الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 17 أبريل 2016 - 10 رجب 1437هـ

رسائل مهمة مِن زيارة الملك "سلمان" لمصر

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد جاءتْ زيارة الملك "سلمان" لمصر في توقيت دقيقٍ وحساس، فلا تزال المنطقة العربية والإسلامية تعاني مِن أزمات خطيرة، وتتهددها مؤامرات لم تنتهِ بعد؛ تهدف إلى زرع الشقاق بيْن أبناء الأمة الواحدة، بل والوطن الواحد، والطائفة الواحدة؛ فضلاً عن باقي البلاد والطوائف؛ ليحصل في النهاية ما يريده الأعداء مِن إنهاك العرب والمسلمين في نزاعاتهم الداخلية التي تضعفهم جميعًا، وتفرض عليهم خياراتٍ إستراتيجية خطيرة تتأثر بها كل الأجيال القادمة لعشراتٍ إن لم يكن مئات مِن السنين.

وحَمَلت الزيارة عدة معانٍ ورسائل مهمة لا بد مِن اعتبارها:

أولاً: أن مصر والسعودية هما حجر الزاوية في استقرار المنطقة، وكل منهما يكمِّل الآخر: "عسكريًّا، واقتصاديًّا، وسياسيًّا، وأمنيًّا، ومجتمعيًّا"؛ فهما في الأصل شعب واحد له أقاليم متعددة، يجمع بيْن أبنائه الدين الواحد، واللغة الواحدة، والانتماء الواحد، والمصالح المشتركة التي يخطئ تمامًا مَن يظن تحت أي ظرف مِن الظروف إمكانية قيامها دون تعاون وتعاضد وتماسك، والتداخل بيْن مجتمعين مِن قديم الزمان الذي بلغ آلاف السنين لا يمكن فصله ولا قطعه مهما اختلفت السياسة أو الاقتصاد.

ثانيًا: أن محاولة تصدير الجماعات الصدامية والتكفيرية "أمثال: داعش، والقاعدة" وما جرى مجراها على أنها الممثـِّلة "للوهابية والسَّلفية"؛ محاولة فاشلة كاذبة خاطئة، وأن وراءها الأعداء ولا يزالون في محاولات دءوبة؛ لتوصيل صورة خاطئة عن الدعوات الإصلاحية المعتدلة، القادرة على التعايش مع المجتمعات دون التحوصل ضد المجتمع أو خارجه، وهذا مِن أهم الأمور التي لا بد أن تدركها الحركات الإسلامية ككل، والاتجاهات السلفية خاصة؛ إذ إن إمكانية التعايش والتعاون والتداخل مع الناس ضرورة لبقائهم ونمو دعوتهم، وأن تحوصلهم ضد مجتمعاتهم التي يسميها المنحرفون: "مجتمعات جاهلية!" وليس أنها فقط فيها جاهلية؛ يعنون بها حقيقة دار الكفر وبلاد الكفر - هذا التحوصل كفيل بأن تطحنهم الدول والمجتمعات أنفسها، فضلاً عن الأنظمة.

وكذلك لا بد أن يدرك المتطرفون المنحرفون على الجانب الآخر الهادف لتغريب مجتمعاتنا وطمس هويتها واستغلال الفراغ الناشئ عن الاضطراب والثورات مِن خلال منظمات مشبوهة لها أسماء حسنة وأغراض خبيثة - لا بد أن يدركوا أن محاولات عرض السلفية في صورة الشخص الملتحي الذي يمسك بالسكين ويذبح البشر ويحرقهم، ويكتب أو يقول كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية أو للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله- محاولة فاشلة؛ سيظل العالِمون بحقيقة المنهج السلفي وحقيقة طريقة الإمامين "ابن تيمية وابن عبد الوهاب" واقفين لها بالمرصاد في وعي وإدراك للموازنات والمواءمات، والمصالح والمفاسد، ومِن خلال النقول الثابتة عن الإمامين وباقي أئمة أهل السُّنة مثل: الأئمة الأربعة، وأهل الحديث وأتباعهم، ترد هذه الصورة، وتخلص وتحاصِر فكر التكفير والعنف ضد المجتمعات الإسلامية، والمنهج السلفي بنقائه ورموزه قادر على إخراج الخبث منه وإن انتسب إليه زورًا وبهتانًا.

ثالثًا: في زيارة الملك "سلمان" للأزهر ولقائه بشيخه تأكيد على أن وجود قدرٍ مِن الخلاف بيْن المسلمين أمر طبيعي، ستظل المساحة الأكبر للتوافق هي الغالبة، ويظل التعاون على مواجهة الأخطار المشتركة المجمع على ضرورة مواجهتها وهي تحاول هدم ثوابت الدين وقيم الأمة ومنهج أهل السُّنة هو الضرورة التي لا بد منها.

رابعًا: في استقبال الملك "سلمان" لـ"رأس الكنيسة الأرثوذكسية" رسالة مفادها: أن اختلاف الدين والعقيدة لا يمكن أن يعني استحالة التعايش في سلام مِن أجل مصلحة بلادنا وأوطاننا وأمتنا العربية، وهذا الذي نكرره دائمًا، وإن أصر المخالفون على أن يجعلوننا بيْن خيارين "كلاهما باطل": إما أن تتنازلوا عن عقيدتكم، وإما أن تتحولوا إلى "دواعش" ومقاتلين تخرِّبون البلاد والعباد، وتنتهكون حرمات الناس!

والحقيقة: أن الوفاء بالعهود والعقود الاجتماعية التي تتضمنها دساتيرنا ومناهجنا هو الركن الأساسي لحقيقة موقفنا، مع تمسكنا الذي لا يَقبل التنازل بثوابت عقيدتنا وديننا مهما حاولوا التشويه والكذب، ولقد كانت مواقف "الدعوة السلفية" قبْل الثورة وأثنائها وبعدها مِن حماية "الأقباط" ورفض الاعتداء عليهم، وكذا المشاركة معهم في الأعمال المختلفة: السياسية، والتأسيسية، ورعاية مصالح الوطن الواحد - كانت هذه المواقف تأكيدًا على هذا الأمر.

خامسًا: أن المصالح الإستراتيجية للبلدين لا بد أن تقدَّم على التشنجات الكاذبة التي تفترض أن الوطنية والحفاظ على سيادة الوطن تقتضي الاحتراب والنزاع الذي لا بد أن يفصله غيرنا مِن غير العرب والمسلمين! وأن المساومة هي الأصل في التعامل بيننا كأننا نتعامل مع الأعداء؛ مع أنهم  أقروا مبدأ الاتفاق مع الأعداء الذين لن تتغير عداوتهم إلى يوم القيامة، وإنما يُلجأ إلى التحكيم الدولي إذا عجزنا عن التوافق، مع أن الوصول إلى الحق في المسائل المتنازع عليها "والتي بالقطع ستختلف فيها الآراء والمستندات، والخيارات والاجتهادات" - مع الأشقاء أسهل بكثير مِن غيرهم.

والتداخل بيْن الشعوب العربية والإسلامية مصلحة إستراتيجية للجميع؛ لا بد أن يُتخذ في سبيل تحقيقها جميع الإجراءات المطلوبة لذلك" "دستوريًّا، وقانونيًّا، ودوليًّا"، وليس التشنج والتهييج "الذي وراءه أغراض سياسية مكشوفة" هو الحل، وتبقى الشعوب صاحبة الكلمة في المعاهدات والاتفاقات في النهاية، وهي بالتأكيد أوعى لمصالحها مِن مدعي الوطنية.

ويبقى أن نهمس في أذن الجميع: الشفافية والصدق والوضوح والحوار = أقصر الطرق للوصول إلى قلوب الناس، وإغلاق الطريق أمام المغرضين.

نسأل الله أن يؤلـِّف بيْن قلوبنا، ويصلح ذات بيننا، وأن ينصرنا على عدوه وعدونا، وأن يهدينا سُبُلَ السلام، وأن يخرجنا مِن الظلمات إلى النور.