسطين. حيث كانت تٌعامل مقار "منظمة التحرير الفلسطينية" التي تسيطر عليها "فتح" في البلدان العربية وغيرها معاملة السفارات بكل ما تحمله الكلمة من معاني الأبهة والفخامة، بينما الشعب الفلسطيني في فلسطين يعاني الصلف والجبروت اليهودي بلا قيادة ولا توجيه.

حتى ولدت "حماس" على خلفية ميراث سلفي يتمثل في جهاد "عز الدين القسام" رحمه الله -السلفي عقيدةً ومنهجاً ولكن بتوجه حركي يحسب على أنه شديد القرب من حركة الإخوان المسلمين إن لم يكن رافدا لها-.

حاول العدو الصهيوني أن يواجه الانتفاضة بنفسه في بادئ الأمر، إلا أنه اكتشف أن الذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا أكثر قدرة على مواجهة الحركات الإسلامية حيث يسهل حينئذ أن يتهم الإسلاميين بالعنف والتكفير والخروج على ولاة الأمور -وإن كانوا قد تولوا باسم اليهود ولصالحهم- وقد كان ذلك بالفعل من بعض المنتسبين للعمل الإسلامي.

إلا أن "حماس" فوتت الفرصة وتعاملت مع الموقف بموضوعية، حتى حينما أقدمت "منظمة التحرير" في مهزلة "أوسلو" على الاتفاق المسخ "غزة أريحا"؛ رفضت "حماس" هذه الاتفاقات ولكنها لم توجه سلاحها إلى الفلسطينيين. وحينما أقدمت "السلطة الفلسطينية" على اعتقال عدد كبير من قيادات "حماس" التزمت "حماس" بما تمليه عليها المصلحة الشرعية -وحسنا فعلت-.

 فلما وجد اليهود أن مهزلة "أوسلو" لم تستدرج "حماس" إلى مواجهة "فلسطينية- فلسطينية" تخلصوا من بطل "أوسلو" عن طريق بعض عملائهم على طريقة اللص الظريف "أرسين لوبين" الذي يعرفه الجميع ولكن لا يملكون الدليل المادي على إدانته. وجاء بعده "عباس" ومعه "دحلان" -الذي زعمت "حماس" أنها عثرت على وثائق تؤكد ضلوعه في عملية اغتيال "عرفات" بالسم البطئ-، وجاء فخ الانتخابات أولاً وهذا -من وجهة نظرنا- هو الخطأ الرئيسي لـ"حماس" في هذه اللعبة -وقد سبق وأن بينا ذلك في مقال "السياسة منزلق الإسلاميين إلى العنف"، ونجحت حركة "حماس" نجاحاً ساحقاً رغم أن "فتح" هي التي كانت تدير الانتخابات مما فسره الكثيرون تفسيراً ساذجاً آنذاك بأن الضغوط الأمريكية لتطبيق الديمقراطية هي التي دفعت "فتح" إلى التسليم السلمي للسلطة، حتى أن "دحلان" نفسه صب جام غضبه على قيادات "فتح" التي أدارت الانتخابات واعترفت بالهزيمة.

ودارت الأيام وانكشفت اللعبة عبر سلسلة من الإجراءات هدفت إلى استدراج "حماس" إلى الاقتتال الفلسطيني- الفلسطيني. وكان ما كان والعجب أن معظم الكتاب العلمانيين قد وجهوا نقدهم إلى "حماس" دون أن ينتبهوا إلى التصفية الجسدية المنظمة التي كانت تمارسها مجموعة "دحلان" ضد كل عناصر "حماس". وقد زعمت "حماس" أنهم لم يجدوا مفرا من الدفاع عن أنفسهم، وهذا أمر له الكثير من الشواهد إلى الحد الذي دفع كاتباًَ نصرانياً مثل "رفيق حبيب" إلى أن يكتب في جريدة "المصريون الإلكترونية" مقالاً بعنوان "تحرير غزة من أوسلو".

ومع هذا أصر العلمانيون ليس فقط على اعتبار "حماس" شريكة في المسؤولية أو أنها كان يمكنها ضبط النفس بل على تحميل "حماس" المسؤولية  كاملة.

وإذا استصحبنا أن "حماس" من التيار الإسلامي المعروف عند الباحثين بالتيار الوسطي الذي يقبل بالحلول البرلمانية، ويقبل التفاوض في كثير من الأمور الشرعية، فقد وجد العلمانيون الفرصة سانحة ليتهموا الإسلاميين كلهم بأنهم دعاة عنف وقتل وتكفير إلى آخر السلسلة المعروفة من التهم، ولسان حالهم يقول ما دام هذا هو حال المعتدلين فما بالك بالمتشددين.

هذا مع أن "حماس" قد ادعت أنها حصلت على وثائق تدين "دحلان" بما يتضاءل أمامه وصف العمالة والخيانة والتآمر ليس على القضية الفلسطينية فحسب، بل وعلى أمن جيرانها كمصر, وأنه في الوقت الذي كان يطلب فيه العون من مصر كان يعمل على ضرب الأمن القومي المصري والتجسس لصالح اليهود على مصر!!.

بالإضافة إلى أن "حماس" مازالت تدعو إلى احترام قواعد اللعبة الديمقراطية وعدم الانقلاب عليها وتدعو إلى حوار مع "فتح"، قائمٍ على احترام نتائج الانتخابات، وهذا ينفى عنها التهم المعلبة التي رماها بها أعداؤها.

وإن كنا نرى أن الدخول في اللعبة السياسية بالمعطيات الراهنة -عالمياً وإقليماً وداخلياً- يخالف أولويات منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله؛ مما يؤدي بالحتم إلى تجاوز حدود الشرع وعدم تطبيقه، رغم أن أزِّمة الأمور في الظاهر بأيدي الإسلاميين.-راجع مقال "المشاركة السياسية - وموازين القوى"، ومع ذلك فالذي نراه نصرة لـ"حماس" وغيرها من الجماعات العاملة في الساحة:

- أن يعملوا بكل ما قدروا عليه من طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. فبقدر نصرتنا لدين الله بقدر ما ينصرنا الله (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(محمد: من الآية7)، وإقامة دين الله عز وجل سبب لرفعتنا وعلونا بإيماننا على عدونا، والحصار وإن تأذى به الناس بعض الشئ؛ فالله جاعل منه فرجا كما حُصِر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشِعب، وكانوا أيضا بالمدينة محاصرين (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)

- أن يلتزموا بضبط النفس وعدم توجيه السلاح إلا إلى المحتل، وألا يُستدرجوا إلى صدام غير محسوب البدايات والعواقب. سائلين الله عز وجل أن يلهم قادتهم الصواب، وأن يهديهم إلى سواء السبيل، وأن يعصم دماء المسلمين وحرماتهم في كل مكان، وأن يكف أيدي الكافرين والمنافقين عنهم.

ولكن الأخ "محمد الحكايمة" كان له رأى آخر إن صح البيان الذي يحمل توقيعه على مواقع الإنترنت. فهو يرى أن نصرة "حماس" إنما تكون بأن يقوم أفراد "تنظيم القاعدة" في مصر بضرب الأهداف الأمريكية والصهيونية.

والأخ "الحكايمة" الذي ذكر أنه كان عضواً في "الجماعة الإسلامية"  بمصر ثم انفصل عنها بعد المبادرة وانضم إلى "تنظيم القاعدة"، وقد فجر أزمة "بالونية" حينما أعلن رفضه لمبادرة الجماعة ودعوته أبناء الجماعة للانضمام إلى "تنظيم القاعدة".

و"تنظيم القاعدة" -شأنه شأن كل الحركات التي تعلن راية الجهاد- نؤيدها في جهادها ضد الأعداء المحتلين في بلاد المسلمين وننكر عليها استعداء هؤلاء الأعداء بنقل المعركة إلى داخل بلادهم بعمليات ولو بلغت في قوتها أحداث 11 سبتمبر المزعوم قيام "تنظيم القاعدة" بها، إلا أنها في النهاية لا يمكن أن تجبر دولة استعمارية ذهبت لتحاصر الحركات الإسلامية وتسرق البترول وتسيطر على المنافذ الإستراتيجية على التراجع عن سياستها الاستعمارية، فكل هذا لا يمكن تركه لمجرد حادث مهما بلغ عدد ضحاياه بل سوف يستخدم هذا في استمرار الصد عن سبيل الله ونعت الإسلام بكل النعوت المعروفة عند القوم، فضلا عن ضرورة مخالفة الشرع غالباً لإتمام مثل هذه العمليات، مثل نقض عهد الأمان للدخول إلى هذه البلاد بتأشيرة الدخول، فضلاً عن المفاسد والمضار على العمل الإسلامي ككل داخل هذه البلاد، بل وفى بلاد العالم الإسلامي بأسره. وننكر عليهم أكثر حينما يتعلق الأمر بضرب المصالح الأمريكية واليهودية في بلاد المسلمين لأن المصالح الأمريكية في بلاد المسلمين لا توجد في جزر منعزلة، ولكن لا بد فيها من مسلمين ومصالح للمسلمين. ولا يشفع للأخ "الحكايمة" أن نبه إلى ضرورة الاحتياط لدماء المسلمين، لأنه يعلم أن هذه العمليات لابد وأن يسقط فيها عدد لا بأس به من المسلمين.

 ثم إنه وإن كنا لا نريد الخوض معه في أحكام المستأمنين في بلاد المسلمين لأنه فيما يبدوا لا يعتبر أن المصالح الأمريكية في بلاد المسلمين لها حكم المستأمن؛ فلابد أن ينظر إلى عواقب الأمور وإلى الأضرار والمفاسد المتوقعة من مثل هذه العمليات التي يكون الأعداء فيها هم أول المستفيدين.

ومن المعلوم أن "تنظيم القاعدة" ليس له وجود في مصر، ومن ثم فهذا تهديد لا يعدو أن يكون فرقعة إعلامية إلا إن رأى الموساد -وله أذرعه في كل مكان- أن يتطوع هو بتنفيذ تعليمات الأخ "الحكايمة"، وبالطبع لن يلتزم بالحيطة بشأن دماء المسلمين كما نبه الأخ "الحكايمة"، ثم يكون اليهود أول المتباكين على الضحايا الأبرياء، وربما زاد الطين بلة بسرعة ادعاء "تنظيم القاعدة" مسؤوليتها عن الحادث على اعتبار أن هذه العملية لا بد وأنها استجابة لنداء "الحكايمة". حينئذ سوف يهب النظام بحثا عن أتباع "تنظيم القاعدة" الذين نفذوا هذه العملية وفى هذه الحالة لن يجد إلا عدداً من الشباب الذين يرفعون شعار (أحب "تنظيم القاعدة" ولست منهم) والذين كل ما يربطهم بـ"تنظيم القاعدة" هو دخولهم على مواقع "تنظيم القاعدة" على الشبكة العنكبوتية معبرين عن حبهم ومبايعتهم لابن لادن وهم يظنون أنه لا يطلع على هذه المواقع غيره، بينما الدنيا بأسرها تطلع عليها، وربما لا يطلع عليها هو.

وبعد تتبع عنوان معرف الانترنت الـ"IP" لكل محب للقاعدة، والإتيان بهم؛ سوف يكون الموساد في قمة السعادة. فهل هذا أمر يُسعد الأخ "الحكايمة"؟!.

ناهيك عن الحسابات المعقدة للحركات الإسلامية والتي تعمل في بلاد المسلمين والتي ربما تجد نفسها مضطرة إلى أن تدفع فاتورة بيانات "تنظيم القاعدة" من العمل الدعوي الذي تستطيع القيام به.

وأعجب من ذلك كله أن "حماس" التي يزعم البيان نصرتها ما زالت تؤكد على أنها تريد العودة إلى المفاوضات مع "فتح" برعاية مصرية.

وما بين موائد المفاوضات وبيانات الإنترنت العاصفة تضيع كثير من مصالح الدعوة الإسلامية؛ فاللهم لطفا.